لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
محاضرات عن طلب العلم وفضل العلماء
13338 مشاهدة
بيان بأقسام العلوم وموقف الشرع من العلوم المستحدثة

أما العلوم الزائدة التي زادت عليها؛ فإنها إن كانت وسائل لها فهي من جملة العلوم النافعة، وإن كانت مشغلة فهي من العلوم الصادة عن الخير وإن كان فيها فائدة من وجه آخر؛ ولذلك قال بعض العلماء أو بعض الشعراء:
كل العلـوم سـوى القرآن مشغلة
إلا الحـديث وإلا الفقه في الـدين
العلـم مـا كـان فيـه قال حدثنا
وما سوى ذاك وسواس الشـياطين
أي: ما كان شاغلا عن ذلك فإنه من الشيطان.
ولا شك أن الله تعالى فتح على الصحابة -رضي الله عنهم- وكذلك فتح على العلماء الذي بعدهم، والذين حملوا هذا العلم إلى أن بينوا علم الشريعة بيانا واضحا جليا.
أما علم اللغة فلا بد أيضا منه، لا بد من العلم بمعرفة اللغة التي نزل بها القرآن، ولذلك اهتم العلماء بها ودونوا مفردات اللغة حتى يعرف ما جاء في هذه الأحاديث من الكلمات الغريبة، وكذلك ما جاء في القرآن، فالعلم باللغة وبمفرداتها يعتبر أيضا علما شرعيا؛ لأنها لغة القرآن ولغة السنة ولغة الصحابة ولغة الصدر الأول واللغة التي نزل القرآن بها، فتعلمها أيضا يعتبر مفتاحا للعلوم الشرعية ولفهمها، فلا بأس بذلك.
لكن لا ينبغي أن يتوغل في ذلك، ولذلك قال بعض العلماء: النحو في الكلام كالملح في الطعام. أي: علم النحو الذي هو علم العربية وكيفية النطق بها له فائدة، فائدته: فهم كلام الله وكلام رسوله وكلام أولي العلم.
ولكن إذا انشغل عن ما هو أهم منه وتوغل فيه فإنه يعتبر من المشغلات، رد بعض العلماء كابن عبد البر على بعض من فضله قال شاعر قال:
وإذا طلبت من العــلوم أهمهــا
فأهمهــا منهــا مقيـم الألسن
رد عليه وقال:
هـذا الصحيـح ولا مقـالة جـاهل
فأهمهــا منهــا مقيـم الألسن
لو كـان ذا فقـه لقـال مبــادرا
فأهمهــا منهــا مقيـم الأديـن
أي: العلم الذين يقيم الدين لا شك أنه أهم العلوم. مقدمات العلوم وأهميتها في طلب العلم
كذلك اشتغل العلماء بمقدمات العلوم لتكون مفتاحا لها؛ فجعلوا مفتاحا لعلم الحديث وهو ما يسمى بمصطلح المحدثين، اصطلاحات المحدثين يحتاج إلى تعلمها من يشتغل بعلم الحديث، وأما الذي يأخذ الأحاديث الصحيحة من مراجعها فإنه قد ينشغل إذا اشتغل بهذا العلم.
كذلك مقدمات التفسير جعلوا أيضا علما خاصا سموه علم أصول التفسير أو مقدمة التفسير، لا شك أيضا أن فيه فوائد، وهو من القواعد التي إذا تعلمها فتح الله عليه معرفة الأحاديث ومعرفة السنة ومعرفة الأحكام، وما أشبه ذلك، وهكذا أيضا مقدمة علم الفقه الذي يسمى أصول الفقه.
فالعلوم المفيدة التي نحث عليها، أولها: علم العقيدة التي يعرف بها كيف يعتقد المسلم ما يجب عليه اعتقاده، وكذلك كيف يعبد ربه ويوحده، هذا العلم أهم العلوم وأولاها بالعناية؛ لأن الكفر يدخل في الشرك ويخرج من الملة.
وكذلك الشرك يقع فيه من لم يعرف التوحيد، فيبدأ طالب العلم بالتوحيد، فإذا حقق التوحيد وعلم كيف يعبد ربه، وعلم ما يفسد عليه عقيدته وما يفسد عليه عبادته ويبطلها؛ فإنه يتعلم أيضا علم الأحكام الذي يسمى علم الفقه، أدلته من الكتاب والسنة كأدلة التوحيد من الكتاب والسنة، وتعلمه بأن يعكف على تعلم الكتب التي اعتنت بهذه الأحكام.
حيث قسموا العلم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: قسم العبادات كأركان الإسلام، والثاني: قسم المعاملات وهو كيف يكسب مالا حلالا أي المعاملات التي فيها كسب المال، والقسم الثالث: قسم العقود التي يحتاج إليها في مجتمعه والتي تتعلق بالنكاح ونحوه، والقسم الرابع: قسم الجنايات والحدود والعقوبات على المعاصي، وكلها لها أهمية.
كذلك أيضا لا شك أن من العلوم التي يهتم بها المسلمون علم الأدب؛ أي الأدب الديني الذي أدب به النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته وعلمهم، وكذلك أدّب أمته، فهذا العلم الذي هو علم الأخلاق وعلم الآداب الدينية له أيضا أهميته.
وقد اعتنى به العلماء -رحمهم الله- كما في كتاب الأدب المفرد للبخاري رحمه الله وغيره، كذلك إذا بدأ بعلم الفقه فإنه يبدأ بمقدماته إذا أراد التوغل وهو أصول الفقه، وهكذا علم الحديث وعلم التفسير وما أشبهها.
هذه هي العلوم الأهمية التي ينبغي أن يشتغل بها المسلم، وما تفرع منها كعلم النحو وعلم الفرائض وعلم أصول التفسير أو أصول الفقه أو علوم القرآن وما أشبهها فإنها موصلة إليها، وما سوى ذلك يعتبر فضلة.
العلوم الجديدة قد تعتبر مشغلة؛ ولكن إذا احتيج إليها أصبحت من العلوم الفرضية، فإنه يفرض على الناس أن يكون منهم علماء بالصناعات وعلماء بالحرف وعلماء بالأدوات التي يحتاج إليها في هذه الحياة الدنيا، فيفرض أن يكون هناك من يعلم هذه العلوم الجديدة؛ حتى يستغني المسلمون بها عن غيرهم من غير المسلمين، ولكن الفرض على كل مسلم علم الشريعة التي يعبد بها ربه، هذا هو الواجب عليه.
لا نقول: يحرم تعلم علم الهندسة أو تعلم الكيمياء أو الفيزياء أو الأحياء أو علم الصناعات والمخترعات الجديدة والكهرباء وما أشبهها، لا نقول: يحرم؛ إلا إذا شغل عن العلم المفيد العلم الواجب الذي هو معرفة العبد كيف يعبد ربه، وكيف ينقذ الأمة من الجهل.