الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
محاضرة الإيمان باليوم الآخر
8834 مشاهدة
الشفاعة والحساب

..معهم كما هو معروف، ثم يشفع النبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق الشفاعة الكبرى، حتى إذا جاء الناس وأتوا .. آدم وأتوا .. نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجاءوا إليه صلوات الله وسلامه عليه, وقال لهم: أنا لها ؛ يعني أن الله وعده بذلك في دار الدنيا حيث قال له: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا .
ولكنه صلوات الله وسلامه عليه لشدة علمه بالله وتعظيمه لله يعلم أنه لا شفاعة إلا بإذن الله مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ فلا يتجرأ على الشفاعة بسرعة, وإنما يسجد ويلهمه ربه من المحامد ما لم يلهمه أحدا قبله ولا بعده, ولم يزل كذلك حتى يقول له ربه: يا محمد صلوات الله وسلامه عليه ارفع رأسك, وسل تعط, واشفع تشفع .
فيشفع صلى الله عليه وسلم الشفاعة الكبرى, ويظهر في ذلك الوقت فضله صلوات الله وسلامه عليه على جميع من في المحشر من الأنبياء والمرسلين, كما ظهر فضله عليهم في دار الدنيا لما عرج به من فوق سبع سماوات واجتمع بهم في بيت المقدس وصلى بجميعهم بأمر من جبريل كما هو معروف بالأحاديث, فهو سيدهم في الدنيا وسيدهم في الآخرة صلوات الله وسلامه عليه.
ثم إذا أذن الله بالحساب حاسب الناس, ثم إذا انتهى حسابهم تفرقوا في ذلك الوقت فراقا لا اجتماع بعده, وهو قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا وقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ وهذا التفرق مذهوب به ذات اليمين إلى الجنة, ومذهوب به ذات الشمال إلى النار. وقد أوضح الله هذه الأشتات في سورة الروم حيث قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ .
فيذهب بأهل الجنة إلى الجنة, وبأهل النار إلى النار, ويذبح الموت, ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت, ويا أهل النار خلود بلا موت فحينئذ تنقطع الرحلة, وتلقى عصا التسيار, وتكون تلك هي المحطة الأخيرة التي لا انتقال منها أبدا إلى محطة أخرى؛ فأهل الجنة في نعيم دائم, وأهل النار في عذاب دائم, لن ينتقل هؤلاء إلى منزل آخر ولا هؤلاء إلى منزل آخر؛ ولهذا سميت الآخرة؛ لأن ليس بعدها محطة أخرى ينتقل إليها وهذا إيضاح معنى الآخرة.
وقوله: هُمْ كَافِرُونَ ؛ أي جاحدون. أصل الكفر في لغة العرب هو الستر والتغطية, فكل شيء سترته وغطيته فقد كفرته, وهذا معروف في كلام العرب, ومنه قيل للزراع: كفار؛ لأنهم يكفرون البذر في بطن الأرض, يسترونه ويغطونه, وهو معنى معروف في كلام العرب, ومنه قول لبيد في معلقته:
يعلو طريقـة متنـهـا متواتـر
في ليلـة كفـر النجوم غمامهـا
يعني سترها وغطاها غمامها. ومنه قيل: لليل كافر؛ لأنه يكفر الأجرام ويغطيها بظلام, ومنه قول لبيد في معلقته:
حتـى إذا ألقـت يدا فـي كـافـر
وأجن عـورات الثغـور ظلامـهـا
كما هو معروف. وإنما سمي الكافر كافرا؛ لأنه يجحد نعم الله ويجحد آياته, ويريد أن يغطيها بالجحود والكفر -والعياذ بالله- وهذا معنى قوله: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ .
ونرجو الله جل وعلا ألا يجعلنا مع الكافرين, اللهم لا تجعلنا من الكافرين, اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين، اللهم اجعلنا ممن تدخلهم الجنة, اللهم اهدنا إلى طريق الجنة, ولا تهدنا إلى طريق النار. اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، نعوذ بالله من النار، اللهم إنا نعوذ بك من النار, اللهم أدخلنا جنتك, وأعذنا من النار, نعوذ بالله من النار ومما قرب إليها من قول وعمل, ونسأله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم لا تدع في مجلسنا هذا ذنبا إلا غفرته, ولا دينا إلا قضيته, ولا هما إلا فرجته ولا كربا إلا أزلته, ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا عليها ويسرتها لنا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عنا الدين وأغننا من الفقر, وأمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا في سبيلك, اللهم إنك لا تقضي بعبدك المؤمن قضاء إلا كان خيرا له, إن أصابته سراء وشكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء وصبر فكان خيرا له, اللهم اقض لنا الخير في السراء, والشكر على السراء, اللهم اقض لنا الخير في السراء, والشكر على السراء, وعافنا من البلايا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى ...