إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
لقاء إدارة التعليم
4876 مشاهدة
خاتمة

نعرف أن إخواننا - إن شاء الله كما نظن - أنهم يعملون بعلمهم، أو بأكثر من ذلك، وأنهم يحرصون على أن يُعَلِّمُوا، وأن يتعلموا، ونعرف أيضا أن الإنسان مهما وصل إلى أي رتبة من العلم فإن ما فاته أكثر، كما قال الشاعر:
ليس كـل العلــم قـد حـويته
أجـل ولا العشـر ولو أحصيتـه
فيقول بعض العلماء: إن العلم كثير، أو إن العلم واسع، وإن العمر قصير، وإن على الإنسان أن يبدأ بالأهم فالمهم ، أن يتعلم العلم النافع، ولا يمل من مواصلة التعلم ولو بلغ ما بلغ؛ فإنه لن يُحط بكل العلوم لكثرتها، ولكن عليه أن يجتهد في نيل ما يستطيعه من العلم النافع، ثم العمل به، ثم تعليمه، وبثه لمن يحتاج إليه من خاص، وعام؛ ليكون بذلك منتفعا لما علمه الله.
نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا، وعملا صالحا متقبلا، ونعوذ به من علم لا ينفع، ومن عمل لا يرفع، نسأله سبحانه أن يرزقنا العلم النافع به، الذي هو: ميراث أنبيائه، وأن يجعلنا من أتباع الأنبياء، ومن ورثتهم، وأن ينفعنا بما علمنا من العلوم، وأن لا يجعله وبالا، ولا حجة علينا، نسأله سبحانه أن يسلك بنا صراطا مستقيما، وأن يهدينا الطريق الأقوم، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد
أسئـلة
شكر الله فضيلة الشيخ هذه التوجيهات السديدة القيمة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها في موازين حسناته، وردت أسئلة كثيرة فلعلنا - إن شاء الله - نعرض ما يسمح الوقت بعرضه:
س: فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن مدرسي التربية الرياضية، وكذلك التربية الفنية، هل يثاب الإنسان على عمله هذا؟ نرجو إيضاح ذلك، وأن تدلنا على الطريقة التي نثاب بها على عملنا، جزاكم الله خيرا.
أذكر مر بنا ومر بكم في تفسير قول الله تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ فَسر بعض العلماء الربانيون: الذين يربون المتعلمين على صغار العلم، أو على صغار المسائل قبل كبارها، فسمي بذلك تربية، يربونهم، يعنى: ينشئونهم على هذه التربية الحسنة، لا شك أن التربية تطلق على تربية البدن، وعلى تربية الروح؛ ولذلك يقولون: إن المعلم يربي الأرواح، وأن الوالد يربي الأبدان. فالمعلمون إذا أخلصوا في علومهم في هذه التربية: تربية بدنية، أو تربية ثقافية، أو تربية روحية، وقصدوا بذلك نفع المسلمين كانوا مثابين على ذلك، ودخلوا في هذه الآية التي أمر الله تعالى بها في قوله: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وفي قراءة: بما كنتم تَعْلَََمُونَ الكتاب وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ. فالقراءة التي نقرأها: بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ أي: حيث إنكم تعلمون الكتاب، يعني: كتاب الله تعالى، وكذلك سنة نبيه، فإنكم إذا كنتم ربانيين كان لكم الأجر على امتثال أمر الله.
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، هناك من المدرسين من يتهاون في الدخول إلى الفصل، فتجده يتأخر في ذلك، وهناك من يتهاون في التحضير الذهني؛ بناء على تحضير أعوام سابقة، فما توجيهكم لهؤلاء - حفظكم الله -.
لا شك أن التعليم مسئوليته كبيرة، وأن المتعلم يعتمد على ما يلقيه إليه هذا المعلم، ويراه هو الذي يجب عليه تعلمه، فنقول: إن هذا التعليم وظيفة شريفة رفيعة، يرفع الله تعالى بها من تصدى لها؛ حيث إنه يعلم شرع الله تعالى، ويلقنه لمن يجهله، فمن أداء الأمانة القيام بها أداء كاملا، فإذا قُدر لهذه المادة وقت محدد: يبدأ من الدقيقة كذا، وينتهي بدقيقة كذا وكذا، فإن أداء ذلك واجب على ذلك الذي التزم بذلك، فلا يجوز له التأخر؛ حيث إنه يفوت وقتا على أولئك الطلاب الذين ينتظرونه، والذين يتلقون عنه هذا العلم، بحيث إنه إذا دخل متأخرا لم يتمكن من إنهاء تلك المادة التي أُمر بأن يؤديها ويعلمها في ذلك الفصل الدراسي، أو في السنة الدراسية، أو يؤديها مع نقص وخلل فيها كما هو الواقع من كثير من المتهاونين.
وأما التحضير فلا شك أن الإنسان يتعرض للنسيان - غالبا - فيحضر في السنة الماضية، ثم للسنة التي بعدها ينسى كثيرا مما كان استحضره، ومما كان حضره وتعلمه وألقاه على الطلاب في السنوات الماضية، فنقول: لا يستغني أن يعرض المادة التي سوف يقوم بتدريسها كل يوم؛ حتى يكون مستعدا لذلك، وأتذكر من مشائخنا -رحمهم الله- سماحة شيخنا محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- المتوفى في رمضان سنة تسع وثمانين وثلاث مائة وألف - كما هو معروف - يمكن أنه درَّس شَرْح زاد المستقنع أكثر من عشر مرات، أو عشرين مرة، وكذلك درس مثلا فتح المجيد عدة مرات، وكذلك كتاب ابن حجر الذي هو: بلوغ المرام وشروحه، ومع ذلك كان لا يقطع المذاكرة، ويأتيه كل يوم من يقرأ عليه درس ذلك اليوم من المتن، وكذلك ما عليه من التعليقات، ومن الحواشي، ونحوها، ويعتمد تلك الحواشي، ويقررها على الطلاب في كل يوم، لا شك أن هذا خوف من أن يقع في غلط؛ فإن المدرس إذا غلط غلطا - ولو يسيرا - وأخذه منه الطلاب نسبوا ذلك الغلط إليه، وجادلوا، وقالوا: هذا أخذناه من شيخنا فلان، وأصروا على أنه صواب، مع أنه قد يكون ظنيا، وقد يكون فيه شيء من النقص، أو ما أشبه ذلك، فعليك أن تجدد قراءة كل مادة في كل يوم، ولو كنت قد حفظتها، ولو كنت قد عرفتها في السنوات الماضية، ولو تكرر عليك تدريسها عدة سنوات؛ حتى لا تقع في شيء من الخطأ - ولو يسيرا -.
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ - حفظه الله - جزاك الله خيرا على تفضلك علينا تحتاج بعض المرافق إلى قيادات مثل: مدير المدرسة، أو وكيل، أو خلافه، وقد يُدعى بعض من يتوسم فيه الخير، والصلاح، والمواصفات القيادية، فيرفض، ويتذرع بدعاوى ليست صحيحة، فما توجيه فضيلتكم لهؤلاء ؟
على المسلم أن يستجيب لما فيه مصلحة، وما فيه خير من الوظائف التي فيها منفعة، سواء كانت إدارية، أو نحوها من الوظائف، المدراء لا شك أن عليهم مسئولية، فإذا رؤي من الإنسان كفاءة، وأهلية، وطلب منه أن يتولى تلك الإدارة فلا يمتنع، بل يوافق على ذلك، مع التزامه بأن يقوم بقدر ما يستطيع في تنظيم الأمور، وفي ترتيب الأحوال، وفي اختيار الأكفاء من المدرسين ونحوهم، وفي متابعتهم، وتوجيههم وما أشبه ذلك؛ ليكون له الأجر على ذلك، ويثاب على نصحه.
وهكذا أيضا إذا طلب من الإنسان أن يتولى عملا شريفا له فيه أو للمسلمين فيه فائدة، فننصحه بأن لا يمتنع عن ذلك، إذا علم بأنه أو علم غيره بأنه يترتب على ذلك مصلحة للمسلمين، حتى الوظائف الصغيرة، والكبيرة، قد يضطر إلى تعيين الأكفاء عليها، ولا يجوز لهم الامتناع.
وردت أحاديث في النهي عن تولي القضاء، وأن من وُلي القضاء فقد ذبح بغير سكين، وأنه يؤتى بالقاضي العادل فيلقى من الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة ونحو ذلك، ولكن ذكر العلماء أنه قد يتعين إذا شغر هذا العمل، ولم يكن هناك من يتولاه .... كفاءة، فيجب عليه أن يتولاه، وإذا رأى أنه أخبر عن نفسه الكفاءة فلا مانع من أن يطلبه، ويطلب توليه؛ حتى يصلح ذلك، وحتى يحسنه، فقد ذكر الله تعالى عن يوسف أنه طلب الولاية بقوله: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ وهكذا القيادات الأخرى التي فيها منفعة للمسلمين كتولي الهيئات، يعني: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتولي الخطابة، وتولي الإمامة، ولو كان في ذلك شيء من المسئولية، ولكن يمرن الإنسان نفسه، ويحرص على أن يؤدي الأمانة كما أو على ما يقدر عليه وله أجر كبير على احتسابه، ويؤجر على النقص الذي فيه إذا كان ذلك عن غير تعمد، يأجره الله تعالى، ويأجره رضوانه، ولا يكلفه ما لا يطيقه، وكذلك أيضا إذا دُعِيَ إلى أن يتصدى لتعليم الناس ما ينفعهم، أو من الإجابة على أسئلتهم أو ما أشبه ذلك، ولو أنه قد يفوته شيء من المعلومات، فإذا فاته شيء أو سئل عن شيء لا يعلمه فإنه يتوقف عن ذلك
وقـل إذا أعيـــاك ذاك الأمــر
مـا لي بمـا تســأل عنه خـبر
فـذاك شـرط العـلم فـاعلمنـه
واحـذر هـديت أن تـزيـغ عنـه

س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، ما حكم زيادة درجة، أو درجتين للطالب الذي يتبقى عليه مثل ذلك للحصول على النجاح في مادة، أو أكثر، بل يعتبرها بعض المعلمين منحة لذلك الطالب؟
نرى أنه لا بأس بذلك، ويسمى: جبرانا، لو ما بقي عليه إلا درجة من مائة، ودرجتان، أو ثلاث درجات، أو نحوها، يعني مما يتسامح فيه، سيما إذا عرف ذلك الطالب بحسن الخلق، وبالمواظبة، وبمحبة العلم، وبالرغبة فيه، أو كان ترك ذلك مما يعوقه، ومما يصاب معه بنفسانية، وتعقد، وانكماش عن العلم، وزهد فيه، فيشجع بجبره بهذه الدرجتين، أو الثلاث وما أشبهها.
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ ما حكم استعمال الفيديو في المدارس لأغراض تعليمية وتربوية؟ وكذلك ما حكم استعماله لتوثيق نشاط المدارس من حفلات ونحوها، حيث إن التوثيق من الأمور التي تُقَيَّم عليها المدارس؟ وكذلك ما حكم التوثيق بالتصوير الفوتوغرافي لذوات الأرواح؟
هذه الأجهزة كما يقال عنها أنها سلاح ذو حدين، فالذين يشترون هذا الجهاز الفيديو، ويعرضون فيه الأشياء التي تنفع، والتي تفيد، لا شك أنهم يعملون خيرا أنهم ينفعون المسلمين بذلك؛ لأنه من جملة الوسائل التعليمية، يعني مثل: السبورة، والخرائط وما أشبهها من وسائل التعليم، فنرى أنه لا بأس باستعمال هذا الجهاز الذي هو الفيديو، وكذلك أيضا أشرطة الفيديو لا بأس باستعمالها، ولا بأس بأخذ لقطات مفيدة من محاضرات، أو تمثيليات مفيدة، هادفة، ينتفع بها في الحال، أو ينتفع بها في المآل، ويستفاد منها إذا عرضت، وما أشبه ذلك، فوسائل التعليم متنوعة، ولكل زمان ما يناسبه.
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، يقوم البعض بتعويض ما يحدث من تقصير في مجال عمله بالعمل في أنشطة إضافية، أو مشاركة مالية بالمدرسة، فما رأي سماحتكم؟
ننصحه أولا: أن لا يألو جهدا في أداء عمله الذي اؤتمن عليه، فلا يتأخر وهو يقدر على عدم التأخر، بل يواظب، ويؤدي العمل كاملا، يعني: الحصص الدراسية التي أسندت عليه، لا يضيع منها ولو دقيقة أو دقائق، يحرص على استغلالها، واستعمالها، ولكن إذا فات شيء عن غير اختيار بل لأمر قهري، أو لعذر شرعي، فإنه معذور في ذلك في هذا الفوات، ولا شك أيضا أنه إذا شارك في تلك الأنشطة، وعمل ما يجبر الخلل الذي حصل من نقصه، فإن ذلك يحصل به الكفاية - إن شاء الله - ولا شك أيضا أن الأنشطة، والأعمال التي يعملها المدرسون، ونحوهم، فيما يشجع الطلاب على المواصلة، وفيما يقوي معلوماتهم: من تمثيليات هادفة، ومن مسرحيات، ومن رحلات علمية مفيدة، أو ما أشبه ذلك، أن هذا مما ينفعهم، والذين يساهمون فيه لهم أجر كبير على قدر نيتهم.
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، يكثر النقد للتعاليم الصادرة حتى لو كانت لأمر بسيط، فهل يأثم الناقد من هذا النقد، ومن التضجر منها ؟
إذا كان الانتقاد بحق فلا بأس؛ وذلك لأن كثيرا من التعاليم قد تكون لسبب غير صحيح، أو لسبب مؤقت حدث، ثم عُمم على المدرسين، والدوائر ونحوها، بسبب ذلك الأمر الذي حدث، وذلك لا يكون صالحا لأن يعمم على جميع المدارس، وعلى جميع المرافق ونحوهم، إنما يكون سببه مخصصا في ذلك، فلا بأس إذا انتقده انتقادا حقا، وأما إذا كانت تلك التعاليم مناسبة، أو موافقة، وليس فيها ما يُنتقد، وكانت المصلحة في الالتزام بها فلا يجوز الانتقاد لها، والاعتراض عليها.
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، ما حكم الخروج أثناء الدوام، لأمر يمكن قضاؤه في وقت آخر ؟
لا يجوز، لا شك أن المدرس عمله محدد مبدئيا، ونهائيا، فلا يجوز له أن يخرج وقت أداء تلك الحصص اللازمة له، أما إذا كان عنده فسحة، يعني: كدرس يكون فيه فارغا بين درسين، أو نحو ذلك، فله أن يخرج لقضاء حاجة له، ولا يلزمه أن يجلس بدون عمل لا يلزمه، وإن كان خروجه يؤدي إلا أن يفوت عليه شيء من عمله لم يجز له الخروج، بل يؤخر تلك الأعمال للوقت الذي لا يكون فيه منشغلا.
س: فضيلة الشيخ أشعر بزيادة العمل حين يوجد الرئيس المباشر لي، وحين غيابه أتأخر في أداء بعض الأعمال، فهل أنا آثم في ذلك؟
نعم، يحدث هذا من كثير من العاملين، وكثير من الموظفين، إنما ينشط ويجد في عمله إذا كان أمام الرئيس الذي يكون مسئولا عنه، أو رئيسا عليه، فتجده يجد في عمله، وتجده يحرص على تكملة ما يلزمه، أما إذا لم يكن عنده أحد يراقبه أو ينظر إليه رأيت منه شيئا من الكسل، ورأيته متغافلا، أو منشغلا بالكلام مع فلان وفلان، أو منشغلا بمكالمات هاتفية تضيع عليه وقت عمله الذي هو مسئول عنه، بحيث يتأخر إنجاز هذا العمل، لا شك أن هذا يعتبر نقصا في العمل، وأن المسلم عليه أن يشعر بمراقبة الله تعالى له، إذا غاب عنه رئيسه لم يغب عن نظر الله تعالى، وإذا غاب عنه من يحاسبه في الدنيا لم يغب عنه من يحاسبه في الآخرة، فيستحضر أنه بمرأى ومسمع من الله تعالى، ويشعر بأنه مسئول عن ذلك أمام الله.
س: جزاكم الله خيرا، فضيلة الشيخ إنني أحبك في الله، هل يجوز الاستماع لقول من يتهم النيات، كأن يقول: هذا قصده كذا، وهذا قصده كذا؟
أحبكم الله، وجعلنا جميعا من المتحابين في الله تعالى، لا يجوز القول بالظن، واتهام المتكلم بأنه يقصد كذا وكذا، مع أن تلك الاتهامات بعيدة عن ظاهر كلامه، فإذا ظهر لنا منه كلام لم يكن فيه شيء من الخفايا، بل يتبادر إلينا أن قصده ما قصده وما أراده فإننا نحسن به الظن، ورد في بعض الآثار عن بعض السلف، قال: لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا. أي: احملها على أحسن محاملها؛ إحسانا الظن بهذا المسلم الذي قال هذه المقالة، أو خطب هذه الخطبة في محفل أو نحو ذلك، أو كتب هذه الكلمة تحملها على أنها ما قصد فيها إلا خيرا، سيما إذا عرفت منه الخير، وعرفت منه نيته الصالحة، ومحبة الإسلام، ومحبة أهله، فلا تحملها على محامل بعيدة، يمكن إذا كان هذا القائل أو هذا الكاتب ناقص الدين وناقص الأمانة، ومعروفا بالبغض للخير ولأهله، ومعروفا بالشر والميل إلى الفساد وإلى الإفساد، وصدرت منه كلمات قد يصوغها بصياغة يظهر منها لبعض الجهلة والناس أنه يقصد بها مقاصد حسنة، ولكن إذا تأملها المتأمل وجد أنها تنطبق على ما يميل إليه من الفسوق والفساد، وأنها احتمالها الخير احتمال غريب أو بعيد، فمثل هذا لا مانع من أن نقول: إنه قصد كذا لظاهر مقصده، وللأمارة والقرائن التي تدل على ذلك .
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، يتحدث البعض عن سلوكيات أحد الطلاب، وما يحدث منه داخل الصف في مجمع من معلمي المدرسة، خصوصا إذا كانت مواقف سلبية، وينشرها بين المعلمين، فما توجيهكم حفظكم الله؟
نرى أنه لا يجوز ذلك، اعتبروا هذا من الغيبة، فإذا رأيت من أحد الطلبة شيئا من الانتقاد، أو شيئا من الأعمال السيئة التي تنكرها عليه، فإن عليك نصيحته، وإذا رأيت أنه لم يتأثر، كررت النصيحة معه، وإذا رأيت أيضا أنه لم يتأثر، خوفته، وهددته بما تقدر عليه، أو أرسلت إليه من ينصحه؛ حتى يستقيم في سلوكه، فأما إفشاء أسراره، ونشر سمعة له بأنه يميل إلى كذا وكذا، وبأنه يتظاهر بكذا، فنرى أن ذلك من الغيبة، لكن يمكن أن يكون بعض الطلاب مشتهرا بأفعال سيئة، تقدح بعدالته، وتجلب إليه التهمة السيئة، فمثل هذا يحذر منه، يذكر على وجه التحذير، ولا يكون ذلك غيبة على حد ما ذكره بعض العلماء الذين ذكروا الغيبة وحصروها في الستة التي نظمها بعضهم بقوله:
الـذم ليس بغيبــة فـي سـتة
متظلــم ومعــرف ومحــذر
ولمظهـر فسـقا ومسـتفت ومن
طلب الإعـانة في إزالـة منـكر

س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، هل يدخل راتبي شبهة حين أتأخر عن العمل، ويقوم رئيسي بالسماح لي في ذلك ؟ حفظكم الله.
إذا سمح لك فإنه يلزمه أن يقيم مقامك من المدرسين من يقوم بذلك العمل إذا كان عمل التدريس، أما إن كان عملا إداريا ككتابة أو نحوها وكان العمل لا يختل، وإذا حضرت بعد ساعة، أو بعد نصف يوم أنجزت ما تركته من الأعمال، ومشيت ذلك، فراتبك - إن شاء الله - لا حرج فيه.
س: أثابكم الله، تعلمون - وفقكم الله - أن المعلم قدوة، ما توجيهكم للمعلم الذي يرتكب بعض المعاصي؟
صحيح أن اقتداء كثير من الطلاب بالمعلمين بأفعالهم أكثر من اقتدائهم بأقوالهم؛ وذلك لأنهم يعتقدون أن هذا المعلم أفضل منهم؛ لأنه حمل هذا العلم؛ ولأنه قام ببذله، فله مكانة في نفوسهم، فإذا رأوه يفعل أفعالا سيئة اقتدوا به فيها، فكان عليه إثمهم، حيث إنه دعى إلى هذه المعاصي بأفعالها، فلذلك نقول: عليك أيها المعلم أن تكون قدوة حسنة، يتبعك هؤلاء المتعلمون، وينتفعون بعلمك، وينتفعون بعملك، فلا تكن قدوة سيئة، ذكر ابن القيم أو نُقل كلام ابن القيم الذي تكلم فيه في الفوائد، نقله الشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد -رحمه الله- في الهدية الثمينة، يقول فيه: علماء السوء جلسوا على أبواب النار يدعون إليها بأفعالهم، ويدعون إلى الجنة بأقوالهم، فإذا قالت أقوالهم: هلموا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا لو كان ما يقولون حقا لكانوا أول المبادرين إليه. ويقول بعض الشعراء:
مـواعـظ الـواعظ لـن تقبــلا
حــتى يعيهـــا قـلبــه أولا
يـاقـوم مـن أظلـم من واعـظ
خـالف مـا قد قـالـه في المـلا
أظهـر بيـن النــاس إحســانه
وخــالف الرحـمن لمـا خــلا

فالذي يعلم الناس، ولا ينتفع بعلمه، مثَّلوه بالسراج يضيء للناس، ويحرق نفسه، الله تعالى عاتب اليهود في قوله تعالى: وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ إلى قوله: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
س: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، هناك -بمشيئة الله- سوف يكون صلاة الجماعة بعد انتهاء الأسئلة، فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعض الأحيان يقوم مدير المدرسة بالسماح للمعلمين أو لمدرسٍ ما بعدم الحضور إلى المدرسة، وخاصة في أيام عودة المدرسين؛ حيث إنه لا يوجد عمل لديه، فما حكم تغيب هذا المعلم عن تلك الأيام، وقد سمح له مديره، أو مدير المدرسة ؟ وجزاكم الله خيرا.
لا حرج عليه في ذلك إذا لم يكن هناك عمل، هم يؤمرون بالحضور؛ مخافة أن يتجدد عمل، أو يكون هناك اختبار المكملين ونحوهم، فأما إذا تُحُقِّقَ بأنه ليس هناك عمل، فلا حرج في أن يأذن لهم في أن يتأخروا، أما إذا كان هناك عمل يلزمهم الحضور، فلا يجوز له أن يأذن لأحد منهم.
س: يتناقل البعض - يا فضيلة الشيخ - فتوى لكم، وهي أن المعلم أو غيره من الموظفين يجوز له أن يكتب وقت حضوره بمقر عمله من حين أن يخرج من بيته، فأرجو بيان ذلك حفظكم الله.
هكذا سمعنا من بعض الزملاء، ومنهم الشيخ عبد الله بن .خديان وغيره، يقولون: إنك إذا خرجت من بيتك، فإنه ما أخرجك إلا هذا العمل، فيحسب لك من حين خروجك، ولكن قد يكون هذا في حق من هم قريبون، أي: قريبة مساكنهم، يستغرق الطريق خمس دقائق، أو عشر دقائق، فأما إذا كان مسكنه بعيدا يستغرق ساعة، أو نصف ساعة، فمثل هذا لا يجوز له التأخر، بل عليه أن يتقدم في الخروج، بحيث يصل إلى مقر العمل بعد وقت الحضور بعشر دقائق، أو خمس دقائق ونحوها، فأما كونه يتأخر عن وقت الحضور ساعة، أو نصف ساعة، ثم يكتب من وقت خروجه، فنرى أنه غير معذور، ولعل المدرس أيضا يستثنى من ذلك؛ وذلك لأن عمله يدخل في الدقيقة، يعني: عند اجتماع الطلاب يبدأ عمله، وإن كان مأمورا بأن يتقدم للاستعداد قبل دخول الدرس بربع ساعة أو ثلث ساعة، بأن يستعد، وأن يكون ماثلا؛ حتى لا يعوقه عائق.
س: فضيلة الشيخ، يلاحظ انتشار ظاهرة الغيبة، والمشكلة أنها بدأت بين المعلمين، والذين ينتسبون إلى العلم، أفيدونا بنصيحة لهؤلاء أثابكم الله.
لا شك أن هذا واقع، ولكن لعل ذلك عند العوام، أما الخواص، وطلبة العلم، فإنهم يعرفون الإثم في ذلك، يقرءون قول الله تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا وما ذكره ابن كثير عند هذه الآية من الأحاديث الكثيرة، التي تدل على ذم الغيبة، وإثمها، فنتواصى بأن ننصح من رأيناهم يتنقصون المسلم، ويغتابونه، ويذكرونه في غيبته بما يكره.
س: أثابكم الله، والسؤال الأخير: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نرجو من سماحتكم حث المدرسين باستغلال الوقت المتبقي من الحصة بتقديم نصيحة، أو توجيه، أو فائدة، خصوصا إذا انتهى شرح الدرس.
صحيح أن بعض المدرسين قد يلتزم في كل درس أن يشرح مثلا مقطعا، ثم ينتهي من شرحه، وقد بقي من الحصة ربع الوقت، أو عشر دقائق أو ما أشبه ذلك، وليس ذلك دليلا على أنه أخل بالتدريس، ولا على أنه نقص في الإيضاح، وإنما ذلك لأن تلك الأسطر التي التزم بإيضاحها اتضحت، ولا حاجة إلى أن يكررها أمام الطلاب، وقد فقهوها، وقد علموها، واتضحت لهم، فنرى في هذه الحال أن لا يخوض معهم في شيء لا ينفعهم، بل يشغل بقية الوقت بنصيحة تفيدهم في دينهم، وفي نياتهم، وفي أهدافهم فيحثهم على إخلاص النية في العلم، وفي التعلم، ويرشدهم إلى المراجع التي إذا رجعوا إليها استفادوا منها كثيرا، وحصل لهم نفع في دينهم، وفي دنياهم.
كذلك أيضا يحثهم على حفظ الأوقات، وأنه ليس التعلم مقصورا على هذه الحصص التي تتعلمونها في هذه الفصول الدراسية، بل عليكم أن تبذلوا وقت فراغكم كله في التعلم، تعلمكم من الكتب التي يسرها الله تعالى، ويسر الحصول عليها، بعد أن فهمتم، وعلمتم المقدمات، وعرفتم كيف تستفيدون من الكتب، وفهمتم الكلام الفصيح العربي، وكذلك أيضا تستفيدون من أوقاتكم باجتماعكم، وتباحثكم بعضكم مع بعض ونحو ذلك.
كذلك أيضا يحثهم على العمل بالعلم؛ فإنه ثمرته -كما ذكرنا- أن ثمرة العلم العمل، وأن العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل، وأنهم إذا تعلموا ولم يعملوا كان علمهم وبالا عليهم، ويحثهم أيضا على الاجتهاد في العلم الصحيح، الذي هو العلم الشرعي، ويبين لهم عاقبة من تعلم ذلك، وتوغل فيه، واجتهد فيه، أن الله تعالى يوفقه، ويرزقه العلم النافع، والعمل الصالح، ويفتح عليه علوما لم يتعلمها، يشغل بذلك أوقاتهم؛ حتى يستفيدوا من وقتهم، ولا يضيع عليهم وقتهم، لا يضيعه في كلام لا أهمية له، ولا في سكوت مثلا دون أن يفيدهم، فإنه مأمور بأن يشغل هذا الوقت من أوله إلى آخره؛ لأنه مسئول عن شغله.
- أثابكم الله، ورد إلينا من منظمي برنامج الشيخ بأنه لديه برنامج، ولذلك حديثه لا يُمل، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه، ويرضاه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما سمعناه حجة لنا، لا حجة علينا يوم نلقاه، كما نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب شيخنا، وأن يجزيه الجزاء الأوفى يوم يلقاه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيبه، وأن يعظم أجره، وأن يبارك في عمره، وأن يكتب خطواته على مجيئه إلى هذا البلد، وعلى ما أمضى هذه الأيام، وما استفاد منه هذا البلد، ونسأل الله سبحانه وتعالى له التوفيق والسداد، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياه في دار كرامته، إنه سميع، قريب، مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.