إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
13015 مشاهدة
حال الصحابة في تلقي الحديث

أولا نعرف أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه مما علمه الله، ويبين لهم أمور دينهم وأمور عباداتهم في سفره وفي إقامته، فكان دائما أو كثيرا يجلس في المسجد في أكثر النهار، وكانوا يأتونه حلقات. يجلسون ويقرئهم القرآن، ويبين لهم معاني القرآن، ويبين لهم قصصا وأحكاما وآدابا دينية، ويضرب لهم الأمثال، ويفقههم ويحثهم على التفقه، ويحثهم على التعلم، ويقرأ عليهم ما تجدد من القرآن؛ ما نزل كل يوم أو كل أسبوع، وكانوا يحرصون على حضور تلك الحلقات، ويندمون إذا فاتهم شيء من ذلك. كان بعضهم يشتغل في تجارة وينمي أمواله بالتجارة؛ ومع ذلك كانوا يحرصون على الحضور، أو ينوبون مكانهم من يحضر.
في حديث عمر أنه كان نازل أي: في العوالي قرب بعض الأسواق، ثم كان له جار من الأنصار فكان يدخل يوما، ويأتي بما تجدد. يدخل الأنصاري يوما ويأتيه بما تجدد. إذا كان يوم عمر ترك السوق في ذلك اليوم، وحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي ذلك المجلس، وجاء بخبر ذلك اليوم، وأخبر الأنصاري: نزل من القرآن كذا. تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكذا. حدث من الأمور كذا وكذا وهكذا، وإذا نزل الأنصاري جاءه بالأخبار التي تجددت في ذلك اليوم؛ هكذا ذكر في حديث ابن عباس الذي رواه عنه، وإذا فاته شيء أسف على ذلك.
في حديث أبي موسى أبو موسى الأشعري أسلم سنة سبع، ومع ذلك حفظ من النبي صلى الله عليه وسلم أحكاما. ذَكَرَ أنه جاء مرة وطرق باب عمر وعند عمر بعض الصحابة فتكلم ثلاث مرات: السلام عليكم أأدخل؟ ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع. كان عمر قد سمعه فسأل أين هو؟ فقالوا: رجع. عند ذلك أرسل إليه لماذا رجعت؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع هذا الحديث ما سمعه عمر ولا علم به؛ فأمره بأن يأتي بمن يشهد معه بسماع هذا الحديث.
يقول: فذهبت إلى مجلس من الأنصار فسألتهم فقالوا: لا يذهب معك إلا أصغرنا. أي أنهم كلهم يعرفون، وقد سمعوا هذا الحديث فأرسلوا معه أبا سعيد فشهد بذلك، فقال عمر: كيف فاتتني هذه السنة؟ شغلني عنها الصفق بالأسواق يعني: الاشتغال في التجارة؛ فهذا دليل على أنهم كانوا يحرصون على ألا يفوتهم شيء من العلم، ويبادرون إلى حضور الحلقات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم فيها أصحابه وهكذا.