إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. logo تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما
23542 مشاهدة print word pdf
line-top
موته -صلى الله عليه وسلم- كغيره من الأنبياء والرسل

(5) موته -صلى الله عليه وسلم- كغيره من الأنبياء والرسل، قال الله -تعالى- إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال -تعالى- وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ .
ثم إن المسلمين يدينون جميعا بأن الأنبياء قبله قديما قد ماتوا وانقضت أعمارهم التي كتب الله لهم في الدنيا، وأصبحوا في عالم البرزخ، وحيث ورد في النصوص ما يقتضي حياة الشهداء، كقوله -تعالى- وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ .
فإن الأنبياء أولى بهذه الحياة، ومعلوم أن الشهداء قد خرجوا من هذه الحياة الدنيا، وقد قسمت أموالهم بين الورثة، وحلت نساؤهم لغيرهم، فكان ذلك أوضح دليل على موتهم، ولكن الله -تعالى- نهى أن نقول لهم أموات في قوله -عز وجل- وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ . وهذه الحياة لا نعلم كيفيتها إلا أنا نتحقق أن أرواحهم خرجت من أبدانهم، وأن أعمارهم انقضت، وأعمالهم قد ختمت، وقد فسرت حياتهم في الحديث الصحيح بأن أرواحهم جعلت في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة ، وهذا يحقق أنها قد فارقت أبدانهم، وإنما تميزوا بهذه الحياة الخاصة، ومعلوم أن الأنبياء والرسل أولى بهذه الحياة، وبكل حال فإنها لا تمكنهم من إجابة من دعاهم، أو إعطاء من سألهم، فنحن نعتقد أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- في حياة بزرخية أكمل من حياة الشهداء، وقد تميز بحماية جسده عن البلى، كما ثبت في سنن أبي داود عن أوس بن أوس عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة علي فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: يا رسول الله، كيف تعرض عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء ، وهذا أوضح دليل على أن روحه قد خرجت من جسده، ورفعت إلى الرفيق الأعلى، كما كان ذلك آخر طلبه من الدنيا، وكذا قد ورد في الحديث عن أبي هريرة قوله -صلى الله عليه وسلم- ما من مسلم يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام رواه أبو داود ، وفي كيفية هذا الرد خلاف، والله أعلم بذلك.
وقد روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ، وروى الحافظ الضياء في المختارة وغيره عن علي بن الحسين بن علي -رضي الله عنه- أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا؛ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم ، وقال سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي -رضي الله عنهم- عند القبر فناداني فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء ؛ فهذه الآثار تدل على شهرة ذلك عند السلف، وحرصهم على حفظ هذه السنة وتبليغها، ومعنى قوله: لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور التي لا تجوز الصلاة عندها، والمراد صلاة التطوع.
ولا تتخذوا قبري عيدا نهى -صلى الله عليه وسلم- من زيارة قبره على وجه مخصوص واجتماع معهود بحيث يكون كالعيد الذي يتكرر الاجتماع فيه في زمن محدد، ويحصل به فرح واغتباط يعود ويتكرر كل عام مرة ومرارا، ثم أخبرنا بأن صلاتنا تبلغه أين ما كنا ، يعني أن ما يناله من الصلاة والسلام حاصل مع القرب والبعد، فلا مزية لمن صلى عليه أو سلم عند القبر، وهذا معنى قول الحسن بن الحسن ( وما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء )، ومن قصد القبر للسلام فقط، ولم يكن قصده المسجد؛ فقد اتخذه عيدا كما فهم ذلك الحسن بن الحسن -رضي الله عنه- وقد كره الإمام مالك -رحمه الله- لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي القبر النبوي؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك قال: (ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ).
وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- وكذا كبار التابعين يصلون في المسجد النبوي خلف الخلفاء الراشدين أغلب الأوقات، ثم ينصرفون بعد السلام، أو يجلسون في قراءة أو عبادة، ولم يحفظ عنهم الإتيان إلى القبر بعد كل صلاة، بل يكتفون بالصلاة والسلام عليه في التشهد، وذلك أفضل من الوقوف أمام القبر لذلك، رغم تمكنهم من الوصول إلى القبر في حياة عائشة وبعدها، قبل بناء الحيطان دونه، بعد أن أدخل في توسعة المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك .
وبكل حال فإن الصحابة لم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج إذا قدم من سفر فيسلم عليه ثم ينصرف، كما نقل ذلك عن ابن عمر ولم يحفظ عن غيره من الصحابة، ولم يكن يفعله دائما، فتكرار ذلك كل وقت بدعة ووسيلة إلى تعظيمه أو دعائه مع الله، وقد اتفق الأئمة -رحمهم الله- أن من سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأراد الدعاء لنفسه لا يستقبل القبر، وإنما يستقبل القبلة التي هي أفضل الجهات وأرجى لقبول الدعاء، وأما الحكاية عن مالك أنه قال للمنصور: ولم تصرف وجهك عنه.. بل استقبله واستشفع به.. إلخ فهي حكاية موضوعة مكذوبة عليه، كما حقق ذلك العلماء رحمهم الله .

line-bottom