شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة logo    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
محاضرة بعنوان شكر النعم (1)
7912 مشاهدة print word pdf
line-top
نعمة المال وكيفية شكرها

وأما نعمة الثروة.. ونعمة المال، فهي التي ينبغي أن يعرف الإنسان قدرها؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب ؛ فإذا أعطاك الله -تعالى- شيئا من الدنيا، فلا تعتقد أن ذلك لشرفك، ولفضلك؛ ولكن اعتقد أنه من الاختبار والامتحان؛ هل تشكر ما أعطاك الله أم تكفر؟ فإن شكرت.. فهنيئا لك، وأبشر بالزيادة، وإن كفرت.. فإنك متعرض لإزالة هذه النعمة ولذهابها.
تذكر أن ربنا -سبحانه- قد أعطى الدنيا أناسا، فكفروها، فسلبت منهم أحوج ما كانوا إليها، تذكر قصة قارون الذي يضرب به المثل في كثرة أمواله، آتاه الله كنوزا وذخائر؛ حتى إن المفاتيح -مفاتيح الخزائن- إذا جمعت، يعجز عن حملها عصبة من الرجال: مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ؛ أي جماعة من أهل القوة يعجزون عن حمل مفاتيح تلك الخزائن.
وماذا كانت حالته لما أن قومه وعظوه وقالوا: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ؟ أي لا يكون فرحك فرح أشر، وفرح بطر: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ أي اصرفه في الدار الآخرة، وأنفقه فيما يقربك عند الله تعالى: وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا أي تمتع بما أنت محتاج إليه، وبما يسد حاجتك وخلتك وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ماذا قال؟
قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي اعتقد أنه أوتي هذا المال على شرف، أنه أوتيه؛ لأنه شريف، أو أوتيه؛ لأنه عالم.
عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أي: على معرفة؛ أني أعرف المكاسب، وأعرف التجارات، وأعرف كيف أتصرف في الأمور، وأعرف كيف أكتسب المال؛ فجعل ذلك علامة على أنه على خير.
هذه الكلمة فيها كفر لنعم الله، لم يقل: آتاني الله -تعالى- ذلك اختبارا وامتحانا، فلما لم يعترف بأن هذا اختبار، وبأن المال يعطيه الله –الدنيا- من يحب ومن لا يحب إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب .
لما أنه افتخر بأن هذا بفضل قوته؛ أي جمعت هذا المال بقوتي، وبذكائي، وبحنكتي، وبمعرفتي، وبخبرتي، وتجربتي، ولم يقل: الله -تعالى- هو الذي يسر لي ذلك، ولا هو الذي سهل ذلك الأسباب، لما أنه كفر نعمة الله، ولم يعترف بفضله، عند ذلك عاقبه الله: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ خسف الله -تعالى- به، وبأملاكه، وبجميع ما يدخره، خسف الله به الأرض؛ فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، وما نفعه ماله، ولا دفع عنه.
وهكذا -أيضا- ذكر الله -تعالى- من أهل الدنيا قوم سبأ، قوم سبأ ذكروا في سورة سبأ في قول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ .
ذكروا أن الأشجار يستظل بها الإنسان، ولو مسيرة يوم، أو يومين، لا يمسه شمس، إذا مشى تحت تلك الأشجار، وذكروا أن المرأة تجعل الزمبيل على رأسها، وتمشي تحت الشجر، فتحرك الشجر، فتحرك أغصانه بذلك الزمبيل؛ فيتساقط فيه الثمر؛ حتى يمتلئ الزمبيل من الثمر دون أن تقتطف منه شيئا؛ ذلك لكثرته بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا لما أنهم لم يشكروا نعم الله -تعالى- فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ لما أنهم لم يشكروا نعم الله، فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ مزقهم الله -تعالى- كل ممزق؛ أرسل عليهم السيل، فجرف بلادهم، وقلع أشجارهم، وقلع سدودهم، فتفرقوا أيادي سبأ. هذا من آثار كفر نعم الله -عز وجل-.
لا شك أن ربنا -سبحانه وتعالى- فتح علينا في هذه الأزمنة، ما فتحه من الدنيا؛ وإن كان هناك كثير يشتكون القلة، والفقر، والفاقة؛ ولكن هناك -أيضا- جمع كثير عندهم أموال طائلة، وعندهم ما قد أنعم الله -تعالى- عليهم، وأعطاهم من المال ما هو زائد على حاجتهم، فعليهم أن يعترفوا بأن هذا فضل الله، وأن يشكروه على هذه النعمة، وأن يعتقدوا أن ذلك ليس لأجل كرامتهم؛ ولكنه من باب الاختبار، اختبار لهم وامتحان لهم، هل يؤدون شكره أم لا؟ فإذا أدوا شكره؛ فإن ربنا -سبحانه- يزيدهم منه؛ قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ فأخبر بأنه أنعم عليهم، وأنه تأذن لمن شكر بالزيادة، إذا شكروا نعم الله تعالى؛ فإن الله -تعالى- يثبتها عليهم، ويزيدهم منها، ويسبغ عليهم نعمه؛ كما أخبر بذلك في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً فعليهم أن يعترفوا بها، وأن يشكروا ربهم على ذلك.
ثم نقول: كيف يكون شكر هذه النعمة؟ وكيف يكون كفرها؟ وذلك لأن الكثير يعملون أعمالا فيها شيء من كفران النعم، ولا يعتقدون أن هذا سبب في إزالتها، وأنه من كفرها!.
فنقول: المال الذي يعطيه الله -تعالى- الإنسان -قليلا أو كثيرا- يعلم أن لله عليه فيه حقوقا؛ فيبدأ بحقوق الله -تعالى- عليه، وكذلك أن لأهله عليه فيه حقوقا؛ فيؤدي حقوق أهله وغيرهم، ثم يعلم بعد ذلك أن لإخوانه الفقراء ونحوهم عليه حقوقا؛ فيؤدي تلك الحقوق، ثم يقتصد بعد ذلك في نفقته، ويجتنب إفساد ذلك المال؛ حتى إذا رأى وجها من وجوه البر صرفه فيه؛ فبذلك لعله يكون من الشاكرين.
حقوق الله -تعالى- مثل: الزكوات، والكفارات، والنذور، وما أشبهها. هذه لا بد أن الإنسان يخرجها من ماله؛ حتى يبارك له فيما بقي، فيحاسب نفسه، يحسب على نفسه ماذا أوجب الله علي في هذا المال؟ علي فيه كذا.. وكذا من الزكوات، وكذا.. وكذا من النذور والكفارات؛ فيبدأ بها، ويؤديها كاملة غير منقوصة؛ وذلك من حقوق الله.
كذلك -أيضا- حقوق أهله: ينفق عليهم؛ كما قال الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وقال تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسا إِلَّا مَا آتَاهَا فينفق على أولاده؛ ولكن نفقة اقتصاد، فيعطيهم حاجاتهم في المآكل، والمشارب، والملابس، والمساكن، وما أشبهها؛ فإذا أدى حقوقهم، عرف بذلك أنه أدى حقّا واجبا عليه.
وكذلك -أيضا- سائر الحقوق التي تجب عليه، وبعد ذلك يعرف أن للمسلمين عليه حقا، أن للفقراء والمساكين، والضعفاء، والمستضعفين، أن عليه حقوقا لهم؛ فيعطيهم، وينفق عليهم؛ فيصل ذوي الأرحام، وينفق على ذوي القربى، وينفق على المساكين والمستضعفين.
وكذلك -أيضا- يطعم من يراه أهلا للإطعام، من جار أو صديق أو رفيق أو ما أشبه ذلك.
فذلك كله من شكر نعم الله -تعالى- وأداء الحقوق عليه؛ لعل ذلك يكون سببا في البركة، سببا في أنه يبارك الله -تعالى- له فيما أبقى، ويزيده خيرا، ويخلف عليه، يتذكر قول الله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي: ما أنفقتموه في وجوه البر، وفي وجوه الخير، في الطاعات، وفيما يحبه الله، وفيما يرضاه؛ فإن ذلك من الخير؛ فإن ذلك سبب للبركة، وسبب لنماء الأموال ووقوع البركة فيها؛ ولهذا وردت الأدلة في الترغيب في الصدقات، وما أشبهها، وأنها سبب لبقاء المال، ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه ؛ ما نقصت صدقة من مال، المال الذي يتصدق منه يبارك الله -تعالى- فيه؛ وذلك من شكر الله -تعالى- على هذا المال، فهذا من الشكر.
وكذلك -أيضا- من الشكر: إعطاء ذوي الحاجات، وصرفه في وجوه الخير، ... في هذه النعمة، واستقرارها.
وأما كفر هذه النعم: فإنه يكون بصرفها في معاصي الله، فالذين يصرفون الأموال في آلات الملاهي، يدعون أنهم يرفهون عن أنفسهم؛ فيشترون صورا خليعة، وأفلاما هابطة، وكذلك -أيضا- يشترون أجهزة يستقبلون بها ما تبثه القنوات الفضائية من المنكرات وما أشبهها، يبذلون في ذلك مالا؛ ولو كان قليلا؛ ولو لم ينقص أموالهم، لا شك أنهم يعتبرون قد كفروا نعم الله؛ حيث صرفوا هذا المال -ولو قليلا- فيما يستعان به على معصية الله.
وهكذا -أيضا- بقية آلات اللهو يعتبر شراؤها من كفران النعم، شراء أشرطة الغناء ونحوها، وشراء أشرطة الملاهي وما أشببها؛ ذلك -بلا شك- من كفران النعم.
وهكذا -أيضا- من كفران النعم: صرف الأموال فيما يستعان به على معصية الله -تعالى- كالألبسة المفسدة، أو التي فيها تشبه بالكفار، ونحوهم ككسوة كثير من النساء، وكثير من الأطفال، لا شك أن فيها إسرافا زائدا، فيعتبر ذلك من كفران النعم، فمثلا: الذين يصرفون أموالا طائلة في كسوة، قد يقوم بعضها مقامها، لا شك أن هذا من الإسراف الذي ذمه الله؛ قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ .
كما يذكر أن بعض النساء تشتري لها ثوبا بألف، أو بألفين، أو بثلاثة آلاف، لا شك أن هذا من الإسراف، وأنه من كفران نعم الله التي أعطاها العبد، يكفي بدله الثوب الذي بمائة، أو بمائة وعشرين، أو نحو ذلك.
وهكذا -أيضا- كثير من الرجال قد تتكلف كسوته بمئات، أو نحوها، لا شك أن هذا من كفران النعم، ومن صرف الأموال في الشيء الذي غيره أفضل منه.
فننصح بمثل ذلك، ونقول: حافظوا على أموالكم، واصرفوها في الشيء الذي ينفعكم في دنياكم، أو في أخراكم.
وهكذا –أيضا- الإسراف في المآكل، وما أكثر ذلك الإسراف في المآكل، وأنواع الأطعمة، وأنواع الفواكه، وأنواع اللحوم، وما أشبهها. إن صرف الأموال فيها يعتبر ضروريا؛ لأن الإنسان بحاجة إلى أن يؤمن له مأكله، ومشربه، ومطعمه وما يتقوت به؛ ولكن الزيادة على ذلك تعتبر إفسادا، وتعتبر إسرافا، إسرافا داخلا في هذه الآية، يقول الله تعالى: وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ .
فأخبر الله -تعالى- بأن النفقة تكون وسطا، لا إسراف ولا تقتير، يقول الله: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما .
لَمْ يُسْرِفُوا أي: لم يفسدوا أموالهم، ويصرفوها في الشيء الذي يضرهم، أو الذي لا ينفعهم، أو الذي فيه إتلاف للأموال بغير فائدة.
وَلَمْ يَقْتُرُوا يضيقوا على أنفسهم، ويبخلوا على أنفسهم، وعلى من تحت أيديهم.
وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا أي: وسطا، وخير الأمور أوساطها، لا إسراف ولا تقتير.
جاءت الأدلة في النهي عن إفساد الأموال والأمر باحترامها، والإخبار بأنها إذا كفرت فرت؛ ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يمشي في الطريق، فرأى تمرة تمرة ساقطة في الأرض، ولم يتركها فرفعها، وقال: لولا أنها من الصدقة لأكلتها وأعطاها من يأكلها، تمرة واحدة ما طابت نفسه أن يتركها يطؤها الناس، وتتلوث بالتراب، وروي -أيضا- أنه رأى كسرة خبز، سقطت على الأرض في بيت عائشة فرفعها، وأزال ما عليها من التراب، وقال: يا عائشة أكرمي جوار نعم الله؛ فإنها قلما نفرت عن قوم، فكادت أن ترجع إليهم كسرة خبز، رآها على الأرض، ما سمحت نفسه أن يتركها يطئونها، أو يلقونها مع القمامات، وما أشبهها؛ ذلك لأنها نعم من نعم الله تعالى؛ هناك من يحتاجها، هناك من يتمناها.
فنقول لأهل هذه الأموال -الذين يسرفون في الولائم والأطعمة، وما أشبهها؛ سواء طعام أنفسهم أو طعام من يستضيفهم، أو من يكرمونه بضيافة ونحوها- نقول لهم: اقتصدوا في النفقة، وإياكم والإسراف، وإفساد الأموال؛ حتى لا تسلب عنكم ما أنتم فيه؛ فإن كثيرا وكثيرا من الدول عملوا مثل هذه الأعمال، فسلبت عنهم.
كان آباؤنا يضربون المثل بالشام وبالهند فيقولون: الشام شامك إذا الدهر ضامك، والهند هندك إذا قل ما عندك.
ثم يقولون: إنهم عندهم الثروة، وعندهم الأموال ونحوها، يذكر كثير منهم قبل خمسين أو ستين سنة، أنهم كانوا في نعم، وأنهم كانوا في رفاهية، ثم إنهم لم يشكروا نعم الله، فكانوا إذا جعلوا أطعمة كثيرة، أطعمة من الأرز، ومن الخبوز، ومن اللحوم، ومن الفواكه، وما أشبهها، وفضل منها فضلة، ماذا يفعلون بها؟
يلقونها مع القمامات، يلقونها في صناديق القمامة، وكأنها لا قدر لها، ولا قيمة لها؛ مع أنها من نعم الله -تعالى- ومن فضله الذي تفضل به عليه؛ فيفعلون ذلك، ويتلفون أموالا طائلة؛ فكانت العاقبة أن ذهبت تلك الثروات، وخسروا كثيرا، وعاقبهم الله -تعالى- بأن سلبهم، أو سلب كثيرا منهم ما كانوا فيه من تلك الرفاهية وذلك الخير.
ما سبب تغير أحوالهم؟
لا شك أنه المعاصي التي وقعوا فيها من الشرك، والفواحش، والرقص، والغناء، واللهو، والباطل، والزنا، والربا، والخمور، والمنكرات، والمخدرات وما أشبهها، لما أنهم أعلنوها، عوقبوا بسلب النعم.
كذلك -أيضا- عدم احترام نعم الله؛ أي كونهم -مثلا- يلقونها مع القمامات، ولا يعرفون قدرها ولا أهميتها.
نقول: إن هذا من كفر النعم، وإن الإنسان عليه أن يحترم نعم الله -تعالى-؛ ولو كانت قليلة؛ ولو كانت حبات من الأرز، أو نحوه؛ ثبت في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا أكل أحدكم، فلا يمسح يده حتى يَلعَقها، أو يُلعِقها حتى يلعقها بنفسه، أو يعطيها خادمه، أو ولده يقول: ألعق أصابعي؛ لما عليها من الطعام، من حبات طعام مثلا أو دسم أو نحو ذلك؛ لأن هذا من نعم الله -تعالى- لم يرخص له أن يمسحها وفيها شيء من الطعام؛ لأن هذا إفساد لهذا الطعام، بهذه الحبات، ونحوها. وكذلك يقول -صلى الله عليه وسلم- إذا سقطت لقمة أحدكم على الأرض، فليأخذها، وليمط ما فيها من التراب والأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان .
اللقمة إذا سقطت؛ مع أنها قد تكون قليلة، وقد تسقط على الأرض؛ لأنهم في ذلك الوقت ما كان عندهم سفرة، ولا خوان -غالبا- يجلسون على الأرض، فتسقط اللقمة على الأرض، أمره بأن يأخذها وأن يزيل التراب الذي عليها، وأن يأكلها، وأنه أخبر بأنه إذا تركها؛ فإنه يكون قد تركها للشيطان.
وكذلك كان يأمر بأكل ما تساقط، ما تساقط على السفرة من الحبات، يأمر بأكله، وعدم إضاعته. وهكذا -أيضا- أمر بلعق الصحفة، الصحفة التي يكون فيها الطعام، قد يكون الطعم الذي فيها طعم دسم، أو نحوه؛ ورد في بعض الآثار: أن الصحفة تستظهر لمن يلعقها. بمعنى: أن فيها نعمة؛ ولو كان شيئا يسيرا، أليس ذلك كله لأجل المحافظة على نعم الله -تعالى- وعدم إضاعتها، وعدم التعرض لإزالتها؟ فكيف بالذين إذا عملوا وليمة صرفوا فيها أطعمة كثيرة؟ يعني: الذي يكفي -مثلا- ألفا، أو خمسمائة؛ مع أن الذين يأتونهم عشرة أو مائة أو خمسون، الطعام يكفي ثلاثمائة، أربعمائة، خمسمائة. لا شك أن هذا إسراف، وأن الواجب عليهم أن يقتصدوا، وأن يقللوا من جعل هذه الأطعمة؛ فيقتصروا على ما هو ضروري، البقية إذا كان عندهم زيادة مال يريدون إنفاقها فإنهم يستطيعون، أو يجدون مصرفا يصرفونها فيه؛ وذلك هو شكر الله -تعالى- بها.
فنقول: إن الله -تعالى- ابتلانا بما فتح علينا من هذا المال ابتلاء، فنتذكر أن هذا الابتلاء؛ لأجل الاختبار، نتذكر قول سليمان - عليه السلام- لما تمت عليه النعمة قال: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ اعترف سليمان بأن النعم التي أعطاه الله، أنها ابتلاء من الله، وأنه فضل من الله، فضل من ربي: لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ هل أشكر نعم الله التي أعطاني أم أكفرها؟ وأخبر بأن من شكر؛ فإنما يشكر لنفسه؛ وذلك لأن الشكر تدوم به النعم.

line-bottom