شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
محاضرة الإيمان باليوم الآخر
9862 مشاهدة
الله تعالى بكل شيء عليم

وكذلك أيضا من الصفات صفة العلم، أن الله تعالى بكل شيء عليم. قال الله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ هكذا أخبر بأنه بكل شيء عليم. يدخل في ذلك علمه بما يخفيه الإنسان كما في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى .
يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى يعلم ما يسره الإنسان في نفسه، وما يخفيه مما لم يكن قد تحدث به أو خطر بباله. كذلك أيضا يقول الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ويقول الله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ؛ أي قد وكل بكم الملائكة الكرام الكاتبين الذين يعلمون ما تفعلون، وهو مع ذلك عالم بكل شيء.
هذا أيضا من الإيمان بالغيب، الإيمان بسعة علم الله تعالى وأنه بكل عليم، وأنه عليم بذات الصدور، وأنه يعلم ما توسوس به الأنفس، وما يخطر في القلوب وما يحصل من الأخبار، أو التحدثات أو الهواجس أو الوساوس أو ما أشبه ذلك. إذا آمن العبد بأن الله يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وأنه يعلم خطرات قلبه؛ فأثر ذلك أن يحسن النية وأن يحسن ما في قلبه؛ فلا يحدث نفسه إلا بما هو خير وبما هو مصلحة. هذا هو النتيجة؛ ذلك لأنه يعلم أن ربه سوف يحاسبه وإن كان لا يعاقبه إلا على ما ظهر من آثار هذه الوساوس ونحوها؛ ولكن الله تعالى يقول: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ .
الله تعالى بكل شيء عليم ؛ فيدخل في علمه علمه بأحوال العبد، وعلمه بأقواله وعلمه بأعماله، وعلمه بخطرات قلبه وبفلتات لسانه، وبما يحدث به نفسه وبما توسوس به نفسه. وإذا علم ذلك منه فإنه سوف يحاسبه؛ فإذا أضمر بغضا للإسلام حاسبه الله على ذلك، وإذا أضمر كراهية للعبادة حاسبه الله على ذلك، وإذا أضمر مثلا تصنعا أو رياء أمام الناس، علم الله أنه يرائي بعمله حاسبه على ذلك.
فمن علم وأيقن بأن الله تعالى بكل شيء عليم صلحت نيته؛ فلا يرائي بعمله ولا يظهر للناس شيئا يضمر خلافه، ولا يصلي للناس ولا يتصدق لأجل الناس، ولا يقرأ لأجل الناس ولا غير ذلك؛ بل يكون عمله لوجه الله تعالى؛ لأنه آمن وأيقن بأن الله يطلع على نيته، ويحاسبه على ما في قلبه، أنه بكل شيء عليم. يعلم نيتك ويعلم ما في نفسك، ويعلم ما في قلبك ويعلم ما يصدر منك؛ فأخلص نيتك لربك وأصلحها، واقصد بأعمالك وجه الله، ولا يكون في عملك شيء لغير الله تعالى. هكذا تكون آثار هذا الإيمان بأن الله بكل شيء عليم.