إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
shape
خواطر رمضانية
16761 مشاهدة print word pdf
line-top
القرآن في رمضان

معلوم أن رمضان شهر له خصوصية بالقرآن ، قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ .
فقد أنزل الله القرآن في هذا الشهر، وفي ليلة منه هي ليلة القدر، لذا كان لهذا الشهر مزية بهذا القرآن.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان يدارسه القرآن.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن .
فكونه يخص ليالي رمضان بمدارسته، دليل على أهمية قراءة القرآن في رمضان.
ومعلوم أن الكثير من الناس يغفلون عن قراءة القرآن في غير رمضان، فنجدهم طوال السنة لا يكاد أحدهم يختم القرآن إلا ختمة واحدة، أو ختمتين، أو ربما نصف ختمة في أحد عشر شهرا ، فإذا جاء رمضان أقبل عليه وأتم تلاوته.

ونحن نقول: إنه على أجر، وله خير كبير، ولكن ينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛ لأن الله تعالى ذمّ الذين يهجرونه، قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا .
ومن هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتما به طوال العام إلا قليلا .
ومن هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، ولم يتعقله.
ومن هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، ولا يعمل بتعاليمه.
وأما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته.
ويجب على المسلم أن يكون مهتما بالقرآن، ويكون من الذين يتلونه حق تلاوته، ومن الذين يحللون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه ويقفون عند عجائبه، ويعتبرون بأمثاله، ويعتبرون بقصصه وما فيه، ويطبقون تعاليمه؛ لأن القرآن أنزل لأجل أن يعمل به ويطبق، وإن كانت تلاوته تعتبر عملا وفيها أجر.
وفضائل التلاوة كثيرة ومشهورة، ولو لم يكن منها إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف فجعل في قراءة آلم ثلاثين حسنة.

وفضائل التلاوة كثيرة لا تخفى على مسلم ، وفي ليالي رمضان وأيامه تشتد الهمة له ، كان بعض القراء الذين أدركناهم يقرؤون في كل ليلة ثلاثة أجزاء من القرآن على وجه الاجتماع؛ يجتمعون في بيت، أو مسجد، أو أي مكان، فيختمونه في كل عشرة أيام مرة ، وبعضهم يقرأ القرآن ويختمه وحده.
وقد أدركت من يختم القرآن كل يوم مرة أو يختم كل يومين مرة ! فقد يسره الله وسهله عليهم، وأشربت به قلوبهم، وصدق الله القائل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وقال: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .
فمن أحب أن يكون من أهل الذكر فعليه أن يكون من الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته، ويقرأه في المسجد، ويقرأه في بيته، ويقرأه في مقر عمله ، لا يغفل عن القرآن، ولا يخص شهر رمضان بذلك فقط.
فإذا قرأت القرآن فاجتهد فيه؛ كأن تختمه مثلا كل خمسة أيام، أو في كل ثلاثة أيام، والأفضل للإنسان أن يجعل له حزبا يوميا يقرأه بعد العشاء أو بعد الفجر أو بعد العصر، وهكذا ، لا بد أن تبقى معك آثار هذا القرآن بقية السنة ويحبب إليك كلام الله ، فتجد له لذة، وحلاوة، وطلاوة، وهنا لن تمل من استماعه، كما لن تمل من تلاوته.
هذه سمات وصفات المؤمن الذي يجب أن يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى وخاصته.

أما قراءة القرآن في الصلاة، فقد ذكرنا أن السلف كانوا يقرؤون في الليل فرادى ومجتمعين قراءة كثيرة ، فقد ذكروا أن الإمام الشافعي - رحمه الله - كان يختم في الليل ختمة، وفي النهار ختمة، في غير الصلاة؛ لأنه يقرأ في الصلاة زيادة على ذلك.
وقد يستكثر بعض الناس ذلك ويستبعدونه، وأقول: إن هذا ليس ببعيد، فقد أدركت أناسا يقرؤون من أول النهار إلى أذان صلاة الجمعة أربعين جزءا في مجلس واحد، يقرأ، ثم يعود فيقرأ، يختم القرآن ثم يعود فيختم ثلث القرآن، فليس من المستبعد أن يختم الشافعي في النهار ختمة، وفي الليل ختمة.
ولا يستغرب ذلك أيضا على الذين سهل القرآن في قلوبهم، وعلى ألسنتهم، فلا يستبعده إلا من لم يعرف قدر القرآن، أو لم يذق حلاوته في قلبه.
وعلى الإنسان إذا قرأ القرآن أن يتدبَّره ويعقله ، لأن الله تعالى أمر بذلك في آيات كثيرة ، كما قال تعالى : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .
فنحن مأمورن أن ننظر في هذا القرآن ونتدبره والكفار كذلك مأمورون بذلك حتى يعترفوا أنه من عند الله، وأنه لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، و لاضطربت أوامره ونواهيه، فلما كان محكما متقنا ، لم يقع فيه أي مخالفة، ولا أي اضطرابات كان ذلك آية عظيمة، ومعجزة باهرة.
فهذا هو القصد من هذه الآية، ولكن لا ينافي ذلك بأننا مأمورون أن نتدبر كل ما قرأنا كما أمرنا.

line-bottom