شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
محاضرة بعنوان قيام الليل
5229 مشاهدة print word pdf
line-top
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بقيام الليل

وقد كان السلف -رحمهم الله تعالى- يعتنون بقيام الليل، وقدوتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعالى أمره بقيام الليل فكان يمتثل ذلك. أمره في أول ما أنزل عليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ؛ فامتثل ذلك، فكان يقوم أكثر الليل.
وكذلك أيضا صحابته -رضي الله عنهم- يقومون مثل ما يقوم، أو قريبا منه، قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ –أي- قريبا من ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ –أي- وتقوم نصفه أحيانا، وتقوم ثلثه؛ فكان هذا دأبه. ثم قال: وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ –أي- كان هذا عملهم. فكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي نصف الليل، أو ثلث الليل على الأقل، أو ثلثيه؛ إمتثالا لهذا الأمر: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا .
حفظ عنه كما في حديث ابن عباس لما بات عند خالته قال له أبوه: اذهب فبت عند خالتك ميمونة في الليلة التي يكون فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها. يقول ابن عباس فلما كان نصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعل يمسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر الآيات من آخر سورة آل عمران وهي قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ثم إنه قام وتوضأ. يقول ابن عباس فكبر. ثم قال ابن عباس قمت، وتوضأت، وكبرت عن يساره، فأدارني عن يمينه يقول: فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر ذكر أنه صلى ثلاثة عشر ركعة، يسلم من كل ركعتين، والثالثة عشر هي الوتر؛ الركعة الأخيرة. يقول: ثم اضطجع قليلا حتى أذن الفجر ؛ يعني: أنه مكث نحو خمس ساعات، أو ست ساعات وهو يصلي. ولا شك أنه قد يحس بشيء من التعب؛ فاضطجع قليلا ليريح نفسه، فلما أذن قام وصلى ركعتين خفيفتين؛ وهما سنة الفجر، ثم خرج إلى الصلاة.
فحفظ ابن عباس عنه: أنه صلى ثلاث عشرة ركعة في تلك الليلة، وأنه قضاها في نحو نصف الليل، أو ثلثه، أو ثلثيه. وهذا تطبيق لما أخبر الله تعالى، أو لما أمره به: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ .
كان الصحابة أيضا -رضي الله عنهم- يتلذذون بقيام الليل، يقتدون بنبيهم، ويقتدون بعباد الله الصالحين الذين مدحهم بقوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ فيقتدون بهم في هذا العمل الصالح، ويحبون أن يصلوا.
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يصلي كل ليلة الليل كله، إذا صلى العشاء كبر، وابتدأ يقرأ القرآن من أوله من سورة البقرة، وإذا كان في آخر الليل وإذا هو قد ختم، ولا يقطع قراءته؛ إلا لسجدات التلاوة، ويجعل قراءته القرآن كله في ركعة وترا. هذه صلاته. هكذا يقول بعض الصحابة: راقبت عثمان -رضي الله عنه- وإذا هو يقرأ، ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ ويقرأ ويقرأ ثم يسجد، ثم يقرأ ويقرأ ثم يسجد، وإذا هو إنما يسجد سجدات التلاوة. السجدات التي في القرآن: في آخر الأعراف، وفي الرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، إلى آخرها... فهكذا قيامه.
عمر -رضي الله عنه- وكذلك أبو بكر كانوا يقومون الليل، وكانوا يقومون في آخره؛ يعني: الثلث الأخير من الليل، أو نحوه.
كان أبو بكر -رضي الله عنه- يسر بالقراءة، فسئل عن ذلك، فقال: أسمع نفسي وأناجي ربي. يعني: أن ربي يسمعني؛ ولو كانت قراءتي خفية.
أما عمر -رضي الله عنه- فإنه كان يجهر بالقراءة، فقيل له: لماذا؟ فقال: أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان. يعني: أن القراءة بجهر توقظ الوسنان الذي هو من المتثاقلين. الوسن: هو النعاس ونحوه، وأطرد الشيطان.
ولما كان كذلك كان الكثير من الصحابة -رضي الله عنهم- يحبون قراءة القرآن، والإكثار منه، منهم: عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- رأى رؤيا؛ أنه جاءه ملك، أو جاءه ملكان في المنام، وذهبا به إلى جهنم، ورأى النار. يقول: ورأيت فيها أناسا قد عرفتهم، فلقيني ملك فقال: لا تراع، لن تراع. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن عبد الله رجل صالح؛ لو كان يقوم من الليل ؛ فكان بعد ذلك لا ينام من الليل؛ إلا قليلا، كان يتهجد طوال ليله.
ومنهم: عبد الله بن عمرو بن العاص ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقوم الليل، ويختم في كل ليلة، يختم القرآن في قيام كل ليلة؛ ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفق به، وعلم بأن ذلك قد يكلفه، ويشق عليه، فقال له: اختم القرآن في تهجدك في كل سبع في كل ليلة تقرأ سبع القرآن .
فكان في الليلة الأولى في ليلة الجمعة يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ليلة واحدة في صلاة، وفي الليلة بعدها يقرأ من المائدة إلى آخر التوبة، وفي الليلة الثالثة من أول يونس إلى آخر النحل، وفي الليلة الرابعة من أول الإسراء إلى آخر الفرقان، وفي الليلة الخامسة من أول الشعراء إلى آخر يس، وفي الليلة السادسة من أول الصافات إلى آخر الحجرات، وفي الليلة السابعة من سورة ق إلى آخر القرآن، كل ليلة يقرأ هذا في تهجده، لا شك أن هذا دليل على أنهم يحبون قراءة القرآن في الصلاة ولا يملون.

line-bottom