شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
باب: اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها، وباب من جعل عتق الأمة صداقها
باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها.
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا موسى بن إسماعيل اسم> قال: حدثنا عبد الواحد اسم> قال: حدثنا صالح بن صالح الهمداني اسم> قال: حدثنا الشعبي اسم> قال: حدثني أبو بردة اسم> عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران، وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وأيما مملوك أدى حق مواليه وحق ربه فله أجران متن_ح> رسم> .
قال الشعبي اسم> خذها بغير شيء، قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة اسم> وقال أبو بكر عن أبي حصين اسم> عن أبي بردة اسم> عن أبيه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> أعتقها ثم أصدقها متن_ح> رسم> .
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا سعيد بن تليد اسم> قال: أخبرني ابن وهب اسم> قال: أخبرني جرير بن حازم اسم> عن أيوب اسم> عن محمد اسم> عن أبي هريرة اسم> -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
حدثنا سليمان اسم> عن حماد بن زيد اسم> عن أيوب اسم> عن محمد اسم> عن أبي هريرة اسم> -رضي الله تعالى عنه- رسم> لم يكذب إبراهيم اسم> إلا ثلاث كذبات: بينما إبراهيم اسم> مر بجبار ومعه سارة اسم> فذكر الحديث فأعطاها هاجر اسم> قالت: كف الله يد الكافر وأخدمني آجر قال أبو هريرة اسم> فتلك أمكم يا بني ماء السماء متن_ح> رسم> .
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا قتيبة اسم> حدثنا إسماعيل بن جعفر اسم> عن حميد اسم> عن أنس اسم> -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: رسم> أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بين خيبر اسم> والمدينة اسم> ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي اسم> فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها خبز ولا لحم أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمته فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه، فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وَطَّأَ لها خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس متن_ح> رسم> .
باب: من جعل عتق الأمة صداقها.
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا قتيبة بن سعيد اسم> قال: حدثنا حماد اسم> عن ثابت اسم> وشعيب بن الحبحاب اسم> عن أنس بن مالك اسم> -رضي الله عنه - رسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية اسم> وجعل عتقها صداقها متن_ح> رسم> .
في حديث أبي موسى اسم> ثلاث هذه الخصال ذكره السعدي اسم> ورواه عن أبي بردة اسم> عن أبيه أبي موسى اسم> أبو بردة اسم> اسمه بريد بن عبد الله بن أبي موسى اسم> يقول: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن هؤلاء ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين كل منهم يؤتى أجره مرتين، له أجر مرتين.
يقول: رسم> ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين متن_ح> رسم> ذكر منهم: رجل كانت له جارية مملوكة فعلمها وأدبها علمها وأحسن تعليمها وأدبها وأحسن تأديبها، ثم أعتقها ثم أصدقها وتزوجها، فأنعم عليها بالتعليم وبالتأديب وبالتربية، وكذلك تصدق عليها بالعتق حتى صارت حرة من الأحرار، ثم بعد ذلك تزوجها، تزوجها ليعفها ولتكون من زوجاته ترث منه كما ترث زوجاته، ولها حق كحق سائر الزوجات، ولها ينتسب إليها وينتمي إليها أولادها فتكون حرة، تملك ما يملكه الأحرار، وتطالب بحقها، وكذلك أيضا أعطاها صداقها كاملا بعدما أعتقها، أصدقها وأعتقها؛ فإنه يؤتى أجره مرتين، مرة على التعليم والتأديب والعتق، ومرة على تزوجه بها وإعفافه لها ومساواته الانتهاء بالإحرار؛ لأنه لو أعتقها فقد لا تجد من يتزوجها، ممن يكون لها كفئا، أو من يحترمها، فإذا تزوجها حصل لها منفعة كسائر زوجاته، وحصل لها منفعة العتق، والتحرير من الرق.
أما ذكر بعد ذلك رجل من أهل الكتاب آمن، يعني من أهل التوراة أو الإنجيل آمن قبل الإسلام بكتابه وعمل به واتبع ما فيه، ولما علم بنبوة محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- صدقه وآمن به واتبعه، فله أجره على إيمانه السابق؛ إيمانه بكتابه وعمله به، وله أجر على إيمانه اللاحق الذي آمن فيه بكتاب الله تعالى وبنبي الله -صلى الله عليه وسلم- يؤتى أجره مرتين، فهؤلاء يؤتون أجرهم مرتين.
الثالث: عبد مملوك مستولى على منافعه، ومع ذلك فإنه يقوم بخدمة سيده، ولا يشغله ذلك عن أن يعمل بطاعة ربه فيؤدي حق الله؛ ذكر الله وقراءة كلامه ودعاءه، وكذلك تعلم العلم وتعليمه لا يشغله عن ذلك قيامه بخدمة سيده، أن يخدم سيده وأن يكون في منافعه، وأن يكون في ماله، ومع ذلك يعمل الأعمال الصالحة التي يعملها الأحرار فيؤتى أجره مرتين.
فهذا حديث شريف يقول الشعبي اسم> لتلميذه: خذ هذا بغير تعب، فقد كان يرحل في مثل هذا؛ في تحمل أو تعلم هذا الحديث مسيرة شهر، فالشاهد منه ذكر الجارية التي علمها ثم تزوجها.
الحديث الثاني: حديث أبي هريرة اسم> في قصة إبراهيم اسم> الخليل عليه السلام، ذكر في الحديث أنه ما كذب إلا ثلاث كذبات، الأولى قوله: رسم> إِنِّي سَقِيمٌ قرآن> رسم> لما أراد قومه أن يخرجوا إلى عيد لهم، فأراد أن يتخلف وقال: رسم> إِنِّي سَقِيمٌ قرآن> رسم> وليس بسقيم، حتى يتمكن من تحطيم آلهتهم.
المرة الثانية: لما حطم آلهتهم، وقالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا؟ قال: بل فعله كبيرهم هذا، أكبر هذه الآلهة تركه، فهذا أيضا يريد بذلك الاعتزار ويريد بذلك السخرية؛ ولذلك قال: رسم> فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ قرآن> رسم> .
أما المرة الثالثة: فهو أنه لما هاجر من العراق اسم> إلى الشام اسم> ثم إلى مصر اسم> ونزل قريب من مصر اسم> وكان في مصر اسم> طاغية من الطغاة، وكانت مع إبراهيم اسم> زوجته سارة اسم> فذكرت لذلك الملك أنه قدم إنسان معه امرأة جميلة، لا تصلح إلا لك، فاستدعى إبراهيم اسم> وسأله: من هذه التي معك؟ فقال: هي أختي، ولما رجع إليها، قال: إني قلت كذا وإنك أختي في الدين، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأنت أختي في دين الله، فلا تكذبيني، ثم إن ذلك الملك الظالم أرسل من يأتيه بها قهرا وقسرا وغصبا، ولما دخلت عليه أراد أن يبطش بها، أن يطأها، دعت عليه، ولما دعت عليه أصيب بإغماء، أغمي عليه، ثم خافت أن تتهم بأنها قتلته فدعت الله تعالى فأفاق.
ثم أراد مرة ثانية أن يمسكها، فدعت عليه فأغمي أشد من الأولى، فدعت له بعد ذلك فأفاق ثلاث مرات، ولما أفاق في المرة الثالثة، كانت كل مرة أشد من الأولى قال لخادمه: ما أتيتوني بامرأة إنما أتيتوني بشيطانة، أو كما في الأثر، ثم قال: ردوها وأخدموها هاجر اسم> يعني أعطوها خادما، فأعطوها هاجر اسم> .
ورجعت إلى إبراهيم اسم> وقالت: كفى الله شر الطاغية، وأخدم هاجر اسم> ؛ أخدم هذه الجارية، ثم إنها وهبت تلك الجارية لإبراهيم اسم> فسرية، فوطِئَها، يعني بملك اليمين إبراهيم، اسم> فولدت له إسماعيل اسم> ومن إسماعيل اسم> العرب المستعربة، ويسمون بني ماء السماء، فيقول أبو هريرة اسم> تلك أمكم يا بني ماء السماء، يعني العرب المستعربة، أبو هريرة اسم> من العرب العاربة، الذين هم القحطانيون.
فالحاصل أن في هذا دليل على أنه يجوز أن يستخدم الرجل الجارية ويستولدها، قيل: إن إبراهيم اسم> جعلها كزوجة، وقيل: إنها كأمة، ولما ولدت له إسماعيل اسم> غارت امرأته الأولى سارة اسم> ولما غارت قالت: أبعدها عني؛ لأنها ولد لها ولد، وسارة اسم> لم يولد لها في ذلك الوقت، وإنما ولد لها بعد ذلك إسحاق اسم> فالحاصل أنه أسكنها هي وابنها في مكة اسم> فهذا دليل على جواز استيلاد الأمة، ولو كانت مملوكة، إما أنه يعتقها ويتزوجها، وإما أنها تبقى كأمة.
الحديث الثالث: قصة صفية بنت حيي اسم> إحدى أمهات المؤمنين، أبوها حيي بن أخطب اسم> من أكابر بني النضير، ولما أجلي بنو النضير عدل أبوها حيي اسم> واستوطن خيبر اسم> واستقر فيها هو وأخوه أبو ياسر اسم> ولما جاء الأحزاب أبو سفيان اسم> ومن معه من قريش وغطفان ونحوهم جاء حيي بن أخطب اسم> إلى بني قريظة، وزين لهم أن ينقضوا العهد، وأن ينضموا إلى قريش ورغبهم في ذلك، وقال: إنهم سوف يقتلون محمدا اسم> وسوف يستأصلونه، فاشترطوا عليه إذا انهزمت قريش أن يجتمع ويدخل في حصنهم ويصيبه ما أصابهم ففعل، ولما انهزم الأحزاب دخل معهم وقتل مع الذين قتلوا سنة خمس، وفتحت خيبر اسم> سنة سبع، وكانت صفية اسم> متزوجة وقتل زوجها في حروب خيبر اسم> .
ذكروا في بعض الأحاديث أنها رأت رؤيا تقول: رأيت القمر تحدر في حجري، فقصت ذلك على زوجها فلطمها وضربها وقال: كأنك تتمنين مليك العرب محمدا اسم> وصدق الله تعالى ذلك الحلم.
لما فتحت خيبر اسم> وسبي النساء وكانت من جملة من سبي جاء ثابت بن قيس اسم> يطلب أن يمنحه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمة، فأرسل وقال: خذ أمة، فاختار صفية اسم> فجيئ، وقيل: يا رسول الله: إنها لا تصلح إلا لك، إنها ابنة سيدهم، فقال له: خذ غيرها، في بعض الروايات: أنه أعطاه بدلها سبعا من الإماء، واصطفاها لنفسه، ولما استعدت؛ استبرأها واعتدت تزوجها وبنى بها.
فأمر بالأنطاع فبسطت، وأمر أن يجمع ما عندهم من التمر والسمن والأقط، وقال: ادع من حولك فأكلوا، فكانت تلك وليمته -صلى الله عليه وسلم- لم يكن فيها لحم ولم يكن فيها خبز، وإنما هو تمر وسمن وأقط وهو ما يسمى بالحيص.
ولما بنى بها ظن بعض الناس أنها أمة مملوكة مما ملكت يمينه، وقال آخرون: يمكن أنها زوجة، وأنها من أمهات المؤمنين.
فالعلامة التي يعرفون بها ويميزون بها أم المؤمنين وغيرهم الحجاب؛ لأن الإماء لا يحتجبن عادة، وقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ركب مد الحجاب وسترها برداء عن الناس فعرفوا أنها زوجته، وأصبحت زوجته.
ما أصدقها؟ سئل أنس اسم> ما أصدقها؟ قال: نفسها؛ أعتقها وجعل عتقها صداقها.
وقال بعضهم: إنه أصدقها أيضا شيئا من المهر، فيكون هذا مثل الحديث الذي عن أبي موسى اسم> الرجل الذي أعتق أمته ثم تزوجها.
كره بعض الناس المتقدمين أن يتزوجها بعدما يعتقها، وكانوا يقولون: إن الذي يتزوج أمته بعد أن يعتقها كالذي يركب بدنته التي يهديها.
فأنكر ذلك الشعبي اسم> وحدث بهذا الحديث. الذي يركب بدنته، كانوا إذا أهدوا إلى البيت هديا لا يركبونه إلا عند الحاجة؛ لأنهم أهدوه لوجه الله تعالى، ولكن ليس هذا مثل هذا؛ فالأصل أنه إذا أعتقها حل له أن يتزوجها؛ لأنه لا قرابة بينه وبينها، بعدما يعتقها تملك نفسها، فليس بينه وبينها قرابة، تملك نفسها فلا مانع من أن يتزوجها كما تتزوج، تحل أيضا لغيره إلا أولاده إذا كان قد وَطِئَها بملك اليمين لم تحل لأولاده، وأما هو فإنه يحل له تزوجها. نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على محمد اسم> وعلى آله وصحبه وسلم.
مسألة>