إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب
4988 مشاهدة
الأمن من مكر الله

...............................................................................


وأما القسم الثاني؛ الذين يأمنون مكر الله؛ فهؤلاء هم الذين يكثرون من السيئات، ويتعلقون بالرحمة إذا ذكِّر أحدهم وقيل له: لا تسرف على نفسك، لا تكثر من السيئات، ولا تفعل كذا وكذا، ولو كانت من الخطايا الصغيرة فإنها عند الله كبيرة، إذا قال: أنا ما فعلت الكبائر أنا ما زنيت ولا قتلت ولا أشركت ونحو ذلك ، فنقول له: إن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، فأنت -مثلاً- تحلق لحيتك وتصر على ذلك، وتجر ثوبك إلى ما أسفل الكعبين، وتعلم أدلة تحريم ذلك، وكذلك أيضًا تسرق وتزني وتنتهب وتلهو وتسمع الغناء، وتسخر بإخوانك المسلمين وتدعي أنك مسلم ونحو ذلك؛ ففي هذه الحال نرى أنه في إصراره على ذلك يستحق العذاب عاجلاً أو آجلاً؛ إذا أصر على هذه المعاصي قد يتعلقون بآيات الرجاء، ويذكرون بعضها ولا يذكرون تمامها ، ذكرنا من آيات الرجاء قول الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فنقول: إذا كنت ترجو الرحمة فعليك أن تأتي بأسبابها التي هي العبادة والطاعة والتوبة النصوح ، فأما أن تقول: إني من أهل الجنة، وإني من أهل الصالحات، وأن الله لا يعذب من يحبه -كما يعبرون- وأن الله رحيم بعباده، وأن هذا الدين يسر وأن مع العسر يسرًا، ويتعلقون بمثل بعض هذه الآيات، والأحاديث، فنقول لهم: ليس لكم متعلق فيها، فإنكم -بلا شك- قد تعلقتم بما لا ينفعكم، آية الأعراف اقرأوا تمامها ، وهي قوله -تعالى- وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ صحيح رحمة الله واسعة، ولكن لمن؟ قال -تعالى- فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ فذكر أن هؤلاء هم أهلها، فأما الذين يعصون ويصرِّون على المعاصي ولا يقبلون النصائح فإنهم قد لا تعمهم، فالله -تعالى- قد وصفهم بهذه الصفات حتى لا يطمع فيها كل من يدعيها.