الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما
شروط الشهادتين
ذكر العلماء لكلمة الإخلاص سبعة شروط رأس> نظمها بعضهم بقوله:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع | محبة وانقياد والقبول لها |
وزيد ثامنها الكفران منك بما | سوى الإله من الأنداد قد ألها |
ومع ذلك فإن الشروط السبعة هي المشهورة في كتب أئمة الدعوة -رحمهم الله- فنذكر عليها بعض الأدلة للتوضيح.
(فأولها): العلم ودليله قوله تعالى: رسم> فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قرآن> رسم> .
وروى مسلم اسم> عن عثمان اسم> -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة متن_ح> رسم> .
والمراد العلم الحقيقي بمدلول الشهادتين وما تستلزمه كل منهما من العمل، وضد العلم الجهل، وهو الذي أوقع المشركين من هذه الأمة في مخالفة معناها، حيث جهلوا معنى الإله، ومدلول النفي والإثبات، وفاتهم أن القصد من هذه الكلمة معناها، وهو الذي خالفه المشركون العالمون بما تدل عليه، حيث قالوا: رسم> أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا قرآن> رسم> وقالوا: رسم> أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ قرآن> رسم> . (وثانيها): اليقين وضده الشك والتوقف أو مجرد الظن والريب، والمعنى أن من أتى بالشهادتين فلا بد أن يوقن بقلبه، ويعتقد صحة ما يقوله، من أحقية إلهية الله تعالى، وصحة نبوة محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- وبطلان إلهية غير الله بأي نوع من التأله، وبطلان قول كل من ادعى النبوة بعد محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- فإن شك في صحة معناها، او توقف في بطلان عبادة غير الله لم تنفعه هاتان الشهادتان؛ ودليل هذا الشرط ما رواه مسلم اسم> عن أبي هريرة اسم> -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الشهادتين: رسم> لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة رسم> ، وفي الصحيح عنه أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: رسم> من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة رسم> ، وقد مدح الله -تعالى- المؤمنين بقوله: رسم> إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا قرآن> رسم> وذم المنافقين بقوله: رسم> وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ قرآن> رسم> .
وقد روي عن ابن مسعود اسم> -رضي الله عنه- قال: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله ، ولا شك أن من كان موقنا بمعنى الشهادتين فإن جوارحه تنبعث لعبادة الرب وحده، ولطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.
(وثالثها): القبول المنافي للرد، فإن هناك من يعلم معنى الشهادتين، ويوقن بمدلولهما، ولكنه يردهما كبرا وحسدا، وهذه حالة علماء اليهود والنصارى فقد شهدوا بإلهية الله وحده، وعرفوا محمدا اسم> -صلى الله عليه وسلم- كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك لم يقبلوه: رسم> حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ قرآن> رسم> .
وهكذا كان المشركون يعرفون معنى لا إله إلا الله وصدق محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم يستكبرون عن قبوله، كما قال -تعالى- رسم> إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ قرآن> رسم> وقال -تعالى- رسم> فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ قرآن> رسم> .
(ورابعها): الانقياد، ولعل الفرق بينه وبين القبول أن الانقياد هو الاتباع بالأفعال، والقبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول، ويلزم منهما جميعا الاتباع، ولكن الانقياد هو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، وقال الله -تعالى- رسم> وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ قرآن> رسم> .
وقال -تعالى- رسم> وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ قرآن> رسم> وقال -تعالى- رسم> وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى قرآن> رسم> .
فهذا هو الانقياد لله -تعالى- بعبادته وحده، فأما الانقياد للنبي -صلى الله عليه وسلم- بقبول سنته، واتباع ما جاء به والرضى بحكمه، فقد ذكره الله -تعالى- بقوله: رسم> فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا قرآن> رسم> .
فاشترط في صحة إيمانهم أن يسلموا تسليما لحكمه، أي ينقادوا ويذعنوا لما جاء به من ربه.
(وخامسها ): الصدق وضده الكذب، وقد ورد اشتراط ذلك في الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- رسم> من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة متن_ح> رسم> ، فأما من قالها بلسانه، وأنكر مدلولها بقلبه؛ فإنها لا تنجيه، كما حكى الله عن المنافقين أنهم قالوا: رسم> نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ قرآن> رسم> وقال -تعالى- رسم> وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ قرآن> رسم> .
وهكذا كذبهم بقوله -تعالى- رسم> وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ قرآن> رسم> .
(وسادسها): الإخلاص وضده الشرك، قال الله -تعالى- رسم> فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ قرآن> رسم> وقال -تعالى- رسم> قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ قرآن> رسم> وقال: رسم> قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي قرآن> رسم> .
وفي الصحيح عن أبي هريرة اسم> عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه متن_ح> رسم> ، وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عتبان اسم> رسم> فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلأ الله يبتغي بذلك وجه الله متن_ح> رسم> . فالإخلاص أن تكون العبادة لله وحده، دون أن يصرف منها شيء لغيره، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وكذا الإخلاص في اتباع محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- بالاقتصار على سنته، وتحكيمه، وترك البدع والمخالفات، وكذا ترك التحاكم إلى ما وضع البشر من قوانين وعادات رأس> ابتكروها، وهي مصادمة للشريعة، فإن من رضيها أو حكم بها لم يكن من المخلصين.
(وسابعها ): المحبة المنافية لضدها من الكراهية والبغضاء، فيجب على العبد محبة الله، ومحبة رسوله، ومحبة كل ما يحبه من الأعمال والأقوال، ومحبة أوليائه وأهل طاعته؛ فهذه المحبة متى كانت صحيحة ظهرت آثارها على البدن، فترى العبد الصادق يطيع الله، ويتبع رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويعبد الله حق عبادته، ويتلذذ بطاعته، ويسارع إلى كل ما يحبه مولاه من الأقوال والأعمال، وتراه يحذر المعاصي ويبتعد عنها، ويمقت أهلها ويبغضهم، ولو كانت تلك المعاصي محبوبة للنفس ولذيذة في العادة لعلمه بأن النار حفت بالشهوات، والجنة حفت بالمكاره، فمتى كان كذلك فهو صادق المحبة؛ ولهذا سئل ذو النون المصري اسم> -رحمه الله- متى أحب ربي؟ فقال: إذا كان ما يبغضه أمر عندك من الصبر .
ويقول بعضهم : من ادعى محبة الله ولم يوافقه فدعواه باطلة، وقد شرط الله لعلامة محبته اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله -تعالى- رسم> قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ قرآن> رسم> .
وقد سبق أن ذكرنا بعض الأدلة على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وما تستلزمه من الأعمال، فكذلك محبة الله تعالى.
مسألة>