محاضرة بعنوان المسلم بين عام مضى وعام حل
قتل أوقات الفراغ
وهناك قسم ثان عندهم من الدنيا قسم، ولم ينشغلوا به، ولكن عندهم زيادة وقت عندهم فراغ وقت، يمر عليهم نصف النهار وهم في فراغ أو ثلاثة أرباعه، أو كل الليل أو جله، وهم ليس عندهم عمل، وليس عندهم شغل، لا شغل في أمور الدنيا ولا عمل أخروي، فهؤلاء جهلة؛ لجهلهم يعتقدون أن هذا الفراغ الذي يمر بهم تضيق به نفوسهم، وتنحرج به صدورهم؛ فيتمنون أن يشغلوا هذا الوقت في شيء يقطعون به الزمان فتجدهم يقولون: نحن نشتكي من الفراغ، نحن دائما فارغين ماذا نفعل في هذا الفراغ؟ ماذا نفعل؟ نحب أن نقضي وقتنا حتى لا نشعر بطول اليوم، ولا بطول النهار ولا بطول الليل، ولا بمرور الساعات الطويلة ونحن جالسون. لو جلس أحدنا على سريره أو على كرسيه صافا يديه ليس في شغل لضاق صدره، وتراكمت عليه الأوهام، ولكثرت عنده الوساوس، فنحن نريد أن نشغل وقتنا بما نوصي به أنفسنا.
صحيح أن هؤلاء فارغون؛ ولكن مع الأسف أنهم يشغلون أوقاتهم بشيء إما لا نفع فيه أصلا، وإما فيه ضرر عليهم؛ وذلك لأنهم يفوتون هذا الوقت الثمين عليهم الذي ينبغي أن يستغلوه فيما يفيدهم ويستغلونه بشيء عليهم لا لهم، فترى كثيرا منهم يعكفون على اللعب واللهو.
كثير من كبار أسنان، ومتوسطي أسنان وشباب ونحوهم يعكفون الليل كله إلى نصف الليل، أو ثلثي الليل على اللعب بهذه الأوراق، ويقولون: إنها لا تشغلنا عن العبادة، لا تشغلنا عن صلاة، لا تشغلنا عن كذا وكذا. ماذا تستفيدون من هذا اللعب الذي تقضون به أوقاتكم؟ أليس هو لهو؟! أليس هو لعب كاسمه؟ أليس الله تعالى ذم الحياة بكونها لهو: رسم> إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ قرآن> رسم> إن ذلك ذم لمن اتخذها لعبا ولهوا.
لا ينبغي لكم أن تشغلوا وقتكم الثمين الذي أنتم محاسبون عنه. تشغلونه بهذا اللعب الذي هو باطل أو شبه باطل، أو والعياذ بالله يتخذون هذا اللعب سببا لكسب المال؛ والذي يسمى بالقمار والميسر، وذلك حرام أيضا، فإنهم عندما يلعبون هذه الأوراق ونحوها يتفقون على أن هذا إذا أصاب كذا عليه كذا، وهذا إذا أصيب بكذا فعليه كذا ونحو ذلك، فيؤخذ من هذا مال، ويأخذ هذا مالا بغير حق، وذلك هو الميسر الذي حرمه الله وقرنه بالخمر،
لا شك أن هؤلاء خسروا حياتهم.
كذلك الذين يعكفون أو يقضون ساعات متتابعة من ليل أو من نهار على النظر في أفلام فاتنة أو صور فاتنة أو مقالات فاتنة أو ملهية وشاغلة؛ هؤلاء أيضا قد فرطوا في حياتهم ولم ينتفعوا بها وازدادوا سوءا وإثما؛ وذلك لأن هذا النظر محرم.
النظر إلى هذه الأفلام الفاتنة التي تعرض فيها صور عارية أو صور محرمة، أو مقالات سيئة أو نحو ذلك. لا شك أنها معصية وذنب.
يقولون: نرفه عن أنفسنا ونسليها، ونتنعم بما نحب أن نتنعم به، ومع ذلك يمكننا أن نتوب ونأمن على أنفسنا من أن نقع في محظور وما أشبه ذلك.
نقول: ما الذي أشعركم؟ ربما تقعون في هذه المحظورات، فإن هذا الذي ينظر إلى هذه الصور العارية والأفلام الخليعة، والصور الفاتنة ونحوها لا يأمن أن تدفعه شهوة شيطانية تدفعه بقوة إلى أن يقارف هذه الذنوب التي رآها تقارف أمامه.
لا شك أن هذا مع كونه قد أضاع وقته؛ قد دعا نفسه الأمارة بالسوء إلى ما يسوله له الشيطان، ودفعها أو حاول دفعها إلى ما هو محرم أو وسيلة إلى المحرم. ماذا استفادوا من هذه الأوقات وهذه الليالي التي أضاعوها في هذه المحرمات ونحوها؟
كذلك الذين يقضون جزءا من ليلهم أو جزءا من نهارهم على سمر، على باطل إما على شرب خمور أو دخان أو ما أشبه ذلك، ويتفكهون بذلك ويتلذذون. لا شك أيضا أنهم قد خسروا.
وهكذا أيضا الذين يعكفون طوال ليلهم أو طوال نهارهم على غيبة ونميمة، وقيل وقال وكلام فارغ لا فائدة فيه؛ لا شك أيضا أنه قد قضوا جزءا من وقتهم كبيرا فيما هو ضرر عليهم سيحملون عليه الآثام عليهم.
نقول لهم: مع كونكم قد أضعتم الأوقات الثمينة فقد ارتكبتم آثاما، وقد جمعتم أجراما؛ فقد جمعتم بين تفويت الخير واقتراف الشر والعياذ بالله.
مسألة>