شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
محاضرة في حقيقة الالتزام
4891 مشاهدة
المعوقات التي تحول دون وصول الملتزم إلى الله تعالى

ولا شك أنه -صلى الله عليه وسلم- ما أوصى بهذا التمسك بهذه السنة إلا وهو يعرف أن هناك معوقات، وأن هناك ضلالات وشبهات, ودوافع قد ترخي تمسك الإنسان بهذه السنة، فإذا عرف أنها وسيلة نجاته, وأن إخلاله بها يكون ذريعة ووسيلة إلى هلاكه ودمار حياته؛ فإنه بلا شك يتمسك بها أشد ما يكون التمسك.
فالملتزم الآن الذي يعمل بالسنة كما أُمر لا شك أنه يلاقي من أعدائه ومن أضداده يلاقي كَيْدا، يلاقي تضليلا وتسفيها، يلاقي استهزاء وتمسخرا, وتنقصا لحالته, واستضعافا لرأيه، ورميا له بالعيوب.
وتسمعون أكثر مما نسمع, تسمعون أو يُحكى لكم ما يرمى به هذا المتمسك وهذا الملتزم, الذي إذا رأوه مثلا قد وفر لحيته تنقصوه وعابوه؛ عابوا لحيته مثلا, فقالوا: كأن هذا ناب تيس, وكأنه عاض على جعد، وكأنها مكنسة بلدية، وكأنها.. وكأنها.. يريدون بذلك أن يضعفوا تمسكه, أو يقولون –مثلا - ما فائدتك في إعفاء هذا الشعر؟ هذا شعر لا فائدة فيه، هذا ينبت ويحلق، لو كان فيه كذا، لو كان كذا وكذا..، أو يقولون مثلا: أصلح فؤادك, أصلح قلبك، إذا صلح قلبك, وإذا آمن قلبك فلا يضرك ما عملته, ولا يضرك ما فعلته، وهكذا من الشبهات.
أليس هذه قوادح تقدح في كثير من العقائد التي يكون صاحبها ضعيفا؛ فيتفلت مما كان متمسكا به؟
لقد رأينا، ولقد رأيتم أكثر منا شبابا رجعوا إلى الله تعالى، وأقبلوا على الطاعة، وصحبوا أهل الخير, ثم بعد فترة قليلة, وبعد زمن يسير ارتدوا على أعقابهم، ورجعوا القهقرى، وغيروا ما كانوا عليه من الالتزام والتمسك، وعادوا إلى لَهْوهم وَسَهْوهم، وعادوا إلى المعاصي التي كانوا يعملونها قبل ذلك، لماذا؟ لأن التزامهم ليس بمُحكم، لأن تمسكهم ليس بقوي، لأن إيمانهم ضعيف؛ مما زعزع هذا الإيمان في قلوبهم؛ فتذبذبوا برهة من الزمان، ثم رجعوا؛ ولأن جلساءهم الذين يغلبون عليهم ويكثرون معهم –غالبا- أنهم من أهل الانحراف، ولأن الطرق الملتوية أمامهم كثيرة.
إذًا فعلى المسلم أن يكون قابضا على هذه السنة، سائرا على هذا النهج، النهج السوي، النهج المستقيم الذي هو صراط الله, الذي أَمَرَنَا بأن نسلكه, وبأن نسير عليه، والذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه طريق واحد مستقيم, ليس فيه أية انحراف، وليس فيه أية مَيْل؛ بل هو مستقيم؛ كما أخبر الله بقوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ المستقيم: الذي ليس فيه اعوجاج؛ أية اعوجاج.
وقد ثبت في الصحيح حديث ابن مسعود -رضي الله عنه– قال: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما خط خطا مستقيما, فقال: هذا صراط الله، وخط خطوطا عن يمينه, وعن يساره، وقال: هذه سبل, على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ قول الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ .
هذه السبل التي على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه قد لا يكون شيطان جن، بل قد يكون من شياطين الإنس، وما أكثر شياطين الإنس الذين يدعون إلى مخالفة صراط الله، يدعون إلى الطرق المنحرفة، يدعون إلى الطرق الملتوية.
إذا مَرَّ بهم هذا دعوه إلى ما يميلون إليه، فهذا يدعو إلى الغناء واللهو, ويجتذب كثيرا من الذين إيمانهم ضعيف، وهذا يدعو إلى البطالة وإلى الكسل والخمول, وينحرف معه خلقٌ كثيرٌ، وهذا يدعو إلى الزنا والعهر والفاحشة المنكرة ومقدماتها، وإلى النظر في العورات وفي الصور الفاتنة وما أشبهها، أو يدعو إلى التبرج والسفور، ويحبذ هذه الفكرة؛ فينحرف معه, وينخذل معه الخلق الكثير.
وهذا يدعو إلى ترك العبادات: كترك الصلوات مثلا, أو التخلف عن الجماعات أو ما أشبهها؛ فيستجيب له كثيرٌ من ضعفاء الإيمان، ولكن الملتزم المستقيم المتمسك يستطيع أن يتفلت، يتفلت من هؤلاء، إذا اجتذبه هذا الذي يدعوه إلى البطالة تفلت منه وسار، أو لا يمكن أن يقبضوا عليه, ويعوقوا سيره؛ لأن سير المسلم، سيره على هذا الصراط سير سريع, لا يتمكن الدعاة من أن يوقفوه.
الدعاة بلا شك قد وقفوا على الصراط، أو على هذا السبيل من جانبيه؛ فإن أنصت لهم أحد والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة، وسبقه إخوته, ونافسوه, وسبقوه، وأما إذا لم يلتفت إلى هذا ولا إلى هذا، بل وجه وجهته نحو ربه, ونحو صراط ربه فهنيئا له أنه سيصل إلى الصراط وهو سليم، ليس فيه أية اعوجاج, ولا أية انحراف.
أما إذا التفت من هنا ومن هنا فعلى الأقل يضعف سيره، تضعف استقامته, ويُخاف عليه أن ينحرف مع هذا الداعي, أو مع هذا الداعي، يُخاف عليه إذا دعاه هذا مثلا إلى التخلف عن الصلوات مثلا، إذا دعاه هذا إلى البخل، وقال: أمسك عليك مالك حتى ينفعك, وحتى تستفيد منه في مستقبل حياتك، وحتى ينفع أولادك من بعدك؛ فإن لم يلتفت إليه وسار فهو على الصراط السوي، وإن التفت إليه وأصغى إليه شيئا فشيئا, ثم أصغى إلى الثاني والثالث أوشك أن يضله، وأوشك أن يخذله.
وكذلك مثلا إذا وقف إلى هذا الذي يدعوه إلى ترك الصلاة, أو إلى ترك الصلاة مع الجماعة, أو إلى التخلف عنها, أو إلى ترك السنن والعبادات ونوافلها، أو إلى ترك التهجد في الليل, أو ترك -يعني- ما تيسر، أو إلى ترك الصيام -صيام التطوع- أو ما أشبه ذلك، لا شك أنه إذا التفت إليه عاق سيره، وتوقف قليلا, وصار سيره فيه شيء من الانحراف, أو شيء من الفوات، بخلاف ما إذا واصل السير.
إذًا فنحن نقول: إن الملتزم والمستقيم إنه هو الذي لا يصده شيء عن ما هو قد هَمَّ به, وتوجه إليه, وحرص على العمل به؛ فهذا هو المستقيم حقا.