الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
درس الفجر - القواعد الأربعة
4418 مشاهدة
القاعدة الثالثة: النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين من يعبد حجرا أو شجرا أو نبيا أو وليا


القاعدة الثالثة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ظهر على أناس متفرقين في عباداتهم، منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبد الشمس والقمر، وقاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يفرق بينهم؛ والدليل قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ .
ودليل الشمس والقمر قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ .
ودليل الملائكة قوله تعالى: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا الآية.
ودليل الأنبياء قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية.
ودليل الصالحين؛ قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ الآية.
ودليل الأشجار والأحجار قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى الآية.
وحديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط الحديث.


ذكروا أن القبوريين يقولون: إن الأولين يعبدون الأصنام، ونحن ما عبدنا الأصنام، أتجعلون الصالحين أصناما؟ أتجعلون أولياء الله أصناما؟ أتجعلون الشيخ عبد القادر والشيخ معروف الكرخي والسيد البدوي والجنيد وأشباههم من الأولياء الصالحين، أتجعلونهم أصناما؟ أتسمونهم بالأصنام؟
إذا قالوا ذلك؛ فقل: أنتم الذين جعلتموهم أصناما، فإذا بنيتم على هذا القبر، ورفعتموه وسترتموه مثلا، وعكفتم عنده ودعوتموه؛ أصبح صنما. المشركون ينتقون صورة للولي الذين يعظمونه، وينصبون هذه الصورة ويدعونها ويتمسحون بها ويسمونها صنما، ينحتونها على صور الأولياء: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ .
والمشركون أيضا يعبدون مثلكم أولياء وأنبياء وصالحين ونحوهم. القبوريون يعبدون أشجارا، ويعبدون نيرانا، ويعبدون أحجارا، ويعبدون قبورا، يعبدون غير الله آلهة كثيرة، كالذين في العراق يعبدون الحسين بنوا على قبره على مكان يقولون إنه قبر الحسين وصاروا يأتون إليه من مسيرة ألف كيلو أو ألفين أو أكثر، ويطوفون في ذلك المكان، في مكان يقال له كربلاء .
وجاءهم الشيطان أيضا يزين لهم وقال: إن عليا دفن في هذا المكان وإن هذا قبره، فسموه النجف ؛ فبنوا عليه بنية، وصاروا يذبحون له، ويطوفون به، ويدعونه ويعكفون حوله، ويتحرون استقباله ويصلون له، ويحلفون به: يا ولي الله يا علي بن أبي طالب يا سيد الخلق، يا كذا وكذا. أليس هذا صنما؟ لا شك أن هذه أصنام وأوثان؛ لأنها تعظم كما تعظم الأصنام.. ، الذين يعبدون تلك الأصنام يعبدونها لما ذكرنا للقربة وللشفاعة.
فالحاصل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه الله كان أهل زمانه متفرقين في عباداتهم؛ يعني بعضهم يعبد كذا وبعضهم يعبد كذا، منهم من يعبد الملائكة، ويسمون الملائكة بنات الله، ومنهم من يعبد الأنبياء، ومنهم من يعبد الصالحين، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبد الشمس والقمر.
يعبدون معبودات متفرقة، ولم يفرق بينهم، بل جعلهم كلهم مشركين، حكم بأنهم كلهم مشركون، وقاتلهم جميعا، ولم يقل: أنتم الذين تعبدون الصالحين، تعبدون الصالحين فلا نقاتلكم ولا نكفركم، لأن الصالحين لا يسمون أصناما، بل قاتل الجميع، أمره الله تعالى بقتال الجميع، قال الله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا ؛ يعني عن الشرك: وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ .
فهكذا أمره الله بقتال الجميع: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وفي هذه الآية: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك؛ يعني حتى لا يكون هناك شرك، قاتلوهم حتى يسلموا ويتوبوا، ويتركوا الشرك، ويخلصوا العبادة لله وحده وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ .
ذكر الأدلة يقول: الدليل على أنهم يعبدون الشمس والقمر قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ دل على أن هناك أناس يعبدون الشمس ويعبدون القمر، ويُعَبِّدون أولادهم لها، فيهم كثير يسمونه عبد شمس.
والعبودية معناها الذل؛ يعني أنه مملوك للشمس أو نحوه؛ فدل على أنهم يعبدون الشمس والقمر، فنهاهم الله وقال: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ .
ذكر الله أيضا عن أهل سبأ -عن سبأ في اليمن - أنهم يسجدون للشمس: وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ؛ فدل على أن هناك من يعبد الشمس، الشمس مذللة مخلوقة مسيرة بأمر الله تعالى، لا تملك لمن يعبدها نفعا ولا ضرا.
فكذلك أيضا الذين يعبدون الملائكة، قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ يقولون: ما أمرناهم بعبادتنا، وإنما الشياطين هي التي أمرتهم بعبادتنا، وصرفتهم عن عبادة ربهم: يَعْبُدُونَ الْجِنَّ يعني: الشياطين أي يطيعون الشياطين في إشراكهم، ويعبدون الشياطين، وكل من عبد غير الله فإن عبادته تكون للشيطان، كما في قول الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ .
يقولون: ما عبدنا الشيطان، بل إنما عبدنا الأولياء. فنقول: إنكم أطعتم الشيطان الذي دعاكم إلى عبادة غير الله، فوقعت عبادتكم للشيطان.
لما نزل قول الله تعالى في سورة الأنبياء: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ قالوا: أتقول يا محمد إن معبوداتنا كلها حصب جهنم؟ نحن نعبد الملائكة، الملائكة من حصب جهنم؟ واليهود يعبدون عزير والنصارى يعبدون المسيح ويعبدون الصالحين، أكُلُّ هؤلاء حصب جهنم؟
فقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ وأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن عبادتكم لهؤلاء الصالحين تقع للشياطين، فالشيطان هو الذي دعاكم إلى ذلك، فأنتم في الحقيقة تعبدون الشياطين، فأنتم والشياطين حصب جهنم.
وكذلك في هذه الآية: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ دل على أنهم قد اتخذوهم أربابا؛ يعني آلهة، اتخذوهم أربابا يعني آلهة يعظمونهم؛ فنهاهم. وَلَا يَأْمُرَكُمْ بل ينهاكم أن تتخذوا الملائكة أربابا، أو تتخذوا الأنبياء أربابا.
وكذلك دليل عبادتهم للأنبياء أن منهم من عبد المسيح كالنصارى، قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إلى قوله: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ما قلت لهم: اعبدوني ولا اعبدوا أمي، وإنما قلت: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وهذا دليل على أنهم عبدوه من دون الله من قبل أنفسهم، وأن عيسى تبرأ منهم.
فدل على أن هناك من يعبد الأنبياء كعيسى ونحوه، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن النصارى إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وسموه باسمه، وصوروا فيه صورته، وصاروا يعبدونه.
ودليل الصالحين قول الله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ هذه الآية نزلت فيمن يعبد الصالحين، أو نزلت في كل من يعبد معبودا وذلك المعبود يعبد الله: ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ هل يملكون كشف الضر عنكم؟ هل يملكون تحويله ونقله منكم إلى غيركم؟
أولئك الذين تدعونهم لا يملكون شيئا من ذلك، هم خير منكم: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ؛ يعبدون الله ويتوسلون إليه بأسمائه، ويتقربون إليه بعبادته: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ فأيكم أقرب؟ أنتم الذين تعبدونهم وهم مخلوقون؟ أم هم الذين يعبدون الله ويبتغون الوسيلة إليه -يعني القربة- وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ؛ فدل على أن هناك من يعبد الصالحين الذين يبتغون الوسيلة إلى الله تعالى ويرجونه ويخافونه.
دليل الأشجار والأحجار: مشهور أنهم يعبدون أشجارا وأحجارا، كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى اللات صخرة في الطائف ولكن كان تحتها قبر ولي يسمونه اللات؛ لأنه كان يخدم ويضيف الحجاج؛ فعبدوا الصخرة.
العزى شجرات في وادي نخلة بين مكة والطائف كانوا يعبدونها، يحلفون بها، يحلفون باللات والعزى، ويفتخرون بعبادتهم لها، ويقصدونها.
قد تقول: كيف ذُهِبَ بعقولهم؟ يعبدون شجرا وحجرا؟ فالجواب أن الشيطان يكلمهم، إذا عبدوها كلمهم الشيطان وزين لهم، ويتكلم في أصل تلك الشجرة، يعتقدون أنها هي التي تتكلم وتخبرهم وتعطيهم وتنفعهم، ولما أسلمت قريش أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- خالدا فقطع تلك الشجرات التي هي شجر العزى، ولما قطع الشجرات؛ خرجت شبه جنية –شيطانة-؛ فعلاها بالسيف فقتلها، فقال: تلك العزى.
ولما أسلم أهل الطائف أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من يحطم تلك الصخرة، حتى حطمها وأصبحت جذاذا.
لا شك أن هذا دليل على أنهم يعبدون هذه الأشجار والأحجار، يوجد في هذه الأزمنة أيضا من يعبدون الأشجار والأحجار، ولكن يعتقدون فيها كما يعتقد الأولون.
ذكر أيضا من الأدلة قصة في غزوة حنين لما توجهوا إلى حنين كان بعضهم إنما أسلموا إسلاما جديدا؛ يعني ما أسلموا إلا من أيام، وبقي عندهم شيء من عادات الجاهلية، فذُكِرَ لهم أن المشركين كهوازن لهم شجرة سدرة يأتون إليها، ويجعلون فيها عرى؛ خيوط أو حبال يعلقون فيها أسلحتهم، يعلقون يعني ينوطون بها، يعلقون فيها تلك الأسلحة، ويقولون: إن هذا فيه النكاية؛ إن السيف أو الرمح أو القوس إذا علق في هذه الشجرة تناله بركتها، ويكون له قوة في القتال.
الصحابة هؤلاء الذين أسلموا جديدا ظنوا أن هذا جائز، فمروا بسدرة شبيهة بتلك السدرة، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ما قصدوا إلا في ظنهم أننا إذا علقنا بها سيوفنا نالتها بركتها بركة هذه الشجرة. أنكر عليهم بشدة وقال: سبحان الله -أو الله أكبر- إنها السنن -يعني العادات- قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ .
يعني أنكم إذا اتخذتم هذه الشجرة وتبركتم بها وعلقتم بها أسلحتكم فقد جعلتموها صنما، وقد جعلتموها معبودا، وقد شابهتم بني إسرائيل الذين قالوا لموسى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ثم قال: لتركبن سنن من كان قبلكم .
فالحاصل أن هذا دليل على أن هناك من الأولين من عبدوا هذه الأصنام، وأنها عُبدت أيضا في هذا الزمان.