إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
محاضرة في السعيرة
3960 مشاهدة
تغيير المنكر وأثره

كذلك إذا رأيته يتأخر أو يفعل شيئًا من المحرمات فلا يسعك إلا أن تنصحه وأن تبين له إثمها، فإن سماع الأغاني هذا من المحرمات، فالذين يستمعونها ويقتنون آلاتها تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن العبادات، فلا يسعنا إلا أن ننصحهم بأي وسيلة.
كذلك إذا رأيناهم يفعلون شيئا من المحرمات، فلا يسعنا أن نسكت عنهم، ورد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده بعقوبة منه إذا رأوا المنكر ظاهرا، وكذلك ورد أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت ولم تغير ضرت العامة إذا أُعلنت المعصية وظهرت والناس ينظرون إلى هذا العاصي ولم يغيروا عليه فإنهم يتضررون بذلك، يعاقبهم الله تعالى عقوبة تعمهم تعم الصالح والطالح، وقد ضرب النبي- صلى الله عليه وسلم- مثلا قال: مثل الواقع في حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها، وكان الذين في أسفلِها إذا استَقوا الماءِ يمَرّون على مَن في أعلاها , فقالوا: لو أنّا خرقنا في نَصيبنا ولم نُؤْذِ مَن فَوقَنا, فإن أخَذوا على أيديهم نَجَوا ونجوا جميعا، وإن تركوهم وما يريدون هلكوا وهلكوا جميعا .
ذكر أنه مثل العاصي والساكت، العصاة الذين يظهرون المعاصي, والساكتون الذين يسكتون عنها، مثلهم كمثل سفينة في البحر من طبقتين من دورين، الدور الذين في أسفلها إذا أرادوا أن يأخذوا ماء يصعدون حتى يغترفوا من البحر ثم ينزلون، فكأنهم يؤذون الذين فوقهم بمرورهم عليهم وبتقاطر الماء منهم، فاحتالوا أو فكروا قالوا: لماذا لا نخرق السفينة من أسفلها -أي: في نصيبنا- حتى نأخذ الماء من قريب؟! علم بهم الذين فوقهم, فإن تركوهم يخرقون السفينة دخل الماء فيها ورسبت وغرق الأعلى والأسفل، وإن منعوهم وقالوا: لا تخرقوها. نجوا ونجوا جميعا، فهكذا الذين يتركون المعاصي ويتركون العصاة يعصون الله -وهم يقدرون على منعهم- يوشك أن يعمهم الله تعالى بالعقاب، وأن ينتقم منهم جميعا، فيكونون جميعا من الذين وقعوا في المعصية وهلكوا أو تسببوا في هلاك غيرهم.
وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يحث على إنكار المنكر حتى على أقرب قريب وأبعد بعيد، إنكار المنكر وتغييره وإزالة آثاره حتى لا تعم العقوبة، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم ووانسوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ جلس بعد ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- ولما جلس من اهتمامه بالأمر قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم فهذه من حقوق المسلمين بعضهم على بعض.