شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
باب: نكاح المحرم
قال البخاري اسم> -رحمه الله- باب نكاح المحرم.
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا مالك بن إسماعيل اسم> قال: أخبرنا ابن عيينة اسم> قال: أخبرنا عمرو اسم> حدثنا جابر بن زيد اسم> قال: أنبأنا ابن عباس اسم> رضي الله تعالى عنهما رسم> تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم متن_ح> رسم> .
المحرم هو الذي عقد النية بإحرامه بحج أو عمرة ، ولا شك أن المحرم في عبادة خاصة، وأنه منهي عن الترفه وعن ما يكون سببا في الميل إلى الشهوات والدنيا والملذات الدنيوية وما أشبهها؛ ولذلك حرم الله عليه باب. المحرمات كقوله تعالى: رسم> فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ قرآن> رسم> وأجمعوا على أن الرفث محرم عليه، وأكثرهم على أن الرفث هو الوطء والجماع، وأن من جامع فإنه يفسد نسكه، واختلف في عقد الزواج للمحرم؛ هل يجوز للمحرم أن يتزوج، يعني أن يعقد عقد النكاح أم لا يجوز؟
فذهب الحنفية إلى أنه يجوز للمحرم أن يتزوج، وأن يخطب، واستدلوا بهذا الحديث، الذي في الصحيحين: رسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة اسم> وهو محرم متن_ح> رسم> حديث ثابت عن ابن عباس اسم> -رضي الله عنهما-.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يتزوج المحرم، واستدلوا بحديث عن عثمان بن عفان اسم> -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> لا ينكح المحرم ولاينكح ولا يخطب متن_ح> رسم> وهو حديث صحيح، وإن لم يكن على شرط البخاري اسم> فقد رواه مسلم اسم> وغيره، وهو صريح في نهي المحرم عن أن يتزوج يعني أن يكون زوجا أو يكون وليا، يعني فلا تزوج المرأة وهي محرمة، ولا يتزوج الرجل محرما، ولو كانت الزوجة غير محرمة، ولا يخطب المحرم، ولا يعقد يعني كولي، لا يكون وليا في عقد النكاح إذا كان محرما.
فلا تتزوج المحرمة، لا يعقد لها، ولا يتزوج المحرم لا يعقد له ، ولا يخطب، ولا يكون المحرم وليا يعقد على موليته ولو كان الزوجان حلالا؛ وذلك لأنه داخل في الرفث أو في مقدماته الذي نهي عنه في قوله تعالى: رسم> فَلَا رَفَثَ قرآن> رسم> .
كذلك أجابوا عن هذا الحديث بأنه غلط من ابن عباس اسم> -رضي الله عنهما-؛ أن ابن عباس اسم> كان في ذلك الوقت صغيرا عندما تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ميمونة اسم> ولو كانت خالته؛ فإنه كان صغيرا، كان عمره عشر سنين، وقد يخفى عليه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن تحلل من عمرته سنة سبع ما غير لباسه، عادة المحرمين في ذلك الوقت أنهم يحرمون في إزار على العورة، ورداء على الظهر، وهذا كان لباسا معتادا عندهم.
فبعد أن طاف وسعى وتحلل؛ بقي على لباسه الذي هو الإزار والرداء، فظن ابن عباس اسم> عندما رآه بهذا اللباس أنه لا يزال محرما عندما عقد له على ميمونة اسم> فجزم بأنه كان محرما، ومع ذلك فقد أنكر عليه العلماء، ومنهم سعيد بن المسيب اسم> وهو من الفقهاء السبعة يقول: وَهمَ ابن عباس اسم> في جزمه بذلك ولو كانت خالته.
وثبت في صحيح مسلم عن ميمونة اسم> أنها قالت: رسم> تزوجني النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حلال متن_ح> رسم> أي بعدما انتهى من أعمال العمرة، عقد له عليها، وثبت أيضا في صحيح الحديث عن أبي رافع اسم> أنه قال: رسم> تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ميمونة اسم> وهو حلال، وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف اسم> وكنت السفير بينهما متن_ح> رسم> .
أبو رافع اسم> مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه هو الواسطة بينهما، بينها وبينه، وجزم بأنه حالة العقد كان حلالا، كما أنه لما بنى بها دخل بها كان حلالا، وكذلك أيضا لما جزم بأنها ماتت بسرف اسم> ؛ أي الموضع الذي بين مكة اسم> والمدينة اسم> فكل ذلك دليل على أنه ما تزوجها إلا بعدما تحلل.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ساق معه هديا وتأخر في ذبح الهدي، فابن عباس اسم> لما رأى الهدي لا يزال بقلائده ظن أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يزال محرما؛ فجزم بأنه لا يزال على الإحرام، فقال: تزوج وهو محرم، وكان ابن عباس اسم> يلزم كلما من أهدى هديا أن يحرم، وهذا ليس بلازم، فقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- أرسل في سنة تسع مع أبي بكر اسم> هديا، ومع ذلك أقام بالمدينة اسم> ولم يكن محرما، بل كان حلالا يطأ نساءه ويلبس المخيط ونحو ذلك.
فابن عباس اسم> يرى أن كل من أهدى هديا فإنه يبقى على إحرامه؛ فلعله لما رأى الهدي ظن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يزال باقيا على إحرامه، فجزم بأنه تزوجها وهو محرم.
والصحيح المجزوم به أنه تزوجها وهو حلال كما جزمت بذلك هي، وكما جزم في ذلك مولاه أبو رافع اسم> الذي كان هو الواسطة بينهما.
مسألة>