شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
أسماء الله وصفاته
23967 مشاهدة
أول من قال بخلق القرآن

ثم ممن ورث بدعة الجهم رجل تسمى بشر بن غياث المريسي ؛ وذلك لأنه تربى على يديه، أو تلقى بدعته عنه، فكان بذلك معتزليا جهميا، انتحل هذه النحلة، وظهر في وسط القرن الثاني أو في آخره، وأظهر بدعته، ودعا إلى القول بأن القرآن مخلوق، وبالغ في ذلك -في نشر هذه البدعة- وألف في ذلك رسالة، أو ألفها تلميذ له، أخذها من كلامه، وسماها بمعتقد بشر بن غياث المريسي والذي كتبها أو جمعها يقال له: محمد بن شجاع الثلجي ولما جمع هذه الرسالة اطلع عليها أحد علماء السنة وهو الدارمي فرد عليه برد مطبوع -قد طبع مرتين أو أكثر- وذكر اسمه عليه، بقوله رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، هكذا عنوانه يدل على ما كان عليه السلف رحمهم الله من الحماسة والغيرة على محارم الله تعالى وعلى حدوده، وعلى صفاته، وعلى أسمائه فهو سماه العنيد على بشر المريسي العنيد .

وفي بعض النسخ فيما افتراه من إنكار التوحيد أو من إبطال التوحيد، رده رد فيه شيء من القوة؛ إلا أنه حمله قوة الإثبات على أن صرح ببعض الكلمات التي لم يرد عليها دليل، كإثبات المكان، أن لله تعالى مكانا، أراد بذلك المبالغة في الرد على هؤلاء الذين أنكروا الجهة، أن الله تعالى في جهة، الدارمي هذا، ألف هذا الرد، وله أيضا كتاب آخر مطبوع عنوانه: الرد على الجهمية ذكر فيه أدلة الإثبات؛ بحيث إنه يبالغ في إثبات هذه الصفات؛ في إثبات الصفات الفعلية والذاتية، ويذكر ما عليها من الأدلة، إذا تكلم على صفة العلم ذكر الأدلة الكثيرة من الآيات في إثبات صفة العلم، وكذلك من الأحاديث.
وهكذا أيضا كلامه حول ما يتعلق ببقية الصفات، مما يدل على أن السلف رحمهم الله كانوا يثبتون أسماء الله تعالى ويثبتون صفاته.
ثم في أوائل القرن الثالث تمكن هؤلاء المعتزلة وقويت شوكتهم، واستولوا على أحد الخلفاء العباسيين وهو الخليفة المأمون ولما استولوا عليه أدخلوه في معتقدهم، أدخلوه في إنكار الصفات الفعلية والصفات الذاتية، وإنكار أن الله فوق عباده أو أنه مستو على عرشه، وإنكار بقية صفات الأفعال وما أشبهها.
وإنكار أن يكون الله متكلما، وأن القرآن كلام الله، وجعلوا القرآن مخلوقا، أي: كسائر المخلوقات، ولما استولوا على هذا الخليفة زينوا له أن يمتحن أهل زمانه من العلماء، وأن يجبرهم على هذا القول، -على القول بأن القرآن مخلوق- وجمع من حوله ممن يؤيده على هذا، وكان رئيسهم يقال له: أحمد بن أبي دؤاد كان من المتشددين في هذا المعتقد في إنكار الصفات وفي أن القرآن مخلوق، فهو الذي زين هو ومن معه للخليفة أن يمتحن الناس، فصاروا يمتحنون أهل العلم والمحدثين، ويأتون بهم ويعذبونهم، ويكرهونهم على أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، فوافق على ذلك كثير من أهل ذلك الزمان، وادعوا بعد ذلك أنهم ما وافقوا إلا مكرهين، وإلا فإنهم على ما كانوا عليه .
وانخدع بهذا خلق كثير وانتحلوا هذه النحلة، وانتشر وتمكن هذا المعتقد الخاطئ، وكان من جملة المعتقلين والذين أوذوا الإمام أحمد رحمه الله، ولما أنه تمسك بعقيدته توجهوا به إلى الخليفة؛ فدعا الله ألا يريه إياه؛ فمات قبل أن يصل إليه الإمام أحمد واستجاب الله تعالى دعوته، ولكن تولى بعده أخوه المعتصم مع أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولكن استولى عليه هؤلاء وزينوا له أن ما هم عليه هو الصواب، وأنه يجب أن يلزم الناس ويكرههم على ما هو عليه من هذا الاعتقاد، فوصلوا بالإمام أحمد إلى المعتصم ؛ فأمرهم بأن يناظروه وأتوا بما عنده.