جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
نوافل العبادات وأنواعها
8460 مشاهدة
من العبادات القولية: ذكر الله تعالى

كذلك من العبادات القولية: كثرة ذكر الله تعالى، وقد أمر الله به، ورَغَّبَ عباده فيه.
ذِكْرُ الله باللسان: هو تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله، وكذلك كل شيء يذكر به، فقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أمر من الله تعالى لعباده بكثرة ذكره.
وقد رتب على ذكره الثواب، وأعظم شيء رتبه أن يذكر عباده في قوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ذكر الله باللسان سبب لذكر الرب تعالى لمن ذكره، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومَنْ ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه .
فنتواصى بكثرة ذكر الله في كل الحالات، وبالأخص بعد الصلوات، وفي أوقات غفلة الناس، في الحديث: ذَاكِرُ الله في الغافلين كالمقاتل بين الفارِّين إذا كنت في مجلس، وأهل المجلس غافلون عن الذِّكْر، يتكلمون في حاجاتهم، ويتكلمون في أمور دنياهم، فَذَكِّرْهُم بالله، ذَكِّرْهُم أو اذكر الله تعالى، سبح ربك كما أمرك، وهَلِّلْهُ، واستغفره، وسَلْهُ، فكل ذلك من الذِّكْر.
هذه الأذكار التي جاء الترغيب فيها.. عليك أن تكثر منها، وعليك -مع ذلك- أن تستحضر مدلولها.
من الذكر: التهليل: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. توحيد لله –أي- تعترف بأن الله هو الإله وحده، وأن كل ما سواه من الْمَأْلُوهات فَإِلَاهِيَّتُهَا باطلة، وتعترف بأنه المالك لكل شيء، وكل ما سواه فهو مملوك، وتعترف بأنه الذي يستحق الحمد وحده، وتعترف بأنه قادر على كل شيء، لا يخرج عن قدرته شيء. فهكذا يجب أن يُكْثِرَ الإنسان من التهليل.
كذلك التسبيح. إذا قلت: سبحان الله؛ فإن التسبيح معناه: التنزيه. –أي- أُنَزِّهُ الله، وأُقَدِّسُهُ، وَأُجِلُّهُ عن صفات النقائص، وعن الشريك والنظير، والولد والوالد، وعن العيوب التي يصفه بها المشركون ونحوهم. التسبيح معناه: التنزيه. أَكْثِرْ منه.
كذلك أيضا الحمد: هو الثناء على الله. إذا قلت: الحمد لله، أو أَحْمَدُ الله. –يعني- أُثْنِي عليه؛ فهو أهل الحمد، وأهل الثناء، وأهل المجد.
إذا قلت: الله أكبر. فمعناه: اعتقادك أن ربك تعالى هو الكبير المتعالي، وأنه أكبر من كل شيء، فيعظم قَدْرُ ربك في قلبك، وتصغر الدنيا ويصغر أهلها بالنسبة إلى عظمة الرب -سبحانه وتعالى-.
إذا قلت: أستغفر الله. فمعناه: أطلب من ربي أن يغفر ذنبي –أي- يُزِيلُ أثره. يغفره –يعني- يستره ويمحوه. أستغفر الله، أو رب اغفر لي. أي: امْحُ عني السيئات، امْحُ عني آثارها، اسْتُرْهَا عني حتى لا تضرني؛ وذلك لأنك تعترف بالخطايا؛ فالإنسان كثير الخطايا وكثير الزلات؛ ولكن هو بحاجة إلى أن يطلب ربه أن يغفر له ويمحو عنه آثار هذه الخطايا. فعرفنا بذلك أن الإنسان بحاجة إلى كثرة ذكر الله تعالى في كل الحالات.
أَمَرَ الله بالذكر بعد الصلوات في قوله -سبحانه وتعالى- وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ أي: بعد كل صلاة. السُّجُودِ يعني: الصلوات. وأمر به بعد الصلوات في قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ يعني: في كل الحالات.
فمن ذكر الله عَظُمَ قدره في قلبه، ومَنْ غفل عن ذكره فإنه من الغافلين.
أمر الله تعالى بذكره خفية وجهرا، قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ يعني: من الذين غفلوا عن ذكر الله. وقال تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ فإذا رأيت أهل المعاصي وأهل الفسوق؛ فاعلم أنهم ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، أنساهم مصالح أنفسهم؛ فلذلك لم يشتغلوا بما هو من صالحهم؛ إلا المصلحة البهيمية، مصلحة دنيوية شبيهة بمصالح البهائم.