إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
كلمة مجلس مستودع الأوقاف
2884 مشاهدة
دور المؤسسات الخيرية في نصح الفقراء وتهذيبهم

ثم من أعماله نصيحة المسلمين الذين يحتاجون ويفتقرون وتمسهم الحاجة ..فيكون عليهم نقص، ويأتون إلى مثل هذا المشروع مطالبين بأن يُفرض لهم شيء من النفقات في هذا المشروع، هؤلاء لا بد أنهم يهذبون ويقومون، وفي عمل الإخوة هذا نصيحة لهم، فإذا اشترطوا عليك أيها الفقير أنك تحافظ على الصلاة، وتأتي بشهادة من إمام المسجد على محافظتك للصلاة أعانوك على الخير، أعانوك على طاعة الله فمن لا يحافظ عليها لا يستحق أن يُساعد، ولا أن يعطى وما ذاك إلا أنه عصى ربه، وخالف أمر الله فليس أهلا أن يعطى من هذه التبرعات وهذه الصدقات.
كذلك أيضا اشتراطهم أن يكون صاحب المنزل قد طهر منزله، طهره عن آلات اللهو التي تصد عن ذكر الله، وتشغل عن الخير، إذا كان هذا الفقير أدخل في بيته أجهزة استقبال القنوات الفضائية، وأدخل في بيته أشرطة اللهو والغناء وأفلام الصور الخليعة -فليس أهلا أن يُتصدق عليه، فاشتراطهم هذا مساعدة له، إذا علم بأنه لا يعطى ولا يثاب ولا ينفق عليه إلا إذا طهر بيته حرص على تطهيره، فكان ذلك سببا في توبته وإقلاعه عن المخالفات والمحرمات، وكان ذلك سببا في توبته وتركه لسماع الملاهي والأغاني، وكذلك لسماع أولاده ونسائه لهذه المحرمات التي تصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، وتشغل الوقت وتضيعه، وتوقع في الآثام وتجر إلى المحرمات، وتوقع في الفواحش أو في مقدماتها فهذا أيضا نصيحة لهم.
وكذلك أيضا نصيحة لغيرهم من الأثرياء الذين هم بحاجة إلى أن يغفر الله تعالى لهم، هؤلاء الأثرياء إذا سمعوا أن صدقاتهم لا تصرف إلا للتائبين وللمستغفرين وللمنيبين وللمصلين حملهم ذلك على أن يكونوا مثلهم، فيقولون: نحن نتبرع بهذه الصدقات وهذه الزكوات وما أشبهها، وإذا كانت لا تصلح إلا لأهل الاستقامة والتوبة النصوح فإننا أولى بأن نكون مثلهم؛ فيتوبون إلى الله تعالى، ويحافظون على الصلوات، ويطهرون بيوتهم من آلات اللهو وما أشبه ذلك، ويطهرون أموالهم من الرجس والكسب الحرام وما أشبه ذلك؛ حتى يكون كسبهم حلالا، وحتى تكون صدقاتهم مقبولة، هذا من فوائد هذه الاشتراطات ونحوها.
وكذلك أيضا اشتراطهم على أولياء الأطفال أن يكونوا أو أن يسجلوا في مدارس تحفيظ القرآن، إذا علم هذا الفقير أن عنده أولادا، وأنه بحاجة إلى الإنفاق عليهم وإلى كسوتهم وإطعامهم وإلى تسهيل أموره لهم، وعلم بأنهم مطالب بهم أن يسجلهم في مدارس التحفيظ، وأنه لا يُصرف له إلا إذا سجلهم -كان ذلك أيضا من الدوافع إلى أنه يعتني بأولاده، ولا شك أنه إذا اعتنى بهم في صغرهم، وحرص على تسجيلهم في المدارس الخيرية، وحفظوا القرآن أو حفظوا ما تيسر منه، وحصلوا على تشجيعات من المدارس، وعلى جوائز وعلى حوافز تحفزهم كان ذلك أيضا من أسباب استقامتهم، فينشأ الأولاد ولو كانوا أولاد فقراء ينشأون على محبة القرآن والعلم والذكر والدعاء والخير والأعمال الخيرية، فيكون ذلك سببا في استقامتهم بعد كبرهم والتزامهم؛ حتى ولو أثروا ولو استغنوا ولو وسع الله عليهم، فكل ذلك من الخصال الخيرية.