الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
محاضرة في بدر بعنوان: وصايا عامة
7359 مشاهدة
الحالة الأولى: المسابقة

ثم إن للمصلين خلف الإمام أربع حالات : حالة المسابقة وحالة الموافقة وحالة المخالفة وحالة المتابعة.
الحالة الأولى المسابقة: وهي أن يسابقوا الإمام بمعنى أنهم يسبقونه بالأركان يسجدون قبله، أو يركعون قبله، أو يرفعون قبله، وذلك بلا شك نقص في صلاتهم.
ذهب بعض العلماء إلى أنها تبطل صلاة المسابقين للإمام، وكتب في ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- رسالته التي تسمى الرسالة السنية ورجح فيها أن المسابق ليس له صلاة، وأورد الكثير من الأدلة منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار يعني أن هذا الوعيد وعيد شديد الذي يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أو يرفع من السجود قبل رفع الإمام توعده بهذا الوعيد الشديد أن يجعل الله صورته صورة حمار.
يقول من شرح هذا الحديث: إنما شبهه بالحمار؛ لبلادته الحمار من أبلد الحيوان وأضعفها فكرا، فالذي يسابق الإمام لا ينفعه سبقه؛ حيث إنه لا يستطيع أن يخرج قبل الإمام ولا يخرج قبل الناس، فلا تفيده هذه المسابقة ولا تنفعه فكأنه بليد أي: غبي ليس بفاهم ماذا يستفيد من هذه المسابقة؟ فهو شبيه بالبلادة التي في الحمر ونحوها. هذا تشبيه.
وجاء أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم يعني: أنه هو القدوة فلا تسابقوه، ولا تتعجلوا حتى يصل إلى الركن، وجاء أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم- لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف فدل النهي على التحريم أنهم لا يجوز أن يسبقوه يسبقوا إمامهم لا بالركوع ولا بالسجود ولا بقيام ولا بقعود.
وجاء أيضا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا كبر الإمام فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر المعنى انتظروه إلى أن يكبر للتحريمة ويفرغ منها ثم بعد ذلك كبروا بعده، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا كبر ورفع فكبروا وارفعوا ولا ترفعوا حتى يرفع يقول: إن الذي يسبقك به الإمام تلحقه فإذا كبر وقال: سبحان ربي العظيم سبقك بتسبيحة تركع بعده وإذا رفع فلا ترفع حتى تأتي بالتسبيحة التي سبقك بها، فهو يسبقك بتسبيحة وأنت تلحقه بتسبيحة بعد أن يرفع، وهكذا إذا سجد سبقك بقول: سبحان ربي الأعلى ثم تنتظر بعدما يرفع حتى تقول: سبحان ربي الأعلى مرة، فالجزء الذي يسبقك به تتأخر بعده حتى تدرك تلك الكلمة التي سبقك بها.
هذا دليل على أنه لا يجوز أن يتقدموا الإمام بركوع ولا بسجود ولا بقيام ولا بقعود.
امتثل ذلك الصحابة يذكر عنهم أنهم كانوا إذا كبر للسجود يقول: لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأرض ويكبر وينقطع صوته بالتكبير، ثم يتبعونه بعد ذلك، وهكذا أيضا إذا رفع يقولون: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستوي قائما وإنا لسجود بعده يعني أنه يقوم من سجوده التي هي السجدة الأخيرة ويقف واقفا ويستوي قبل أن يتحرك أحد منهم فإذا تم قياما بعد ذلك تابعوه قاموا بعده.
فهذا ونحوه دليل على أنهم كانوا تأثروا بذلك فتابعوه فهذه يذهب بعضهم إلى أنها تبطل الصلاة، روي أن ابن عباس رأى رجلا يسابق الإمام فقال له: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت يعني لا تنفعك صلاتك؛ لأنك لم تقتد بإمامك، ولم تكن صليت وحدك فلم تصل وحدك ولم تصل مع إمامك، وهذا يدل على أنه فهم أنه لا صلاة له.
وهكذا روي أيضا عن ابن عمر أنه رأى الذي يسابق الإمام فقال: لا صليت وحدك ولا صليت مع إمامك، ثم ضربه وأمره أن يعيد الصلاة، فلو كان له صلاة لما أمره بأن يعيد الصلاة.
هذه الحالة يقع فيها كثير وهم الذين يتسرعون بحيث إن أحدهم ساعة ما يرى أن الإمام تحرك يتحركوا معه، وقد تكون حركة الإمام بطيئة وثقيلة فيقع بعض المأمومين قبله على الأرض فيصيرون قد سبقوه فيقعون في المسابقة التي نهي عنها سواء في الخفض أو الرفع.