إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
محاضرة في حقيقة الالتزام
4945 مشاهدة
ما يجب على المسلم بعد التزامه

وبعد ذلك نقول: بعدما يمن الله عليك، ويكمل التزامك, وتكمل استقامتك، وتكمل نفسك, فتطهرها عن المعاصي، وتهذبها على الطاعة، وتستقيم على السنة, وتعمل بها، وتكون قد كملت نفسك، ماذا يجب عليك يا أخي بعد ذلك؟ يجب عليك أمر آخر ألا وهو الدعوة، دعوة إخوتك الأشقاء، ودعوة إخوتك الأصدقاء، ودعوة إخوتك وزملائك وجلسائك المحبين ونحوهم، لا شك أن هذا أيضا من واجب كل ملتزم، وما ذاك إلا أنه إذا لم يدعهم دعوه، فإذا قال: أنا قد سلمت, ولا أصغي إلى دعاة الضلال, ولا أستجيب لهم. نقول: ألست تحب أن يكثر أشبهاك وأعوانك؟ ألست تحب أن يكثر أنصارك الذين يذبون عنك؟ ألست تحب أن يكثر أهل الخير، وتحب للمسلمين أن يكون شبابهم وأن يكون أولادهم على الدين الحنيف؟
إذا كنت تحب ذلك فابذل ما تستطيعه من الأسباب، هذه الأسباب هو أنك تأخذ بيد إخوتك, وتسير بهم معك على الطريق التي أنت تسير عليه، وتحرضهم على أن يلتزموا كما التزمت, وأن يستقيموا كما استقمت؛ فإنك إذا لم تدعهم دعوك.
إذاً فهذا من واجبنا, وما أحوجنا إلى كثرة الدعاة، وما أحوجنا إلى كثرة المعلمين والمرشدين ونحوهم، ولو أن الذين تدعوهم قد يكونون بعيدين عن الاستقامة وعن الالتزام، لكن لا تيأس، لا تيأس أن تبذل جهدا.
ويسرنا -والحمد لله- ما رأيناه في هذه المدينة من كثرة المكاتب التعاونية، وكثرة الدعاة الذين يدعون، ولكن يشتكون، يشتكون أن الناس أكثر، وأن المنحرفين أكثر، وأن أهل الاستقامة وأهل الالتزام وأهل الطاعة والتمسك مقتصرون على أنفسهم، ولا شك أن هذا خلل ونقص، نقص في الالتزام, ولو أنه استقام في نفسه لكن بقي عليه أمر آخر, وهو نفع غيره.
سمعتم -وتسمعون دائما- قول الله تعالى في صفة أهل النجاة: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ لم يقتصر على إصلاحهم أنفسهم: آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ؛ كملوا أنفسهم، لم يقتصروا على ذلك؛ بل تعدوا إلى غيرهم: تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، فلنكن كذلك، فإنا بحاجة إلى التواصي، بحاجة إلى أن نتواصى، حتى الملتزم منا والمستقيم هو بحاجة إلى أن يوصِي, وإلى أن يوصَى.
كل منا بحاجة إلى أن يوصي صديقه وزميله وأخاه وقرينه, فيوصيه، كما أنه عند الفراق يوصيه بتقوى الله، كما أوصى بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه عند السفر بقوله: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن .
فالتواصي بالحق هو: أن تعرض المسألة على أخيك, وتقول له: يا أخي, أليس تمسكك بهذه السنة أولى من إخلالك بها؟ إذًا فلماذا تتراخى في السير عليها؟ ولماذا تتراخى في العمل بها؟
أو: أليس فعلك لهذه الجريمة ولهذه المعصية أليس ذنبا؟ أليس ذنبا من الذنوب الذي يقدح في عدالتك, ويقدح في استقامتك، لماذا تصر عليه؟ لماذا تفعله وأنت تعرف أنه نقص، وأنه ينقص إيمانك، وينقص طواعيتك، وينقص حسناتك، ويزيد في سيئاتك؟ لماذا تصر عليه؟ فإذا أجاب بجواب غير مقنع, بينت له الجواب الصحيح، بينت له الطريق المستقيم، حثثته على أن يترك هذه الشبهات, وأن يتمسك بالسنة.
كذلك أيضا لا شك أن أنواع التعاون كثيرة، وأنها من الوسائل التي يقوى بها الإسلام، وتقوى بها وتظهر بها كلمة الله سبحانه وتعالى، ويقوى بها أهل الشريعة.
وفي استطاعة كل من قرأ القرآن, وقرأ على المشائخ، وحضر الدروس التي تقام مثلا في هذا المسجد، والتي يقيمها شيخكم -وفقه الله- وغيره من المشائخ، وحرص أيضا على أن يتفقه في الشريعة وفي الإسلام، يقرأ كتب الفقه وكتب الأحكام, أو يحفظ ما تيسر منها يصدق عليه أنه طالب علم, وأنه عالم وإن كان علما نسبيا.
فعليه أن يحرص على تعدي هذا العلم منه إلى غيره بأي وسيلة، فإن استطاع أن ينتظم في سلك الدعاة إلى الله سواء رسميا, أو متعاونا؛ فإن ذلك خير, وهو من وسائل نشر العلم ونشر الدين وكثرة المتمسكين به.
ويؤسفنا قلة الذين ترسموا في هذا السلك؛ الذي هو سلك الدعوة إلى الله تعالى، الرسميون قلة مع سعة المدينة, ومع اتساع أطرافها وملحقاتها.
كذلك أيضا يؤسفنا قلة الذين التزموا بالتعاون، وإن كان فيهم بركة -إن شاء الله- ولكن نحب الزيادة، نحب أن يكثروا، نحب أن كل من كان عنده مقدرة أن يضم نفسه إلى إخوته، وأن يكون من جملة الذين يدعون إلى الله بأي وسيلة, ولو لم يحفظ إلا آية أو حديثا يبلِّغه، على حد قول النبي -صلى الله عليه وسلم- بلِّغوا عني ولو آية آية واحدة تحفظها وتبينها, لا شك أنك تكون بذلك عاملا بهذه الشريعة.
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها, فأداها كما سمعها أو: سمع منا حديثا فبلغه وكذلك قوله: ليبلغ الشاهد منكم الغائب .
إذًا فهذه وسيلة, لا تحقر نفسك أن تنضم إلى هؤلاء الدعاة متعاونا, أو مترسما؛ حتى تنفع نفسك بأدائك لشيء من هذا الواجب، وكذلك تنفع إخوتك, فتخفف من الوطأة التي يتحملونها؛ حيث إنهم يتكلفون في الذهاب إلى الأماكن البعيدة، وقد يشق ذلك عليهم، فإذا وجدوا أن هذا تعاون معهم، وهذا تعاون, والثالث, والرابع، وكثر المنتظمون معهم؛ فإن ذلك أولا: يخفف الوطأة عليهم.
وثانيا: تعم المنفعة، تعم المنفعة, لا يقتصر الإنسان على نفسه, ويقول: أصلحت نفسي, ولا حاجة إلى غيري.
نقول: بلى, إنك محتاج إلى أن يكون لك أعوان, وإن الأمة بحاجة إلى علمك، وبحاجة إلى بيانك، وإن الناس الدعاة إلى الشر كثيرون، وإذا لم يكن هناك من يقاومهم, ومن يرد عليهم ضلالاتهم؛ فلا شك أنهم سيتقوون عليك، وسيضطرونك إلى أن تخضع لهم، وأن تقر بأحقية ما هم عليه؛ فتترك التزامك, أو يخف هذا الالتزام معك.