اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
محاضرة في حقيقة الالتزام
4886 مشاهدة
الملتزم يتحلى بالآداب العامة التي تكمل التزامه

ولكن لا بد مع ذلك من الالتزام التام الكامل، فلا بد أن يعمل بتعاليم الشريعة كلها، فمثلا حقوق الطريق المشهورة التي تدرس في المدارس الابتدائية, قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق الطريق: غض البصر, وكف الأذى, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, ورد السلام هذه من تمام التمسك.
فالذي يمد عينيه وينظر إلى ما نهى الله تعالى عنه، ويخالف قول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ضعيف التمسك.
والذي لا يحفظ لسانه عما حرم الله عليه، ضعيف التمسك؛ وذلك لأن اللسان آلة سهلة الحركة، والإنسان إذا لم يفكر في عاقبة كلمته وقع في مهاو ومهالك.
فالملتزم هو الذي يحفظ لسانه، فتراه إن تكلم تكلم بخير وإلا سكت، فلا تسمعه, لا تسمع منه سبابا, ولا قذفا, ولا عيبا, ولا غير ذلك, إلا أن يُحَذر من منكر, أو يعيب من يستحق العيب, أو يُشَهر بمن هو شر, أو يذكر إنسانا بسوء للتحذير منه، أو ما أشبه ذلك؛ فإن هذا من مكملات التزامه واستقامته وسيره.
وهكذا تأدبه -يعني- مع غيره، فأدبه مع أبويه أنه بر بوالديه, مطيع لهما، واصل لأرحامه، مكمل للحقوق التي عليه لذوي رَحِمِه، هذا أيضا من صفات الملتزم، بل من صفات المؤمنين كلهم، يعني: حسن الجوار، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والثقة, أو الالتزام بالتوثق, أو ما أشبه ذلك.
كذلك أيضا المعاملة, معاملة الناس بالخلق الحسن, كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- وخالق الناس بخلق حسن ؛ فلا يكون فظا غليظا، ولا يكون شرسا، ولا يكون عبوسا في وجوه من لقيه، ولا يكون حاقدا وحاسدا ومبغضا لغيره بدون سبب، بل يستعمل ضد ذلك فيلين جانبه, ويسهل خلقه، ويسفر بوجهه، ويلقى أخاه بوجه منطلق، ويتبسم في وجه من لقيه إعجابا به, ومحبة له، فكل ذلك من الصفات التي حث الشرع عليها.
وهذه تسمى الآداب، الآداب الدينية التي جاءت بها الشريعة، والعمل بها يعتبر من مكملات الاستقامة, وإن كانت من نوافل العبادات ونحوها، ومن أراد التوسع فيها فيرجع إلى الكتب التي ألفت في الآداب والأخلاق, مثل: الآداب الكبرى لابن مفلح وكذلك أدب الدين والدنيا للماوردي وكذلك روضة العقلاء لابن حبان وأشباهها.
وبعد ذلك يبقى وصية خاصة وهي أننا في هذه الأزمنة -كما تعرفون- في غربة، المسجد وإن كان ملآن والناس كثير لكن إذا خرجنا إلى الأسواق وجدنا أكثر وأكثر ليسوا على هذا الالتزام وهذه الاستقامة؛ إذا دخلنا المجتمعات والنوادي ونحوها وجدنا أكثر وأكثر من الذين ضعفت استقامتهم والتزامهم.
إذا رأينا كثرة الذين تضمهم المدارس ثانويات وجامعات ونحوها رأينا جموعا كثيرة قليل التزامهم، وهكذا إذا خرجنا في أطراف البلاد رأينا هؤلاء المتنزهين الذين خرجوا للنزهة, ونصبوا لهم خياما، لا شك أيضا أنهم ضعيف التزامهم، وهكذا المكاتب مليئة والورش, والأماكن الأخرى، أليس هؤلاء لهم حق علينا؟
إذا رأينا كثرة هؤلاء الهالكين, أو الذين هم على شفا جرف من الهلاك، ألسنا مسئولين عنهم نحن, ما دمنا قد من الله علينا بالالتزام وبالاستقامة؟
لا نتركهم على ضلالهم وعلى غيهم، بل نحرص على أن نجتذبهم إلى الإسلام، فإن كانوا ممن يدين بالإسلام نحرص على أن نحثهم على التمسك بالإسلام، التمسك الصحيح, والالتزام بتعاليمه؛ لأنهم إما كافر وهم أكثر الكثير من العمال والوافدين الذين وفدوا للعمل ونحوه، وإما مسلم ولكن ليس معه إلا مجرد التسمية، مكتوب في هويته، أو في جوازه, أو في إقامته أنه مسلم، ولكن لا يعرف أو لا يعمل.
مثل هؤلاء ألا يكون لهم حق علينا مع كثرة الإخوان ويمكن أن يكون هناك أعداد أكثر؟
لو أن كل واحد فرغ يوما في الأسبوع, ومشى على هذه الورش ونحوها, ودعا إلى الله تعالى، أو مشى في أوقات الصلوات, ونبه وتكلم, أو غشي أحد المجالس أو المخيمات ونحوها، وألقى نصيحة, أو كلمة خفيفة, أو نشر نشرة من النشرات التي هي موجودة في مكتب التعاون وفي غيره، أو شريطا من الأشرطة النافعة، وأهداه إلى إنسان, وقال: لعلك تسمعه, وترى رأيك فيه، وتحكمه في نفسك, أو تنظر في محتواه, أو ما أشبه ذلك، ماذا تكون النتيجة؟
لا شك أنه يكثر الخير, ويكثر أعوانه, ويكثر العاملون به، وينتشر الإسلام انتشارا كثيرا، وهذا ما نتمناه, ونرجو -إن شاء الله- أن يكون هناك جزء كبير, أو الأكبر من الحاضرين يقومون بهذا, أو يقومون ببعضه.
نسأل الله أن يمن علينا بطاعته، وأن يُقبل بقلوبنا على محبته وعبادته، نسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، نسأله سبحانه أن يجعلنا من المتمسكين بشريعته، والذَّابِّين عن دينه، والمجاهدين في سبيله، والمبلغين لأمره ولشرعه، والآمرين بالمعروف, والناهين عن المنكر، والداعين إلى الله على بصيرة.
نسأله أن يرزقنا الاتباع لسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- والسير على نهجه، والتأسي به، نسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، نسأله ألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، نسأله سبحانه أن ينصر دينه, وأن يعلي كلمته، وأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون والكافرون.
نسأله أن يبرم لهذه الأمة أَمْرَ رُشد يعز فيه أهل الطاعة, ويذل فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر، نسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمورنا, وأن يجعلهم هداة مهتدين، قائلين بالحق وعاملين به، وأن يرزقهم البِطَانة الصالحة التي تحثهم على الخير, وتحذرهم عن الشر.
نسأله أن يصلح من في صلاحه خير للإسلام والمسلمين، وأن يدمر من في تدميره خير وصلاح للإسلام والمسلمين، نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد .
جزاكم الله خير الجزاء، ونفعنا الله تبارك وتعالى بما قلت. أيها الإخوة الكرام بإذن الله نستأذن شيخنا الفاضل تكون الأسئلة بعد الصلاة، أما المحاضرات فكما رأيتم أو رأى بعضكم أنها -إن شاء الله– اعتبارا، طبعا غدا -إن شاء الله- الأحد درس الشيخ سفر في هذا المسجد, والاثنين محاضرة للشيخ الدكتور سليمان الثنيان بعنوان: البصيرة في مسجد التقوى، ومحاضرة أخرى للشيخ غازي المطيري في مسجد الأمير متعب -إن شاء الله- يوم الاثنين، والثلاثاء الشيخ سعيد بن مسفر في العمودي, والشيخ عبد الرحمن محيي الدين في الملك سعود والأربعاء الشيخ عبد المحسن العباد أربع وصايا للشباب في مسجد البيان في حي الصفا والشيخ طلال الدوسري في مسجد الملك فهد هذه والمحاضرات الأخرى -إن شاء الله- سترونها, وأرجو من إخواني جميعا أن يوزعوا هذه الإعلانات، عسى الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها، والآن إلى الصلاة, وبعد الصلاة الأسئلة إن شاء الله.
أسئـلة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله -صلى الله عليه وسلم- أما بعد:
فضيلة الشيخ -حفظكم الله- أغلب من ورد, أو وردت الأسئلة يقولون إنهم يحبونك في الله.
س: السؤال يقول هذا السائل: فضيلة الشيخ ما هي الأمور التي تعين أحدنا على صدق الاستقامة مع الله؛ حتى يكون حاله قريبا من حال السلف -رضوان الله عليهم-؟
الحمد لله، وأنا أحب الجميع في ذات الله، وأعرف وأتحقق أن هذا من واجب كل مسلم أن يحب المسلمين عموما، وأن هذه المحبة من كمال الإيمان، وأن من تمامها أن يحب الخير للمسلم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وجعل من أسباب كمال الإيمان هذه المحبة.
تعرفون الحديث الذي يقول فيه -صلى الله عليه وسلم- ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار .
أما الأسباب التي يكون بها الشاب من الملتزمين والمستقيمين فكثيرة، وأهمها: الإقبال على كتاب الله وسنة رسوله، أن يهتم الإنسان بالقرآن؛ فيقرأه ويتدبره, ويقرأ ما تيسر من السنة.
ومن الأسباب أن يتفقد عند قراءته للأحاديث وللآيات هل عمل بها أو لم يعمل؟ فإذا رأى في نفسه خللا تلافاه.
ومن الأسباب أن يتعلم ما يستطيعه من المعلومات النافعة على يدي المشائخ الذين فرغوا جزءًا من وقتهم للتعليم، لتعليم العلم النافع.
ومن الأسباب أن يهتم بعلم السلف الذي هو عقيدة أهل السنة والجماعة؛ فإنها هي التي ترسخ الإيمان في القلب.
ومن الأسباب: أن يجالس أهل الصلاح وأهل الخير، الصالحين من شباب وشيب، وطلبة وعلماء، وكبار وصغار أن يصحبهم, ويبتعد عن أضدادهم.
ومن الأسباب: أن يعرض نفسه على أهل العلم، وعلى أهل الاستقامة، ويعرض أعماله, ويقول: إنني أفعل كذا وكذا، فهل هذا جائز؟ فإذا أرشدوه تمسك بما أمروه به؛ وذلك لأن الإنسان قد يستحسن أشياء، ويراها من الاستقامة والالتزام، وتكون خللا أو نقصا، وقد يتساهل في أشياء وهي من المعاصي، وقد يتعبد بأشياء ويفعلها وهي ليست من العبادات، فإذا عرض نفسه على أهل العلم وعلى أهل الاستقامة أقاموه.
ومن الأسباب: أن يتقبل النصائح، إذا عرف أن هذا الذي نصحه أنه مخلص في نصيحته ليس يقصد إلا وجه الله تعالى حرص على هذه النصيحة وتقبلها, وفرح بها, وسُرَّ بها، وقَوَّمَ نفسه على نهج تلك النصائح, سواء كانت نصائح مقابلة.
إذا قابلك أخوك الملتزم, وقال: أنصحك بكذا وكذا، أنصحك ألا تصحب فلانا وفلانا؛ فإنهما يفسدان أخلاقك, أو يفسدان دينك، أنصحك بأن لا تستمع إلى هذه الملاهي ونحوها، أنصحك بأن تكثر من الذكر والقراءة ونحو ذلك؛ فحرص على أن يعمل بهذه الإرشادات والنصائح, والأسباب كثيرة، وهذه مما ظهر لنا منها.
س: آخر سؤال للشيخ، يقول السائل: لدينا مسجد حديث البناء؛ وحيث إن المساحة صغيرة, ولا يوجد متسع لوضع بيارة المياه -أكرمكم الله- إلا في موقع أمام محراب المسجد، فهل يجوز أن نضعها في هذا المكان؟
يجوز ذلك إذا كانت خارج المسجد؛ فالصلاة ولو كانت هذه البيارة أمام المصلين فإنها مخفية, يعني: دونها صبات، ودونها أرض، ودونها سفلتة، ودونها طبقات متكاثرة، فلو قدر أن أحدا صلى فوقها لصحت صلاته، يسأل كثير من الإخوان عن الصلاة فوق سطح البيارة، نقول: لا بأس بذلك؛ لأنه لا يصلي عليها، ولا يناله شيء من رائحتها، ولا من نتنها، ولا من تلوثها, ولا غير ذلك، الصلاة فوق سطوح الحشوش والأماكن المستقذرة جائزة إن شاء الله.
جزاكم الله عنا خير الجزاء، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد .