محاضرة بعنوان قيام الليل
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بقيام الليل
وقد كان السلف -رحمهم الله تعالى- يعتنون بقيام الليل، وقدوتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعالى أمره بقيام الليل فكان يمتثل ذلك. أمره في أول ما أنزل عليه قوله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا قرآن> رسم> ؛ فامتثل ذلك، فكان يقوم أكثر الليل.
وكذلك أيضا صحابته -رضي الله عنهم- يقومون مثل ما يقوم، أو قريبا منه، قال الله تعالى: رسم> إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ قرآن> رسم> –أي- قريبا من رسم> ثُلُثَيِ اللَّيْلِ قرآن> رسم> رسم> وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ قرآن> رسم> –أي- وتقوم نصفه أحيانا، وتقوم ثلثه؛ فكان هذا دأبه. ثم قال: رسم> وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ قرآن> رسم> –أي- كان هذا عملهم. فكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي نصف الليل، أو ثلث الليل على الأقل، أو ثلثيه؛ إمتثالا لهذا الأمر: رسم> قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا قرآن> رسم> .
حفظ عنه كما في حديث ابن عباس اسم> لما بات عند خالته قال له أبوه: اذهب فبت عند خالتك ميمونة اسم> في الليلة التي يكون فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها. يقول ابن عباس اسم> رسم> فلما كان نصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعل يمسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر الآيات من آخر سورة آل عمران متن_ح> رسم> وهي قوله تعالى: رسم> إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ قرآن> رسم> ثم إنه قام وتوضأ. يقول ابن عباس اسم> فكبر. ثم قال ابن عباس اسم> رسم> قمت، وتوضأت، وكبرت عن يساره، فأدارني عن يمينه متن_ح> رسم> يقول: رسم> فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر متن_ح> رسم> ذكر أنه صلى ثلاثة عشر ركعة، يسلم من كل ركعتين، والثالثة عشر هي الوتر؛ الركعة الأخيرة. يقول: رسم> ثم اضطجع قليلا حتى أذن الفجر رسم> ؛ يعني: أنه مكث نحو خمس ساعات، أو ست ساعات وهو يصلي. ولا شك أنه قد يحس بشيء من التعب؛ فاضطجع قليلا ليريح نفسه، فلما أذن قام وصلى ركعتين خفيفتين؛ وهما سنة الفجر، ثم خرج إلى الصلاة.
فحفظ ابن عباس اسم> عنه: أنه صلى ثلاث عشرة ركعة في تلك الليلة، وأنه قضاها في نحو نصف الليل، أو ثلثه، أو ثلثيه. وهذا تطبيق لما أخبر الله تعالى، أو لما أمره به: رسم> إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ قرآن> رسم> .
كان الصحابة أيضا -رضي الله عنهم- يتلذذون بقيام الليل، يقتدون بنبيهم، ويقتدون بعباد الله الصالحين الذين مدحهم بقوله: رسم> وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ قرآن> رسم> فيقتدون بهم في هذا العمل الصالح، ويحبون أن يصلوا.
كان عثمان بن عفان اسم> -رضي الله عنه- يصلي كل ليلة الليل كله، إذا صلى العشاء كبر، وابتدأ يقرأ القرآن من أوله من سورة البقرة، وإذا كان في آخر الليل وإذا هو قد ختم، ولا يقطع قراءته؛ إلا لسجدات التلاوة، ويجعل قراءته القرآن كله في ركعة وترا. هذه صلاته. هكذا يقول بعض الصحابة: راقبت عثمان اسم> -رضي الله عنه- وإذا هو يقرأ، ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ ويقرأ ويقرأ ثم يسجد، ثم يقرأ ويقرأ ثم يسجد، وإذا هو إنما يسجد سجدات التلاوة. السجدات التي في القرآن: في آخر الأعراف، وفي الرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، إلى آخرها... فهكذا قيامه.
عمر اسم> -رضي الله عنه- وكذلك أبو بكر اسم> كانوا يقومون الليل، وكانوا يقومون في آخره؛ يعني: الثلث الأخير من الليل، أو نحوه.
كان أبو بكر اسم> -رضي الله عنه- يسر بالقراءة، فسئل عن ذلك، فقال: أسمع نفسي وأناجي ربي. يعني: أن ربي يسمعني؛ ولو كانت قراءتي خفية.
أما عمر اسم> -رضي الله عنه- فإنه كان يجهر بالقراءة، فقيل له: لماذا؟ فقال: أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان. يعني: أن القراءة بجهر توقظ الوسنان الذي هو من المتثاقلين. الوسن: هو النعاس ونحوه، وأطرد الشيطان.
ولما كان كذلك كان الكثير من الصحابة -رضي الله عنهم- يحبون قراءة القرآن، والإكثار منه، منهم: عبد الله بن عمر اسم> -رضي الله عنه- رأى رؤيا؛ أنه جاءه ملك، أو جاءه ملكان في المنام، وذهبا به إلى جهنم، ورأى النار. يقول: ورأيت فيها أناسا قد عرفتهم، فلقيني ملك فقال: لا تراع، لن تراع. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> إن عبد الله اسم> رجل صالح؛ لو كان يقوم من الليل متن_ح> رسم> ؛ فكان بعد ذلك لا ينام من الليل؛ إلا قليلا، كان يتهجد طوال ليله.
ومنهم: عبد الله بن عمرو بن العاص اسم> ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقوم الليل، ويختم في كل ليلة، يختم القرآن في قيام كل ليلة؛ ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفق به، وعلم بأن ذلك قد يكلفه، ويشق عليه، فقال له: رسم> اختم القرآن في تهجدك في كل سبع متن_ح> رسم> في كل ليلة تقرأ سبع القرآن .
فكان في الليلة الأولى في ليلة الجمعة يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ليلة واحدة في صلاة، وفي الليلة بعدها يقرأ من المائدة إلى آخر التوبة، وفي الليلة الثالثة من أول يونس إلى آخر النحل، وفي الليلة الرابعة من أول الإسراء إلى آخر الفرقان، وفي الليلة الخامسة من أول الشعراء إلى آخر يس، وفي الليلة السادسة من أول الصافات إلى آخر الحجرات، وفي الليلة السابعة من سورة ق إلى آخر القرآن، كل ليلة يقرأ هذا في تهجده، لا شك أن هذا دليل على أنهم يحبون قراءة القرآن في الصلاة ولا يملون.
مسألة>