محاضرة بعنوان الشباب والفراغ
كيفية استغلال المجالس
بعد ذلك نتطرق إلى موضوع ثالث، وهو توجيه مختصر لكيفية استغلال المجالس؛ وذلك لأنه عادة لكبار الأسنان ولصغار الأسنان أن يجعلوا لهم مجالس عند أحدهم أو في بيوتهم، ويمضي الوقت وهم في تلك المجالس ويشغلونها، فننصحهم كيف يقضون تلك المجالس حتى يكونوا بذلك مستغلين لها فيما يفيدهم، حتى أن كثيرا منهم إذا جلسوا يشكون أنهم ليس لهم حرفة وليس لهم عمل فيقعون في أشياء تضرهم ولا تنفعهم.
فنقول لهم: لا بد أو سوف تجدون ما تشغلون به أوقات فراغكم.
فأولا: إذا جلستم مجلسا عاديا عند أحدكم سواء كنتم شبابا أو شيبا, بأي شيء تشغلون هذا المجلس؟
عندكم مثلا كتاب الله عز وجل, إذا أخذ أحدكم المصحف وقرأ واستمع الباقون, أليس ذلك من الحسنات؟
بلى، يستفيد هو ويستفيد الحاضرون المستمعون، وكذلك يبحثون في معاني هذه الآيات وفي مدلولاتها، فيحفظون وقتهم ويتزودون حسناتٍ ويتعلمون دينهم ويتعلمون ويتفقهون في كتاب ربهم، ولا يضرهم أن يقضوا في ذلك ساعة أو ساعتين.
عندهم كتب السنة، إذا كان فيهم من يقرأ أو فيهم من يعرف أمروه بأن يأخذ كتابا من كتب الحديث سواء كتب الأحكام، أو كتب الآداب، أو كتب السير والتراجم، أو كتب الحوادث والأخبار، أو كتب العبر والمواعظ والإرشادات، أو كتب الخطب والتعليمات.
إذا قرأ عليهم يوما في هذا ويوما في هذا, قضى كل يوم مثلا مثل ساعتين أو ثلاث ساعات في مثل هذا استفاد واستفادوا، حفظوا بذلك وقتهم وحفظوا بذلك أعمالهم وتفقهوا في دينهم وازدادوا عملا صالحا.
لا شك أن هذا سهل وأنه من أهم المهمات؛ لأن كثيرا يبقون على جهلهم يبقون جهالا، ومع ذلك الموارد موجودة عندهم, مواردهم التي هي كتب العلم ميسرة سهلة في متناولهم، وليس فيهم جاهل، بل القراء والمتعلمون كثيرون يستطيعون أن يقرأ أحدهم والبقية يستمعون، أو يتناوبون القراءة ولا مشقة في ذلك.
فهذا مما يحفظ به الفراغ وتحصل به الفائدة ويتزودوا منه للدار الآخرة, وإذا ضجروا من ذلك أو ملوا فإنهم ولا بد سوف يخوضون فيما بينهم.
ننصحكم إذا كنتم ولا بد ستخوضون وتتكلمون أن تقطعوا هذا الوقت وتتكلموا بشيء مما أنتم به مأمورون، فمثلا إذا تكلمتم في آيات الله الكونية ومخلوقاته وعظم هذه المخلوقات والتدبر فيها والتفكر فيها, كان في ذلك فائدة عظيمة تحفظون بها الوقت وتعتبرون وتتركز العقيدة وتقوى في القلوب، تتفكرون في آيات الله التي أمرنا بأن نتفكر فيها وأن نتعقلها، التي يذكرها الله عز وجل دائما أو يعيب على الذين لا يعقلون ولا يتفكرون ولا يتدبرون، فعمارة المجالس بأن نقول: نحن خلق الله عز وجل الذي خلقنا والذي مكن لنا هذه الأرض.
نتعجب كيف خلْق الإنسان؟ وكيف تركيبه؟ وكيف تركيب أعضائه؟ وكيف تم خلقه من هذه الأعضاء الظاهرة والخفية؟ وذلك أعجب العجب، وكذلك كيف بث هذه المخلوقات على هذه الأرض, وجعل لكل دابة جزءا من الرزق، وجعل منها ما يطير بجناحيه، ومنها ما يدب على الأرض، وأنبت فيها هذا النبات المختلف بأنواعه وجعله يكبر بهذا الساق وبهذا الماء ويزيد, وجعل فيه هذه الثمار وهذه الأوراق وهذه الأغصان ونحو ذلك؟
وكذلك كيف بسط الأرض وما فيها من الجبال والمهاد والأودية والأوتاد والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأتربة والبطحاء والمعادن التي في جوفها والمياه وما أشبه ذلك.
لو أن الإنسان من حين خلق أخذ يتدبر في هذه المخلوقات لتعجب منها وأخذ يكررها, فازداد يقينا وحفظ بذلك وقته عن الضياع.
وهكذا إذا تدبر في الأفلاك العلوية والأجرام والسماوات والنجوم والشمس والقمر والرياح والسحب وما إلى ذلك، لا شك أنه يشغل بذلك وقته ويزداد بذلك يقينه ويعتبر أيما عبرة، إذا تكلموا وعمروا بذلك مجالسهم، أوشك أن يستفيدوا منها، فيرجعوا بفائدة، ويحفظوا بذلك أعمارهم.
فهذا من جملة الفراغ الذي إذا شُغل استفيد منه.
وبلا شك أن هناك أيضا أشغالا أو أعمالا يمكن أن الناس لا بد وأن يخوضوا فيها، يباح لهم مثلا أن يسأل بعضهم بعضا عما وقع من الحوادث وعما وقع من الأخبار التي فيها مواعظ وعبر وتفكر, سواء في القريب أو البعيد أو ما أشبه ذلك.
وكذلك أيضا يبحثون عما يهمهم من أمر الأمة الإسلامية عما يهمهم أو يهم مجتمعهم, بأن يبحثوا عما أمروا بأن يعملوا به أو أمروا بأن يغيروه أو أمروا بأن يعملوا به من الأعمال أو ما أشبه ذلك، سوف يجدون حوادث تهم المجتمع وتحتاج إلى علاج من الواحد ومن الجماعات، ويهمهم أن يقوموا بعلاجها قبل أن تستفحل وأن تتمكن وما أشبه ذلك، إذا خاض المجتمع في مثل هذا أوشك أن ينتفعوا -إن شاء الله-.
مسألة>