قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
كلمة في معهد سلاح المدرعات
3679 مشاهدة
النهي عن القنوط

الكثير من الذين يُصِرُّون على الذنوب، ويستكثرون من السيئات، يتركون الصلوات، أو يتركون صلاة الجماعة، ويمنعون الحقوق المالية عليهم كالزكوات، والكفارات، وكذلك يهجرون كلام الله، ويهجرون ذكره؛ فلا يذكرونه إلا قليلا، وكذلك أيضا يرغبون عن دعائه، وعن رجائه ونحو ذلك، إذا نصحتهم يقولون: رحمة الله واسعة، إننا نتعلق برحمته، كيف تَرُدُّ عليهم؟ رُدَّ عليهم بأنه تعالى كما أن رحمته وسعت كل شئ؛ فإنه سريع العقاب، شديد العقاب، ولهذا يجمع الله بين آيات العذاب وآيات الرحمة حتى يكون المؤمن خائفا من عذاب الله، وراجيا لرحمته؛ فبذلك يرحمه الله سبحانه، ويعفو عنه، إذا أتى بأسباب الرحمة.
نعرف أنه سبحانه نهى عن القنوط الذي هو قطع الرجاء، قال تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ أي: لا يقطع الرجاء إلا الضالون وقال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ رَوْحُهُ يعني: فَرَجُهُ، إذا اشتدت الكربات؛ فإن العبد يُعَلِّقُ قلبه بربه، ويرجوه غايةَ الرجاء، ويكون بذلك مُؤَمِّلًا أنه يعفو عنه، ويغفر له.
ولكن هناك رجاء أهل الغرور، هناك رجاء أهل الاغترار الذين يتعلقون بالرجاء، وينسون آيات العذاب، فنقرأ عليهم الآيات التي فيها الخوف والرجاء، قال الله تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيم .
أي: لا تعتمدوا على الرحمة، فإن الله غفور رحيم، وإنه يعذب العذاب الأليم، وقال تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ أي: أنه كما أنه رحيم؛ فإنه شديد العقاب، وقال تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ فكلما ذكر الرحمة والمغفرة؛ ذكر بعدها العقوبة والعذاب؛ حتى يكون المؤمن خائفا راجيًا.
ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض قد اشتد مرضه، فقال: كيف تجدك؟ فقال: أخشى ذنوبي، وأرجو رحمة ربي. جمع بينهما، يقول: أخشى الذنوب، التي هي العقوبات، وأرجو رحمة الله، أثق بأن الله تعالى يرحم مَنْ يشاء من عباده؛ ولكني مع ذلك خائف، أخشى من العقوبة، وأخشى من الذنوب، ومن آثارها، فهكذا يكون العبد في هذه الحياة الدنيا جامعا بين الخوف والرجاء.
فالخوف أسبابه هي: أن يتذكر عقوبة الله وعذابه، يتذكر أنه سبحانه شديد العقاب، يتذكر أنه عزيز ذو انتقام، يتذكر عذابه للأمم السابقة، الذين كفروا بالله تعالى وكذبوا رسله، يتذكر أيضا عقوبته لِلَّاحقين، كيف أنه سلط بعضهم على بعض، وكيف أنه أهلكهم!
كثير من الدول- كما تسمعون، وكما تشاهدون- كانوا أهل قوة وأهل منعة، وكانوا أهل ثروة وأهل قوة؛ ولكن لما أنهم كفروا؛ سَلَّطَ الله عليهم أنواعا من العقوبات؛ فسامهم سوء العذاب؛ فأصبحوا خائفين، وأصبحوا في فَقْرٍ مُدْقِعٍ، وأصبحوا في شدة وجُهْدٍ، وأصبحوا في جوع وظمأ شديد، لماذا؟ جزاء كفرهم، أو جزاء معاصيهم ومخالفاتهم.
وإذا قيل: إن هناك دولًا كبرى، مع ذلك يتمتعون بالقوة، ويتمتعون بالثروات، وبالأموال الطائلة، فنقول: لا تغبطوهم؛ فإن هذه طيباتهم عُجِّلَتْ لهم، ولهذا قال الله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا حسناتهم وصدقاتهم وصِلَتُهُمْ وأعمالهم الصالحة، يُعَجَّلُ لهم ثوابُهَا في الدنيا؛ فيأتون الآخرة مفاليس، ليس معهم حسنة يجازون بها.
فالكافر إذا عمل حسنة؛ جُوزي بها في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخرها له في الآخرة؛ فيأتي الكافر وليس له حسنة، ويأتي المؤمن وحسناته موفرة، وقد كُفِّرَت عنه سيئاته، بما أصيب بها في الدنيا، وبِكُلِّ حال فإن العبد يكون خائفا راجيا، إذا تذكر النار وشدة العقوبة فيها، ما ذُكِرَ من أنَّ حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم، وشرابهم المر والصديد، ولباسهم القطران والحديد، وعذابهم أبدا في مزيد، وأنهم يُنَادون خازن النار، فيقولون: يا مالِكُ قد أثقلنا الحديد، يا مالِكُ قد تفتت منا الكبود، يا مالِكُ قد تمزقت منا الجلود، يا مالِكُ أخرجنا منها فإنا لا نعود، يا مالِكُ العدم خير من هذا الوجود؛ فيناديهم الرب تعالى بعد زمان: اخسئوا فيها، فلا بد من الخلود.
إذا تذكر ما ذكر الله تعالى عن عذاب النار في الآخرة مثل قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حَرَّ َالنار فقال: ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم. فقالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية. إن كانت لكافية، كيف لا تكفي؟ والإنسان إذا أدخل شعلة نار مات في لحظات، واحترق وأصبح رميما، وأصبح رمادا؛ فكيف لا تكفي هذه النار؟! فقال صلى الله عليه وسلم: فُضِّلَتْ عليها بتسعة وستين جزءا ....
يطيق الصبر على هذه النار، يُقَالُ لهم: فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا لا بد من الخلود.
إذا تذكرنا هذه النار، وعرفنا أن الله تعالى أعدها للكفار، وأعدها للفجار؛ فإن علينا أن نَحْذَرَها، ونبتعد عن الأعمال التي تقرب منها، ذكر الله تعالى من أهلها المنافقين الذين يظهرون الإيمان، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ أخبر بعذابهم إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ذكر الله تعالى أن لها سبعةَ أبواب، يعني: سبع طبقات، والطبقة لا يحصيها إلا الله، يمكن أنها مسيرة مئات السنين، ذكر الله أنها سبع طبقات: لظى، والحطمة، وجهنم، والجحيم، وسقر، والسعير، والهاوية.
كل هذه طبقات من طبقات النار، فإذا تَذَكَّرَ العبد هذه النار؛ فكيف يهنؤه المقام؟! وكيف يفعل أنواعا من الإجرام؟! وكيف يترك شيئا من تعاليم الإسلام؟! لا شك أن هذا هو الغرور، وأن هذا هو خداع الشيطان! مَنْ تذكرها؛ فإنه يهرب منها.
جاء في بعض الآثار: عجبتُ للنار كيف ينام هاربها؟ وعجبتُ للجنة كيف ينام طالبها؟!.
الله سبحانه وتعالى خلق الجنة والنار، في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشتكت الجنة والنار؛ فقالت الجنة: يا رب فِيَّ ضعفاء الناس وسقطهم. وقالت النار: فِيَّ الجبارون والمتكبرون. فقال الله للجنة: أنتِ رحمتي، أرحم بكِ مَنْ أشاء. وقال للنار: أنتِ عذابي، أُعَذِّبُ بكِ مَنْ أشاء، ولِكُلٍّ منكما عَلَيَّ ملؤها .
هكذا ذكر الله أن الجنة رحمته، وأن النار عذابه، فإذا تذكر العبد هذا العذاب؛ فإنه يهرب من أسبابه، يهرب من المعاصي ومن السيئات، ومن المخالفات، ومن الذنوب والخطيئات، التي تُدْخِلُه إلى تلك الدركات، فإنه لو لم يُعَذَّبْ إلا ساعة، أو نصف ساعة؛ لكان حقًّا عليه، وواجبا أن يخاف أشد الخوف؛ ولكن كيف وقد وُعِدَ بأنه يُعَذَّبُ عذابا شديدا؟ يُعَذَّبُون عذابًا ليس له نهاية، لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا .
روي عن بعض السلف أنه قال: لو تَوَعَّدَنِي الله أنه يحبسني في الحمام؛ لكان حقا علي أن أبكي طوال الوقت، أن يحبسني في الحمام! فكيف إذا كان الحبس في هذه النار- والعياذ بالله-؟! فهذا من أسباب الخوف: تذكر النار.