إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
محاضرة بعنوان المكسب الحلال والمكسب الحرام
5520 مشاهدة
المكاسب ثلاثة أقسام

فإذا عرفنا ذلك فإن على المسلم أن يكون حريصا على الكسب الحلال، مبتعدا عن الشبهات والمشتبهات التي يكون فيها شيء من الحرام أو مظنة من الحرام، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم المكاسب ثلاثة أقسام، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه .
هكذا أخبر بأن المكاسب ثلاثة أقسام : قسم حلال بيِّن يعرفه كل عاقل، وقسم حرام ظاهر بيِّن يعرفه كل عاقل وكل مسلم، وقسم يكون مشتبها على الكثير لا يدرون هل هو من هذا أو من هذا فالسلامة لهم تركه، السلامة الابتعاد عنه مخافة أن يكون حراما، أو يكون فيه شيء من الكسب الحرام، فيتورع المؤمن ويتركه ولو مالت إليه نفسه، ولو كان من كسبه فإنه مشكوك فيه، وقد ثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك أي الشيء الذي تشك فيه ابتعد عنه مخافة أن يكون فيه شيء من الشبهة فابتعد عنه، فمن اتقى الشبهات وتركها ولو مالت إليها نفسه، ولو كان فيها ثروته، ولو كان فيها غناه وكثرة ماله، فإنه يستبرئ لدينه ويستبرئ لعرضه، فيكون دينه سليما ليس فيه ما يقدح فيه، ويكون عرضه أيضا سالما لا يتكلم الناس فيه ولا يجدون فيه مطعنا بل يقولون: هذا نزيه، هذا كسبه حلال، هذا يترك الشبهات، هذا يترك المحرمات ويبتعد عنها. فلا يجدون لهم مطعنا يطعنون فيه فيكون قد استبرأ لدينه واستبرأ لعرضه.
أما الذي يتمادى في هذه الشبهات ويطمئن إليها ويدخلها في كسبه فلا يأمن أن يدخل في كسبه أو في أكله شيء من الحرام وهو لا يشعر، ولو كان يعتذر بالجهل فإن عليه التثبت والسؤال، وعليه التحري أن يتحرى في أموره وأن يتثبت في شأنه وفي أمره حتى لا يتغذى بحرام، فينبت جسده على ذلك، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: كل جسد نبت على حرام فالنار أولى به أو كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به يعني غُذي بالحرام وهذا وعيد شديد، وما ذاك إلا أن الله تعالى جعل حلالا وحراما، ونهى عن أكل الحرام، وشدد في أكله، وجعل الحلال كافيا، ففي الحلال غُنية عن الحرام.