إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
فتاوى الصيام
130557 مشاهدة
ترديد آيات الرحمة وآيات العذاب

س179: بعض أئمة المساجد يرددون آيات الرحمة وآيات العذاب ثلاث مرات أو أربع مرات أو أكثر؛ بقصد الخشوع وإبكاء المصلين، فما مدى موافقة ذلك للسنة؟ وهل أثر عن السلف؟ وهل كانوا يقتصرون على البكاء في آيات الجنة والنار، أم الدليل يفيد ما هو أعم من ذلك؟ وما هي نصيحتكم للأشخاص الذين يبكون عند الدعاء ولا يبكون عند سماع الآيات؟
الجواب: يجوز ترديد الآية للتدبر. قال النووي في التبيان: عن أبي ذر قال: قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بآية حتى أصبح، والآية: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ [سورة المائدة، الآية 118]. وعن تميم الداري: أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [سورة الجاثية، الآية 21].
وذكر أن أسماء -رضي الله عنها- كررت قوله -تعالى- فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [سورة الطور، الآية 27]. طويلا.
وردد ابن مسعود: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [سورة طه الآية :114]. وردد سعيد بن جبير: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [سورة البقرة الآية 281]. وردد أيضا: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ [سورة غافر، الآيتان 70 ، 71]. وردد أيضا: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [سورة الانفطار الآية 6]. وكان الضحاك إذا تلا قوله -تعالى- لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [سورة الزمر، الآية 16]. رددها إلى السَّحر. ا. هـ.
ومن هذه الآثار يعلم أن القارئ يردد هذه الآيات الوعظية لتأثره بها، وليس لتأثيرها في غيره. ولكن لا مانع من الأمرين.
وأما البكاء عند سماع القرآن فهو صفة العارفين وشعار الصالحين، كما قال -تعالى- وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [سورة الإسراء، الآية 109]. وقد ورد في الحديث: اقرءوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا وكان عمر -رضي الله عنه- إذا قرأ في الصلاة يبكي حتى تسيل دموعه على ترقوته، ويسمع بكاؤه من وراء الصفوف.
وثبت في الصحيحين: أن ابن مسعود قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم- من سورة النساء إلى قوله -تعالى- فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [سورة النساء، الآية 41]. قال: حسبك الآن. قال: فالتفت إليه فإذا عيناه تزرفان .
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثير البكاء، وكان في خديه خطان من البكاء. وقال أبو رجاء: رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع.
والآثار في هذا كثيرة يعلم منها أن بكاء السلف كان عند سماع القرآن، ولكن كانوا -أيضا- يبكون عند سماع المواعظ؛ ففي حديث العرباض: قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ... الحديث.
فينبغي الخشوع والبكاء والتباكي عند سماع آيات التخويف وآيات العذاب وكذا عن المواعظ التي تشتمل على تذكير وتنبيه، سواء كانت من الأدعية أو الأدلة، وينبغي أن يعلم أن البكاء هو أثر الخشوع وحضور القلب، وأثر التفكر والتأمل لما يسمعه من الآيات التي تتعلق بالآخرة، سواء في ذكر الجنة والنار، أو ذكر الموت وما بعده، أو ذكر العقوبات والمثلات الدنيوية، وكذا ما تشتمل عليه الأدعية في القنوت، أو غيره من ذكر الرغبة والرهبة والإلحاح في الطلب؛ فمتى أحضر السامع قلبه وتدبر معاني ذلك رق قلبه ودمعت عيناه، وليس ذلك خاص بدعاء القنوت، بل يعم كل ما اشتمل على الوعظ والتخويف من المسموعات والمرئيات. والله المستعان.