من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
74720 مشاهدة
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينزل الناس منازلهم

...............................................................................


هذا حاصل حتى في العهد القديم في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو خليفة ينزل الناس منازلهم؛ فمثلا عبد الله بن عباس كان يدخله في المشاورات في مشاورات الأمور التي يستشير فيها غيره، إذا نزل به أمر أو أشكل عليه أمر مشكل دعا أكابر الصحابة وشيوخهم، ودعا معهم ابن عباس مع أنه صغير؛ عمره خمسة عشر أو سبعة عشر فكأنهم أنكروا عليه، وقالوا: كيف تدخل معنا هذا الفتى، إن لنا أولادا مثله فيقول -رضي الله عنه- إنه من حيث علمتم يعني أنه، ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن له هذه المكانة في حفظه وفطنته وفهمه ومعرفته وإدراكه؛ فذلك ما حمله على أن ينزله منزلة أكابر الصحابة ومشايخهم وكبرائهم كعثمان وعلي وطلحة وسعد بن عبادة
ونحوهم من أكابر الصحابة؛ يجعلهم جلساءه ويجعلهم مؤانسيه ونحوه.
وكذلك أيضا كان يحترم القراء الذين حملوا القرآن وقرءوه وحفظوه؛ كهولا كانوا أو شبانا منهم الحر بن قيس يقول الحر بن قيس إنه جاءه عمه الذي هو عيينة بن حصن فقال: يا ابن أخي إن لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه.
وكان جلساء الأمير الذي هو عمر -رضي الله عنه- هم القراء كهولا كانوا أو شبانا؛ يعني كبارا أو صغارا كان يجالسهم؛ وذلك لأنه عرف مكانتهم وفضلهم عرف أنهم حملة كتاب الله، وحق لمن قرأ كتاب الله وحفظه، أن تكون له منزلة رفيعة حتى ولو كان صغيرا، ولو كان شابا ولو كان كهلا، فإنه يقدم على المسنين وعلى الشيوخ الكبار هذه منزلة حملة كتاب الله.
وكذلك أيضا حملة السنة وحملة العلم، وكذلك أيضا أهل الصلاح وأهل الدين وأهل العبادة وأهل الاستقامة لهم أيضا منزلتهم؛ ولهم مكانتهم، ولهم الاحترام ولهم التوقير؛ وذلك لأن لهم فضل عند الله تعالى، فكذلك يحترمهم المسلمون، ويعرفون لهم أيضا فضلهم، ولو كانوا من الفقراء، ولو كانوا من الأذلاء، ولو لم يكن لهم ولاية، ولو لم يكن لهم وظيفة، ولو لم يكن لهم أموال ولا تجارات ولا غيرها.
إذا كانوا صالحين مصلحين يقرءون القرآن، ويحفظونه، ويقرءون الكتب العلمية، ويحفظون منها ما يتيسر، ويعبدون الله تعالى ويطيعونه، ويتفرغون لعبادته، ويعلمون مما علمهم الله تعالى، فإن لهم على غيرهم المكانة والاحترام.
هذا مفاد قوله -عليه السلام- أنزلوا الناس منازلهم .