تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
فتاوى في الطهارة الشرعية وموجباتها
11276 مشاهدة
الفصل السادس نواقض الوضوء وما في بعضها من الخلاف

وهي ما يلزم إعادة الوضوء بعد أحدها.
(فأولها): الخارج من السبيلين أي من القبل أو الدبر، فينقض قليل البول والغائط وكثيره، وينقض خروج الريح من الدبر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ثم فسر الحدث بخروج النسم من الدبر، وهو بعض أمثلته، فإن كان الخارج بولا أو غائطا أو ريحا انتقض الوضوء، وإن كان تخيلا وتوهما فلا يلتفت إليه؛ ولهذا سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشيء -أي الريح- فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا رواه الشيخان وغيرهما .
وذلك أن بعض الناس يحصل معه حركة في بطنه، وهو ما يسمى بالقراقر، فيظن أنه أحدث، وقد يكون ذلك من وسوسة الشيطان، فنهي عن قطع الصلاة أو إعادة الوضوء حتى يتحقق خروج الخارج.
ومن النواقض (ثانيا): ما يخرج من البدن إذا كان كثيرا نجسا، كالدم والقيء والمذي والقلس، كما روى ذلك في حديث عن عائشة -رضي الله عنها- عند ابن ماجه والدارقطني وفيه مقال، وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قاء فتوضأ، كما عند أحمد والترمذي عن ثوبان وأبي الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاء فتوضأ، قال ثوبان أنا صببت له وضوءه (والقيء) خارج من الجوف مستقذر.
ويلحق به الدم كالرعاف، ودم الجراح، فقد روى ابن ماجه والحاكم وصححه عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا صلى أحدكم فأحدث فليمسك على أنفه ثم لينصرف رجاله ثقات ومعناه أن من أحدث في الصلاة فقد يستحيي من الناس، فله أن يمسك بأنفه، ليوهم من رآه أنه مرعوف، فإن الرعاف معروف عندهم أنه يبطل الطهارة، لكن يعفى عن الدم اليسير، وعن الخارج الذي لا يتوقف، وهو من حدثه دائم؛ لقول الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم. وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ. وبزق ابن أبي أوفى دما فمضى في صلاته.
صلى عمر وجرحه يثعب دما؛ لأنه حدث دائم، وكذا الصحابي الذي أصابه سهم فنزفه الدم ومضى في صلاته، فيلحق به كل من حدثه دائم كسلس البول، لكن يتوضأ لكل صلاة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمستحاضة: ثم توضئي لكل صلاة .
ومن النواقض (ثالثا) زوال العقل بنوم، أو إغماء، أو سكر ونحوه ؛ لأنه بعد زوال عقله لا يشعر، مما يخرج منه.
والدليل ما رواه علي ومعاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ . وفي حديث معاوية فإذا نامت العينان استطلق الوكاء قال أحمد: حديث علي أثبت وأقوى ومعناه أن الإنسان إذا كان مستيقظا فإنه يمسك نفسه ويشعر بما يخرج منه، فإذا نام زال إحساسه، فربما يخرج منه الريح وهو لا يشعر، وخصه المحققون بما إذا كان مضطجعا واستغرق في النوم، بخلاف نوم الجالس المتمكن، وكذا نوم الراكع والساجد، فإنه في العادة لا يستغرق، ويلحق بالنوم الإغماء، والجنون، والسكر، فإنه يزيل العقل، فهو أولى بالوضوء بعده من النوم.
ومن النواقض (رابعا) مس الذكر أو الفرج باليد بدون حائل فقد ورد فيه أحاديث كثيرة، ذكرها الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير وتبعه الشوكاني في النيل وقد بلغت سبعة عشر حديثًا مرفوعًا، وكثير منها يبلغ درجة الصحة أو الحسن، وأشهرها حديث بنت صفوان فقد رواه مالك في الموطأ باب الوضوء من مس الفرج، ورواه أحمد وأهل السنن وقال الترمذي هذا حديث صحيح، ثم ذكر له طرقا عن بسرة وعن عروة ونقل عن البخاري أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة قال الترمذي وهو قول غير واحد من أصحاب النبي والتابعين، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ونقل الحافظ في التلخيص عن أحمد أنه صحيح، وصححه أيضا الدارقطني وابن معين والبيهقي وغيره .
ثم روى مالك في الباب عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: كنت أمسك المصحف على سعد فاحتككت فقال سعد لعلك مسست ذكرك؟ فقلت: نعم. قال: قم فتوضأ، ثم روى عن نافع عن ابن عمر قال: إذا مس أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء وروى عن عروة نحوه وروى عن ابن عمر أنه كان يغتسل ويتوضأ، ويذكر أنه أحيانا يمس ذكره فيتوضأ بعده .
وكل ذلك يدل على شهرة انتقاض الوضوء من مس الذكر، ويلحق به مس المرأة فرجها؛ لحديث أم حبيبة مرفوعا: من مس فرجه فليتوضأ صححه أحمد وأبو زرعة وقال ابن السكن أعلم له، علة ذكره في النيل وهو يعم القبل والدبر.
وشرطه أن يباشر مسه بدون حائل؛ لحديث أبي هريرة رفعه: مَن أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء رواه أحمد وابن حبان وقال: صحيح سنده، عدول نقلته، وصححه الحاكم ورواه البيهقي وغيره، وجوَّده ابن السكن كما في التلخيص .
وأما حديث طلق بن علي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن مس الذكر في الصلاة، فقال: وهل هو إلا بضعة منك رواه أحمد وأهل السنن وغيرهم فقد صححه ابن المديني وغيره، وقال عمرو الفلاس هو عندنا أثبت من حديث بسرة وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وغيرهم، ورجح ابن حبان والطبراني وابن العربي وغيرهم أنه منسوخ وهو الأقرب.
ثم إن من شرط النقض أن يمسه ببطن الكف أو بظهرها، فلا ينقض المس بالرجل والذراع، كالساق والفخذ.
ومن النواقض (خامسا) مس المرأة بشهوة؛ ودل عليه قول الله -تعالى- أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ وفي قراءة: (أو لمستم النساء)، وهي قراءة سبعية وخص النقض بما كان لشهوة، أي لذة يحصل معها التلذذ والانتشار، كالتقبيل، والمس باليد، أو بشيء من أعضاء الجسم، وأما الحديث عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل بعض نسائه ولم يتوضأ رواه أبو داود وغيره فضعفه بعض العلماء وحمل على أن التقبيل للشفقة والرحمة.
ثم إن اللمس يعم مس المحرم والأجنبية والزوجة، إذا كان بشهوة، ويعم المس باليد أو بغيرها من أعضاء الجسد.
ومن النواقض (سادسا) تغسيل الميت وقد ورد الأمر بالاغتسال منه في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وله طرق كثيرة يبلغ بها درجة الحسن، وحمل الاغتسال على الندب، وقال الإمام أحمد أقل ما فيه الوضوء. وذهب إليه بعض الصحابة والأئمة، وأما حمل الميت فلعل المراد احتضانه بدون حائل، ففيه الوضوء، دون حمل السرير وهو عليه، فلا حاجة مع الحمل للجنازة إلى الوضوء، أما من غسله بأن دلك جسده، ولو مع حائل كخرقة ونحوها، فالمختار أنه يتوضأ، وستحب له الاغتسال، ويعم تغسيل الصغير والكبير، والرجل والمرأة، وإن لم يتوضأ فلا حرج عليه؛ لوجود الخلف بين العلماء، ولا يعم من صب الماء على الميت، إذا لم يمس بشرته ويدلكه بيديه.
ومن النواقض (سابعا) أكل لحم الإبل، وهو اللحم الأحمر الذي يطلق عليه اسم اللحم، وقيل: إنه ينقض أيضا أكل الكبد، والطحال، والكلية، والأمعاء، ونحوها، فإنها تدخل في لحم الإبل عند الإطلاق، كما تدخل في تحريم لحم الخنزير ونحوه.
والعلة في الوضوء من أكل لحم الإبل خاصة قوة التغذية؛ فإن للحمها من القوة ما ليس لغيره، فناسب الوضوء بعده تخفيفا لتأثيره على الشهوة أو البدن، ويمكن أن العلة ما ورد من أن على ذروة كل بعير شيطانا والشيطان خلق من النار، والنار تنطفئ بالماء، فناسب الوضوء بعد أكل لحمها، وورد أيضا أنها جن خلقت من جن وفي الصحيحين عن أبي مسعود مرفوعا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل وعند أبي هريرة -رضى الله عنه- مرفوعا: والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين، أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم .
فعلى هذا يجب الوضوء على من أكل من لحمها، وقد دل عليه حديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ. قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل. قال: أصلي من مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا .
وعن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا فيها؛ فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها فإنها بركة رواه أحمد وأهل السنن وابن حبان وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم ولا عذر لمن ترك العمل بهذين الحديثين مع صحتهما، وحديث ترك الوضوء مما مست النار عام مخصوص هذا الحديث؛ لأنه فرق بين الإبل والغنم، وكلاهما مما مست النار، وتكون الرخصة في ترك الوضوء من الخبز، وأكل الطعام المطبوخ، والأقط، والخضار التي تطبخ، ويبقى لحم الإبل يتوضأ منه، ولو أكله غير مطبوخ، ولا مشوي؛ لظاهر الحديث، والله أعلم.
(وثامن) النواقض الردة عن الإسلام نعوذ بالله من ذلك، وهي الكفر بعد الإسلام، أو عمل يحصل به الكفر، من الأقوال، أو الأفعال، كدعاء الأموات، والطواف بالقبور، والتمسح بأتربتها، والسجود لها، والسخرية بالله أو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أو بالقرآن، وإنكار شيء من أركان الإسلام، واستحلال الزنى، أو الربا المحرم، أو المسكرات ونحو ذلك.
والدليل قوله -تعالى- لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وقوله: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ولا شك أن الطهارة عمل شرعي، فإذا ارتد عن الدين، وأشرك بالله حبط وضوؤه، ولزمه تجديد الوضوء، والتوبة النصوح.
ويستحب تجديد الوضوء لكل صلاة، فقد قال أنس كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ لكل صلاة، قيل: وكيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث رواه البخاري وروى بريدة قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد رواه مسلم .
ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث لم يلتفت إلى الشك، وصلى في تلك الحال، أما إن تحقق الحدث، وشك هل توضأ بعده، لزمه الوضوء لرفع الشك، والمحدث لا تصح منه الصلاة فرضا، ولا نفلا، ويصح منه سجود التلاوة والشكر، ولا يمس المصحف إلا على طهارة كاملة، ولا يطوف بالبيت حتى يتطهر من الحدثين.