شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
محاضرة الإيمان باليوم الآخر
8792 مشاهدة
الإيمان بالله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإيمان بالغيب ذكره الله تعالى في أول القرآن، في أول سورة البقرة: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ هكذا بدأ صفات المتقين الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الإيمان بالغيب هو التصديق بكل الأمور التي نخبر بها.
ويلزمنا أن نصدق بها وهي غائبة، ما رأيناها بأعيننا؛ ولكن جاء الخبر عن ربنا سبحانه وعن نبينا فصدقنا بها واعتقدنا صحتها، وأيقنا بها يقينا ظاهرا لا تتطرق إليه الشكوك ولا التوهمات؛ ففي هذه الأمسية المباركة أذكر أمثلة للأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها، وكذلك أيضا بعض آثار الإيمان بها.
فمن ذلك الإيمان بالله وحده. ثانيا: الإيمان بصفاته ونذكر لبعضها أمثلة. ثالثا: الإيمان بكتبه.رابعا: الإيمان بالرسل.خامسا: الإيمان بالبعث بعد الموت واليوم الآخر وما فيه ونذكر لذلك أيضا بعض الأمثلة.
تعرفون أن أركان الإيمان ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره وهذه كلها من الغيب ويجب الإيمان بها، يجب على كل من المؤمنين أن يؤمنوا بها.
نبدأ أولا الإيمان بالله، يدخل في ذلك الإيمان بأنه الرب والخالق والمتصرف في الأمور، ويدخل في ذلك الإيمان بأنه المعبود وحده الذي هو أهل للعبادة وأهل للتقوى، ويدخل في ذلك الإيمان بأسمائه وبصفاته ومعاني تلك الصفات وآثارها؛ وذلك لأنا نؤمن بالله تعالى وما رأيناه؛ ولكن نصب الأدلة على وجوده وعلى صفاته وعلى كمال قدرته، وجعلها دلالات ظاهرة من تفكر فيها أيقن بأنها حق، وأنها دالة على عظمة من أوجدها وخلقها.
ولأجل ذلك يكثر الله تعالى في القرآن من ذكر الأدلة، الدالة على ربوبيته. تأتي سور متواصلة يذكر الله تعالى فيها آيات ودلالات تدل على عظمة من خلقها وأوجدها؛ ففي سورة القيامة يقول الله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى .
يذكر الإنسان بمبدأ أمره، أنه كان أوله نطفة ثم أنشأه الله حتى أخرجه إلى الدنيا، وأعطاه السمع والبصر والفؤاد والقوة ومكنه أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى وفي السورة التي تليها يقول الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ؛ يعني جاء عليه وقت قبل أن يخلق إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا خلقه الله من نطفة وجعله سميعا بصيرا.
وفي السورة التي تليها يقول الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا هذه أيضا دلالات ظاهرة يستدل بها الرب تعالى على عظمته. وفي السورة التي تليها يقول الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا إلى آخر الآيات، يعني أن هذه دلالات على عظمة من أوجدها وخلقها.
وفي السورة التي تليها يقول الله أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا إلى آخر الآيات. وفي السورة التي تليها فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا إلى آخر الآيات. والقرآن مليء بمثل هذه الآيات، من تفكر فيها وتعقل معناها آمن بالغيب، آمن بأن الذي خلقه هو الله وحده، وآمن بأنه على كل شيء قدير، وآمن بأنه قادر على أن يعيده وأن يحييه بعد أن أماته، وأن يجازيه على أعماله، وأن يصدق بما جاءه عن الله تعالى.
ولا حاجة إلى أن نتوسع في هذه الآيات فهي واضحة يقرؤها الصغار والكبار؛ ولكنها تحتاج إلى تدبر وإلى تفكر، كذلك إذا آمن العبد بذلك استدل عليه بقدرة من خلقه وأوجده؛ فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه وأوجده، وأعطاه السمع والبصر والفؤاد ومكن له في الأرض، وإذا كان كذلك فإن عليه أن يعبده وحده.
لعلكم قرأتم في ثلاثة الأصول وفي تفسير ابن كثير لما فسر قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ أن هذه آيات ودلالات نصبها الله تعالى حتى يؤمنوا بربهم؛ وإن لم يروه؛ فيكون هذا من الإيمان بالغيب. الإيمان بالرب سبحانه وتعالى؛ لأنه نصب الآيات والدلالات الدالة على عظمته، وعلى أنه متفرد بالخلق والإيجاد، والمعطي المالك وحده.
لا شك أن هذا كله مما يدل على أنه أقام الأدلة على ذلك، وأما الإيمان بوجوب عبادته فقد ذكر ابن كثير قال: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة، الذي أوجدها هو أهل أن يعبد وأهل أن يوحد، وأن يفرد بالعبادة. والعبادة قد بينها الله تعالى وبينتها رسله، وذكروا الأمثلة الواضحة عليها. فمن آمن بالغيب بوجود الله تعالى وبعظمته، كان من نتيجة ذلك عبادته وحده.