شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
فتاوى في الطهارة الشرعية وموجباتها
11200 مشاهدة
الفصل التاسع ما يقع فيه الكثير من التساهل والتفريط

لا شك أن الواجب الاغتسال أو الوضوء بالماء الطهور، وإنما أبيح التيمم رخصة وتوسعة عند فقد الماء أو قلته، أو العجز عن استعماله ، أو التضرر بالاستعمال، لكن الكثير من الناس يتيممون مع وجود الماء أو قربه، أو القدرة على استعماله، فيعتقدون أن الغيبة القصيرة عن البلد أو الأهل تبيح التيمم مع وجود الماء بكثرة، وسهولة الحصول عليه.
فيحصل أن منهم من يخرج للنزهة مسيرة ساعة عن البلد أو أقل، ويقيمون في مخيمات، أو تحت شجر أو نحوه، ومعهم المياه الكثيرة في الأواني والمزادات وصناديق السيارات، والخزانات، والتوانك، والبراميل، وربما معهم الوايتات الكبيرة مليئة بالمياه الطاهرة، فتراهم يغسلون الأواني والكؤوس، ويصبون عليها الكثير من المياه، ويغسل أحدهم يديه بعد الأكل بماء كثير، قد يكفيه للوضوء أو يزيد عليه، وهكذا يغسلون ثيابهم، ويهريقون الكثير من المياه في الأرض، ومع ذلك كله يعدلون في الطهـارة إلى التراب، ظنا منهم أن مجرد خروجهم يبيح لهم التيمم، وهم مع ذلك عندهم السيارات الكثيرة، ومتى فقدوا إناء، أو احتاجوا إلى وقود، أو ملح طعام أو نحوه أرسلوا السيارة إلى البلاد لقضاء تلك الحاجة، ولم يطلبوا منه إحضار الماء للطهارة، بل يعدلون إلى التيمم.
وهكذا الكثير من الناس إذا سافروا من بلد إلى بلد، والمسافة تستغرق ساعة أو ساعتين، فإذا دخل عليهم الوقت وقفوا للصلاة وتيمموا، مع وجود الماء معهم، ولو كان قليلا، ومع قرب البلاد والمحطات في الطريق، وقد ذكر العلماء أن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لمن يرجو حضور الماء أو الوصول إليه هو الأولى، فإذا دخل وقت العصر مثلا في الساعة الثالثة والثلث مساء، فإن له أن يؤخرها إلى أن يصل البلد أو الماء ولو إلى الساعة السادسة، مع أنه يندر أن يسير الراكب في السيارة ساعة ونصف وهو لم يمر في طريقه ببلدة، أو استراحة، أو محطة وقود، مما يتوفر فيها الماء للطهارة ولو بثمن المثل.
فالذين يصلون والبلد قريب منهم، ويتيمون، يعدون متساهلين في الطهارة، وأما ما روي عن ابن عمر أنه تيمم وهو قريب من المدينة فإن سيره على الإبل ليس كسير السيارات، فقد يبصر البلاد من بعيد، ولا يصلها إلا بعد ساعتين أو أكثر.
ومن التساهل أيضا ما يحصل من المرضى في المستشفيات وهم على السرر، فإن الكثير منهم قد يتركون الصلاة عدة أيام إذا شق عليه الوصول إلى الحمام للطهارة، وقد يجمع عدة صلوات فيصليها في وقت واحد، وكثير من الأطباء يمنعون إدخال التراب إلى العيادات، ثم إن المريض يترك الصلوات حتى يخرج أو يتوفى، وقد يصلي بدون وضوء ولا يتيمم.
والواجب في مثل هذه الأحوال صلاة كل فرض في وقته، ويجوز الجمع بين الظهرين، وبين العشائين بوضوء واحد إذا استطاع الوضوء في الحمام للطهارة، أو كان معه من يصب عليه حتى يتطهر من الحدث والخبث.
فإن لم يستطع لشدة المرض جاز له التيمم، بإحضار تراب طاهر في طست، يتسع لأن يضرب فيه كفيه مبسوطين مفرقتي الأصابع، فإن عجز فإن رفيقه ييممه كذلك، إما بيدي المريض، أو بيدي المرافق، فإن لم يقدر على إدخال التراب الطاهر جاز التيمم على البلاط إذا كان فيه غبار ولو قليلا، ومع مشقة النزول يتيمم على فراش السرير، ولو لم يكن عليه غبار؛ لمجرد الامتثال، ولقول الله -تعالى- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فإن الطهارة لازمة، وهي شرط لصحة الصلاة؛ فيأتي منها بما استطاع، ولا يترك فعلا مأمورا به مع القدرة عليه.
فإن عجز عن الجميع صلى على حسب حاله، فإن وصل به المرض إلى حالة لا يقدر فيها على الحركة بيديه وبرأسه فله الصلاة بدون وضوء ولا تيمم، ولا يترك الصلاة وهو يعقل، بل يصلي ولو بالإشارة برأسه وطرفه، ولو مع شدة المرض، فإن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صلى وجرحه يثعب دمًا؛ لما ذكروه بالصلاة، وقال: نعم، إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.