إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
14821 مشاهدة
الزهري ورواية الحديث

وهكذا أيضا اشتهر من التابعيين الزهري محمد بن مسلم بن شهاب لكن كان يكتب، وذلك أنه أشار عليه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقال: اكتب ما تيسر من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. فكتبها في صحائف، يمكن أنه كتب أكثر من ثلاثمائة حديث أو خمسمائة منها الأحاديث الطويلة كحديث كعب بن مالك الطويل في توبته، وحديث عائشة في قصة الإفك، وغيرهما، ولما كتبها حفظها بعدما ترددت قراءته لها.
فاشتهر الزهري برواية الحديث في المدينة مات سنة مائة وست وعشرين. أدرك من الصحابة أنس بن مالك من الذين رووا الأحاديث، وأما كبار الصحابة فما أدركهم؛ حتى ابن عمر أدركه، ولكن لم يتمكن من الرواية عنه. ابن عمر مات سنة أربع وسبعين، ولم يتمكن من الرواية عنه إلا القليل القليل، ولكن روى عن تلامذتهم. من جملة من روى عنه سعيد بن المسيب الذي كان تلميذا لأبي هريرة حيث إن سعيد بن المسيب تزوج بنت أبي هريرة فكان من أخص تلاميذه، وروى عنه أحاديث كثيرة.
فالزهري يقول: حدثني سعيد عن أبي هريرة وكذلك يروي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. سالم أيضا من جملة من حدث عن أبيه أحاديث كثيرة فهو يقول: عن سالم عن أبيه، وكذلك يروي عن عروة بن الزبير عن عائشة ؛ لأن عروة كثير الرواية عن عائشة لأنها خالته فالزهري يقول: عن عروة عن عائشة ويروي أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عمر وغيره، فاشتهر الزهري رحمه الله برواية الأحاديث.
وأقبل تلاميذه الكثيرون يروون عنه. كان من جملتهم سفيان بن عيينة الذي عُمِّرَ حتى أدركه الإمام أحمد فالإمام أحمد يروي يقول: حدثنا سفيان عن الزهري عن أنس لا يكون بينه وبين أنس إلا اثنان شيخه وشيخ شيخه. هذا دليل أيضا على أنه اهتم بالأحاديث يعني: سفيان بن عيينة تلاميذ الزهري كثير؛ الذين رووا عنه هذه الأحاديث، وكتبها كثير منهم وحفظ آخرون. ذكر في ترجمة هشيم بن بشير أنه جاء إلى الزهري أملى عليه أحاديث نحو مائة حديث أو مائتين، وكتبها هشيم في أوراق، ولكن في أثناء سيره جاءت ريح فطارت بتلك الأوراق، ولم يظفر بها. طارت بها ريح وضاعت عليه فكان يحدث منها بما علق في ذاكرته، ولذلك وقع في رواية هشيم عن الزهري شيء من الاختلاط؛ لأنه ما ضبطها كثيرا؛ بل طارت منه قبل أن يحفظها، فلذلك يقولون: رواية هشيم عن الزهري ليست متفقا عليها لما جاء فيها من المخالفة.
والحاصل أن الزهري هو أول من اشتهر بكتابة الأحاديث كتب أحاديث الصحابة أو أكثرهم، ودوَّنها وحفظها ونقلها عنه تلاميذه الكثير. يروي عنه معمر بن راشد أحد الحفاظ أيضا. معمر بن راشد له أيضا أحاديث جمعها وكتبها، طبعت في آخر كتاب عبد الرزاق مصنف عبد الرزاق المطبوع. يرويها معمر عن الزهري وعن غيره من مشائخه الذين تتلمذ عليهم؛ فهو ممن بقيت كتابته. كذلك أيضا الزهري تلاميذ كثير كانوا يكتبون الأحاديث، ثم يروونها ويرويها عنهم تلامذتهم؛ فهذا دليل على أن العلماء رحمهم الله اهتموا برواية الأحاديث، وبنقلها وبحفظها.