إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
86431 مشاهدة print word pdf
line-top
باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع الباءة فليتزوج

باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح؟.
قال أبو عبد الله حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن علقمة قال: كنت مع عبد الله فلقيه عثمان بمنى فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخلوا. فقال عثمان هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن أزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعلم؟ فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال: يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .


هذا حديث ابن مسعود المشهور فيه.. في هذه القصة ذكر علقمة أن ابن مسعود -رضي الله عنه- اجتمع مع عثمان ويظهر أن ذلك موسم من المواسم، ثم إن عثمان أراد أن يسر إليه كلاما، ولما رآه ابن مسعود أن ليس له غرض خاص دعا علقمة الذي هو تلميذ لابن مسعود ولما دعاه، يعني لأنه ليس هناك سر سمعه؛ سمع عثمان يقول: أما ترغب يا أبا عبد الرحمن أن أزوجك بكرا تذكرك ما مضى من عمرك؟ فعند ذلك استشهد ابن مسعود بهذا الحديث.
وقد حدث به مرارا ونقله عنه كثيرون من تلاميذه بمثل هذه الرواية، وبزيادة أنه -صلى الله عليه وسلم- خاطبهم وهم في سن الشباب؛ لأن ابن مسعود توفي سنة اثنين وثلاثين أي بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- باثنتين وعشرين سنة؛ ولعله سمع هذا في حادث دربه؛ أي إما قبل الهجرة، وإما في أول الهجرة، وكان في سن الشباب فقال: يا معشر الشباب المعشر: الجماعة أو المجموعة من الناس؛ كما في قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أي جماعتهم وجنسهم، الشباب: اسم لمن هو في مستقبل عمره، حده بعضهم إلى تمام الثلاثين، فإذا تجاوز الثلاثين، فإنه يسمى كهلا، فمن دون الثلاثين فإنه في سن الشباب، وإذا تجاوزها فإنه كهل إلى الستين، فإذا تجاوز الستين فإنه شيخ.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- خاطب الشباب، ولعل السبب أنهم أقوى شهوة فى العادة، ومع ذلك فإن شهوة أحدهم قد تحمله على النظر الحرام، أو الوطء الحرام؛ وذلك لضعف الدوافع الإيمانية، لضعف الوازع الإيماني في كثير منهم، وعدم تمكن الإيمان من قلوبهم، وعدم تمكن قوة المخافة واستحضار العقوبة ونحوها؛ فلذلك خاطبهم، وفي ذلك أيضا دليل على أن الإنسان عليه المبادرة في الزواج من حين يتيسر له، إذا تيسر له ذلك وكان معه شهوة وقوة وقدرة على أن يعف نفسه، وأن يعف امرأته، وأن يقوم بحاجتها، وأن ينفق عليها، وما أشبه ذلك.
ذكر العلماء أن الزواج يكون واجبا يعاقب تاركه: إذا كانت له شهوة تحمله على فعل الفاحشة، وعنده قدرة مالية؛ وجب عليه إذا وجد وسائله ووجد الزوجة المناسبة له، عليه أن يتزوج، هذا أولا: أن تكون عنده الشهوة القوية.
الثاني: أن يخاف على نفسه إذا لم يتزوج أن يقع في الحرام.
الثالث: القدرة المالية يعني على المئونة وعلى التكلفة وعلى المهر ونحو ذلك.
وما عبر عنه في هذا الحديث بقوله: من استطاع منكم الباءة فالأطباء ونحوهم يطلقون الباءة على الشهوة، ولكن في هذا الحديث أطلق الباءة على المئونة؛ وذلك لأنها مشتقة من التبوء يقال: تبوأ فلان منزلا ومنه قوله: وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يعني مكانا، فالباءة يعني المتبوأ، يعني من استطاع أن يجد التكلفة ويجد المهر ويجد المسكن الذي يتبوأ فيه، ويجد أيضا المئونة ويجد الحاجيات والضروريات وما أشبهها، فهذا يعتبر قد استطاع الباءة، ووجد معه أيضا القدرة الجنسية والشهوة، ووجد معه من القوة الشديدة التي إذا لم يفعل؛ اندفعت نفسه إلى فعل الحرام، فهذا يجب عليه؛ لظاهر هذا الحديث، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج .
ذهب بعضهم إلى أنه مستحب، وقالوا: إنه علل في هذا الحديث بقوله في بعض الروايات فى غير هذه الرواية أنه أغض للبصر وأحصن للفرج وإذا كان معللا دل على أنه لأجل تلك الحكمة، لا أنه لأجل الحكم، يعني لا أنه واجب، ونحن نقول: إن حفظ الفرج واجب مدح الله تعالى عليه بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ فجعل من ابتغى وراء ذلك أي غير زوجته أو أمته يعتبر عاديا، والعادي الظالم؛ فدل ذلك على أنه واجب حفظ الفرج وإذا كان لا يتيسر له حفظ الفرج إلا بالنكاح الحلال الذي يتعفف به أصبح واجبا في حقه سيما إذا تمت الشروط، فإذا وجد المئونة ووجدت الشهوة وكذلك خاف على نفسه أصبح واجبا في حقه بحيث إنه يعاقب إذا وقع في الحرام، فيعاقب إذا عذب نفسه بالشهوة التي تحمله.
ثم إن الكثير في هذه الأزمنة يقدرون ولكن يؤخرون الزواج، لماذا؟ يقول أحدهم: لأواصل دراستي أو حتى أحصل على وظيفة، أو حتى أكوّن نفسي كما يعللون، وكل ذلك من الخطأ؛ فإذا تزوج فإن الله تعالى يعينه، في حديث الثلاثة الذين قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة حق على الله عونهم: المتزوج يريد العفاف بدأ به، يعني إذا كان تزوجه يريد أن يعف نفسه، ودليل ذلك من القرآن قول الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يغنيهم من واسع فضله إذا تزوج يريد أن يعف نفسه، وهذا أيضا مشاهد، فقد عرفنا كثيرا كانوا فقراء، ولما تزوجوا وولد لهم أولاد فتح الله عليهم باب الرزق، وأتاهم الرزق من حيث لم يحتسبوا، سيما إذا كانوا من أهل التقى، ومن أهل الورع ومن أهل الأعمال الصالحة أن الله ييسر لهم ذلك، فعلى هذا هؤلاء الشباب الذين يبلغ أحدهم عشرين وربما الثلاثين، وربما يتجاوزها ويقول: لا أتزوج حتى أكون نفسي، أو حتى أجد مأوى أو ما أشبه ذلك، نعتبر مثل هؤلاء خاطئين.
كذلك أيضا بالنسبة إلى النساء، الكثير منهن تمتنع من الزواج حتى تواصل دراستها في الجامعة، وربما إذا انتهت من دراستها، قال وليها: إننا قد تعبنا عليها فلا بد أننا نوظفها؛ حتى نأخذ من كسبها، فإذا زوجناها كان الزوج هو الذي ينتفع بمرتبها وبدخلها، وربما يعوقها عن التزويج؛ فتبلغ العشرين وربما زادت عليها إلى الثلاثين، وهي معطلة، فتذهب زهرة حياتها ويذهب مستقبل عمرها.
ولا شك أن هذا خطأ منها؛ أولا لما امتنعت، وخطأ أيضا من وليها، حيث منعها لأجل أن يستغل منفعتها، لا شك أن هذا من الإثم، من خاطئ القول.
نقول: ذكرنا أن العلماء قسموا حكم النكاح إلى أربعة أقسام :
القسم الأول: يلزمهم ويجب عليهم إذا تمت الشروط.
والقسم الثاني: يستحب لهم وهم الذين معهم شهوة ومقدرة يأمنون على هذه الشهوة من الوقوع في الحرام، ولكن معهم جنس شهوة.
والقسم الثالث: الذين ليس معهم شهوة ولكن يقدر أحدهم أن يعف امرأته.
والقسم الرابع: الذين ليس معهم شهوة ويخاف أحدهم أنه لا يعف امرأته، ولا يقدر على مئونتها وحاجاتها، فهذا يكره في حقه.
فيكون واجبا ومستحبا ومباحا ومكروها.
ثم قوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج يعني أنه إذا تزوج أحصن فرجه؛ بمعني حجب نفسه عن أن يقع في الزنا أو في الفواحش، فيكون بذلك آثما، كذلك أيضا أغض للبصر، البصر يعني :النظر بمعنىأنه إذا تزوج لم يمتد نظره إلى العورات، ولا إلى النساء ولا إلى زينة النساء وغير ذلك؛ بل يصرف بصره عمن أمامه من هؤلاء المتزينات ونحوهن.
والأدلة على وجوب غض البصر كثيرة ، فعلى هذا ذكر فائدتها، ثم أرشد بقوله: ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء يعني من لم يستطع مئونة النكاح وليس عنده قدرة مالية، فإن عليه أن يسعى في تخفيف هذه الشهوة، كيف يخففها؟ يخففها بالجوع، يخففها بالصيام، عادتهم في تلك السنين إذا صام أحدهم فإنه يلقى جوعا وشدة وجهدا؛ لأنه يعمل، ومع عمله يتعب، ويجوع ويظمأ كثيرا، وهذا الجوع وهذا الرمق، وهذا الجهد وهذا التعب يكسر حدة الشهوة.
نرشد كثيرا من الشباب في هذه الأزمنة إلى الصيام فيقول: إنني أسرد الصيام، ومع ذلك ما وجدت له تأثيرا فى تخفيف الشهوة، نقول: السبب عدم التأثير؛ وذلك لأنه لا يحصل هناك جوع، يأكل طوال ليله وينام نهاره ولا يشتغل، ولا يحس بتعب وينام عند المكيفات والمراوح الكهربائية، ويقطع نهاره في نوم وفي راحة، فمثل هذا لا يحس بظمأ، ولا يحس بجوع ولا يحس بتعب؛ فيقل تأثير الصيام في تخفيف الشهوة، هذا هو السبب في أنه لا يخفف الشهوة في كثير من الشباب في هذه الأزمنة، حيث إنهم يعدلون إلى الاستمناء، العادة السرية، فيقولون: إننا لم نتأثر ونخشى على أنفسنا.
وبكل حال فإننا نرشد إلى التعفف بالنكاح الحلال الذي أباحه الله تعالى، والذي حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحث عليه القرآن الكريم في هذه الآيات، وكذلك أيضا إذا لم يجد فإن عليه أن يشتغل وأن يحترف ويعمل مع الصيام؛ حتى تنكسر شدة الشهوة بالجوع وبالظمأ وبالتعب؛ فذلك هو الذى أخبر بأنه له وجاء.
الوجاء: هو رد عنق الخصيتين فإنه يقطع الشهوة أو يخففها، يقال: في الكبشين اللذين ضحى بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهما موجوءين، كانوا إذا أرادوا أنهم لا ينزو على الإناث أخذوا حجرا فضربوا، دقوا به عروق أنثييه؛ حتى لا يبقى له شهوة، هناك الخصاء الذي هو قطع خصيتي الفحل من الضأن ونحوه.
وهناك أيضا الوجاء الذي هو رد عروق الخصيتين حتى لا ينزو على النعاج، فيقال: موجوء أو خصي، فأخبر بأنه يخفف حدة الشهوة كما أن الوجاء يكسر حدة الشهوة.

line-bottom