القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب
5509 مشاهدة
الأمن من مكر الله

...............................................................................


وأما القسم الثاني؛ الذين يأمنون مكر الله؛ فهؤلاء هم الذين يكثرون من السيئات، ويتعلقون بالرحمة إذا ذكِّر أحدهم وقيل له: لا تسرف على نفسك، لا تكثر من السيئات، ولا تفعل كذا وكذا، ولو كانت من الخطايا الصغيرة فإنها عند الله كبيرة، إذا قال: أنا ما فعلت الكبائر أنا ما زنيت ولا قتلت ولا أشركت ونحو ذلك ، فنقول له: إن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، فأنت -مثلاً- تحلق لحيتك وتصر على ذلك، وتجر ثوبك إلى ما أسفل الكعبين، وتعلم أدلة تحريم ذلك، وكذلك أيضًا تسرق وتزني وتنتهب وتلهو وتسمع الغناء، وتسخر بإخوانك المسلمين وتدعي أنك مسلم ونحو ذلك؛ ففي هذه الحال نرى أنه في إصراره على ذلك يستحق العذاب عاجلاً أو آجلاً؛ إذا أصر على هذه المعاصي قد يتعلقون بآيات الرجاء، ويذكرون بعضها ولا يذكرون تمامها ، ذكرنا من آيات الرجاء قول الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فنقول: إذا كنت ترجو الرحمة فعليك أن تأتي بأسبابها التي هي العبادة والطاعة والتوبة النصوح ، فأما أن تقول: إني من أهل الجنة، وإني من أهل الصالحات، وأن الله لا يعذب من يحبه -كما يعبرون- وأن الله رحيم بعباده، وأن هذا الدين يسر وأن مع العسر يسرًا، ويتعلقون بمثل بعض هذه الآيات، والأحاديث، فنقول لهم: ليس لكم متعلق فيها، فإنكم -بلا شك- قد تعلقتم بما لا ينفعكم، آية الأعراف اقرأوا تمامها ، وهي قوله -تعالى- وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ صحيح رحمة الله واسعة، ولكن لمن؟ قال -تعالى- فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ فذكر أن هؤلاء هم أهلها، فأما الذين يعصون ويصرِّون على المعاصي ولا يقبلون النصائح فإنهم قد لا تعمهم، فالله -تعالى- قد وصفهم بهذه الصفات حتى لا يطمع فيها كل من يدعيها.