محاضرة الإيمان باليوم الآخر
الله تعالى بكل شيء عليم
وكذلك أيضا من الصفات صفة العلم، أن الله تعالى بكل شيء عليم. قال الله تعالى: رسم> وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ قرآن> رسم> هكذا أخبر بأنه بكل شيء عليم. يدخل في ذلك علمه بما يخفيه الإنسان كما في قوله تعالى: رسم> الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى قرآن> رسم> .
رسم> يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى قرآن> رسم> يعلم ما يسره الإنسان في نفسه، وما يخفيه مما لم يكن قد تحدث به أو خطر بباله. كذلك أيضا يقول الله تعالى: رسم> وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ قرآن> رسم> ويقول الله تعالى: رسم> وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ قرآن> رسم> ؛ أي قد وكل بكم الملائكة الكرام الكاتبين الذين يعلمون ما تفعلون، وهو مع ذلك عالم بكل شيء.
هذا أيضا من الإيمان بالغيب، الإيمان بسعة علم الله تعالى وأنه بكل عليم، وأنه عليم بذات الصدور، وأنه يعلم ما توسوس به الأنفس، وما يخطر في القلوب وما يحصل من الأخبار، أو التحدثات أو الهواجس أو الوساوس أو ما أشبه ذلك. إذا آمن العبد بأن الله رسم> يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى قرآن> رسم> وأنه يعلم خطرات قلبه؛ فأثر ذلك أن يحسن النية وأن يحسن ما في قلبه؛ فلا يحدث نفسه إلا بما هو خير وبما هو مصلحة. هذا هو النتيجة؛ ذلك لأنه يعلم أن ربه سوف يحاسبه وإن كان لا يعاقبه إلا على ما ظهر من آثار هذه الوساوس ونحوها؛ ولكن الله تعالى يقول: رسم> وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ قرآن> رسم> .
الله تعالى بكل شيء عليم ؛ فيدخل في علمه علمه بأحوال العبد، وعلمه بأقواله وعلمه بأعماله، وعلمه بخطرات قلبه وبفلتات لسانه، وبما يحدث به نفسه وبما توسوس به نفسه. وإذا علم ذلك منه فإنه سوف يحاسبه؛ فإذا أضمر بغضا للإسلام حاسبه الله على ذلك، وإذا أضمر كراهية للعبادة حاسبه الله على ذلك، وإذا أضمر مثلا تصنعا أو رياء أمام الناس، علم الله أنه يرائي بعمله حاسبه على ذلك.
فمن علم وأيقن بأن الله تعالى بكل شيء عليم صلحت نيته؛ فلا يرائي بعمله ولا يظهر للناس شيئا يضمر خلافه، ولا يصلي للناس ولا يتصدق لأجل الناس، ولا يقرأ لأجل الناس ولا غير ذلك؛ بل يكون عمله لوجه الله تعالى؛ لأنه آمن وأيقن بأن الله يطلع على نيته، ويحاسبه على ما في قلبه، أنه بكل شيء عليم. يعلم نيتك ويعلم ما في نفسك، ويعلم ما في قلبك ويعلم ما يصدر منك؛ فأخلص نيتك لربك وأصلحها، واقصد بأعمالك وجه الله، ولا يكون في عملك شيء لغير الله تعالى. هكذا تكون آثار هذا الإيمان بأن الله بكل شيء عليم.
مسألة>