الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح كتاب الآجرومية
97646 مشاهدة
الأول: المفعول به

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
باب المفعول به وهو: الاسم المنصوب الذي يقع به الفعل، نحو قولك: ضربت زيدًا، وركبت الفرس. وهو قسمان: ظاهر ومضمر. فالظاهر ما تقدم ذكره، والمضمر قسمان: متصل ومنفصل. فالمتصل اثنا عشر، نحو قولك: ضربني وضربنا وضربك وضربكِ وضربكما وضربكم وضربكن وضربه وضربها وضربهما وضربهم وضربهن.
والمنفصل اثنا عشر نحو قولك: إياي وإيانا وإياكَ وإياكِ وإياكما وإياكم وإياكن وإياه وإياها وإياهما وإياهم وإياهن.


هذا أشهر المنصوبات وأظهرها وأكثرها مرورا، وهو المفعول به، وهو: الاسم الذي يقع عليه الفعل، وذلك لأن الفعل يتبعه اسمان: يتبعه الفاعل، ثم يقع بعد الفاعل المفعول به، الذي يقع عليه، فيعم ما إذا كان الفعل ماضيا ومضارعا. تقول مثلا: ضربت زيدا وأخبرت بكرا، هذا فعل ماض، وتقول أُخْبِرُ زيدا، وأُعْلِمُ بكرا، هذا أيضا مفعول به، سواء كان الفعل ماضيا، أو مضارعا.
ثم الفعل الذي ينصب المفعول يسمى فعلا متعديا؛ لأن الأفعال إما أن تكون لازمة، أو تكون متعدية، فاللازم هو: الذي يقف على الفاعل، والمتعدي هو الذي يتعدى الفاعل إلى المفعول به. فمثل: جلس، هذا فعل لازم، وقام، فعل لازم، ما يتعدى الفاعل، تقول: قام زيد، ويتم الكلام، وجلس زيد، ويتم الكلام. بخلاف ما إذا قلت مثلا: ضَرَبَ زيد، ما يتم الكلام عادة حتى تذكر المضروب، فتقول: ضرب زيد عمرا، وكذلك مثلا إذا قلت مثلًا قَتَلَ بكرٌ، ما يتم الكلام حتى تقول: عمرا، قتل بكرٌ عمرا.
وكذلك إذا قلت مثلا: عَلَّمَ سعدٌ، كلمة علم سعد ما يتم بها الكلام، حتى تذكر المفعول به، وهو الذي تعلم. وكذلك إذا قلت مثلا: أخبر محمدٌ عمرَ، فلا بد أن يكون بعد الفاعل مفعول، وهو الذي حصل منه التعلم، أو الإخبار، أو ما أشبه ذلك.
فيذكرون هذا الباب في تعدي الفعل ولزومه، أي يقولون: الأفعال تنقسم إلى قسمين: متعد ولازم، المتعدي ينصب مفعوله، يتعدى الفاعل، وقد يكون أصل الفعل لازما، ثم يدخل عليه حرف ليكون متعديا، فإنك إذا قلت مثلا: أَخَبَرَ زيدٌ، فإنه لا بد أن يكون هناك مفعول: أخبر زيد بكرا، وتقول مثلا: عَلِمَ زيدٌ، يعني حصل على علم، ثم تدخل عليها ألفا، فتقول: أعلم زيد بكرا، يعني: أخبره. فهذا يسمى المفعول به.
فإذا كان الاسم صحيح الآخر ظهرت عليه علامة النصب، مثلا: أخبرت بكرا، ورأيت عمرا، وعلَّمت سعدا، هذا مفعول به، وإذا كان معتلا فإن الإعراب يكون مقدرا، فإذا قلت مثلا: رأيت يعلى، وعلمت موسى، فـ يعلى، وموسى، وعيسى، ومصطفى، ونحوها لا تظهر عليه علامة الإعراب. فتقول: موسى وقع عليه الفعل، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المقصورة منع من ظهورها التعذر، يعني: لتعذر الحركة على آخره؛ لكونه معتل الآخر بالألف.
وكذلك إذا كان الفاعل والمفعول به موجودين، عُرِفَ الفاعل بأنه المرفوع، والأصل أنه يقدم، هذا هو الأصل، مثل قوله تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ المنادِي: هم أصحاب الجنة، والمنادَى: هم أصحاب النار، فهاهنا قُدِّمَ الفاعل، ثم قال في الآية الأخرى: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أصحاب الأولى- أصحاب النار- هم الذين نادوا، وأصحاب الجنة هم المدعوون، هم الذين ناداهم أصحاب النار، أي دعا هؤلاء هؤلاء.
ومع ذلك فإنه قد يجوز تأخير الفاعل وتقديم المفعول إذا ظهر ذلك واضحا. فإذا قلت مثلا: خرق الثوبَ المسمارُ، معلوم أن المسمار هو الذي خرق، ومع ذلك قدمت المفعول به خرق الثوبَ المسمارُ، أو تقول: كسر الزجاجَ الحجرُ، الزجاجَ قدمته، مع أنه مفعول به، ولكن الكلام واضح: كسر الزجاجَ الحجرُ، الحجر هو الذي كَسَرَ، والزجاج هو الذي كُسِرَ، فيجوز تقديمه إذا كان الكلام ظاهرا.
وأما إذا كان هناك لبس فلا بد من تقديم الفاعل، مَثَّلَ له الْحَرِيرِيُّ في قوله:
وإن تقـل كَلَّـمَ مـوسى يعلـى
فَقَــدِّمِ الفاعــلَ فهـو أولـى
كلم موسى يعلى، كلاهما لم يظهر عليه الإعراب، فلا يظهر ما هو الفاعل والمفعول؟ فالأصل أنك تقدم الفاعل، فيكون موسى هو المكلِّم، ويعلى هو المكلَّم. وكذلك لو قلت مثلا: لقي موسى عيسى، هاهنا أيضا قد يلتبس الفاعل بالمفعول؛ لأن كليهما لا يُدْرَى ما إعرابه، لم يظهر عليه الإعراب، فتقول: لقي موسى عيسى، موسى هو اللاقي، هو الفاعل، وعيسى هو الملقي فيكون هو الذي وقع عليه الفعل.
أما إذا كان الكلام ظاهرا فإنه قد يجوز تقديم المفعول به، فإذا قلت مثلا: عَلَّمَ محمدًا جبريلُ فـ جبريل هو الذي علم. أو مثلا: كلم موسى رَبُّهُ، موسى هو الذي مُكَلَّم، تقديره: كلم موسى اللَّهُ، الله هو الذي كَلَّم. فهذا يقال له المفعول الظاهر. ويقع كثيرًا الخطأ فيه، حيث إنه قد يكون بينه وبين الفعل فاصل، ومع ذلك لا ينتبه له إلا إذا عرف أن الفعل يطلب مفعوله.
فمثلا: إذا فصل بينه وبين المفعول فاصل، فإنه يبقى أيضا على طلب إعرابه، يقولون مثلا: جاء القاضيَ رجلٌ يشتكي، فالقاضي هاهنا مقدم، أو: جاء رجلٌ يشتكي القاضيَ، أو جاء إلى القاضي، فهذا هو الأصل فيه. أما بالنسبة إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فقد تقدم في باب الفاعل. أما المفعول المضمر، فإنه كما سمعنا: متصل ومنفصل، فالمتصل إذا قلت مثلا: علمني أو أخبرني سعد، علمني: مشتمل على فعل، وعلى فاعل مؤخر، وعلى مفعول مقدم- وهو الضمير- وعلى نون تسمى نون الوقاية.ثم تستمر هذه النون في هذا الفعل كله، فتقول: علمني، وعلمنا، وعلمكم، علمه، علمكن، علمكما اثنان للمتكلم: علمني، وعلمنا، وخمسة للمخاطب: علمك وعلمكما وعلمكم يعني المخاطب: إما أن يكون مفردا: علمكَ؛ مفرد مذكر، أو علمكِ، مؤنث، أو علمكما: مثنى، علمكم علمكنَّ، وخمسة للغائب: علمه وعلمها، هذا مفرد، وعلمهما وعلمهم وعلمهن، فيقال في إعرابه: إن الضمير مفعول به، وضمير متصل، وأما المنفصل الذي هو إياك إذا قلت: ما علمت إلا إياك، ما علم إلا إيانا، أو إلا إياي، فيقال: هذا ضمير منفصل، منفصل؛ يعني ليس متصلا بالفعل، ومع ذلك فإن محله النصب على المفعولية.