إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب
7661 مشاهدة print word pdf
line-top
سعة رحمة الله

...............................................................................


وكذلك ما يذكره الله -تعالى- من سعة رحمته في قوله -تعالى- كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وهذا وعد من الله بأنه كتب على نفسه الرحمة، وهكذا أيضًا الحديث الذي فيه: أن الله -تعالى- كتب على نفسه في كتاب فهو موضوع عنده على العرش أن رحمتي تغلب غضبي وكذلك ما ذكر: أن الله جعل الرحمة مائة جزء، كل جزء طباق ما بين السماء والأرض؛ أنزل منها واحدا، به تتعاطف البهائم؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه هذه رحمة في قلوب الحيوان.
وكذلك ما جاء أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة؛ لما بحثت عن ولدها ووجدته، رفعته وألصقته بصدرها وأرضعته، فقال -صلى الله عليه وسلم- أترون هذه قاذفة ولدها في النار؟ قالوا: لا والله، وهي تقدر على عدمه، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها وفي لفظ: الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها مما يدل على سعة رحمة الله.
وكذلك إذا تذكر أن الله -تعالى- في الدار الآخرة، في يوم القيامة يرحم عباده، وأنه لا ينالهم الهم الذي ينال أهل الموقف، وأنه يكون ذلك اليوم قصيرًا عليهم؛ وإن كان بعيدًا أو قصيرًا، قدره خمسين ألف سنة، فهذا دليل على أنه واسع الرحمة، وهكذا أيضا ما ذكر في ثواب المؤمنين، من أنه يكرمهم، ويرفع درجاتهم ويعلي مكانتهم، ويعطيهم من الجنة ما يتنعمون به، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فإن هذا من أسباب تعلق القلوب برحمة الله -تعالى- وكذلك إذا تذكر أحاديث الشفاعة وكثرتها، واختلاف ألفاظها واتفاق المعاني؛ فإن ذلك -بلا شك- من أسباب قوة تعلق القلب بالله -تعالى- وأنه يثق بالله، ويعتمد عليه وحده، وأنه يرجوه؛ يرجو رحمته.
هكذا جاءت الأدلة الكثيرة، في أن الإنسان يتعلق برحمة الله؛ فإذا تذكر أسباب الخوف خاف، وإذا تذكر أسباب الرجاء رجا فيجمع بين الخوف والرجاء، ولا يجوز له أن يُغلب أحدهما، إذا غلب الخوف فإنه يكون آيِسًا، وإذا غلب الرجاء فإنه يكون آمِنًا.

line-bottom