اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
41831 مشاهدة
باب: الأكفاء في المال وتزويج المقل المثرية

باب الأكفاء في المال وتزويج المقل المثرية .
قال أبو عبد الله حدثني يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة أنه سأل عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن قالت: واستفتى الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك فأنزل الله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ إلى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فأنزل الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ونسبها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء، قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق .


وهذا الحديث قد سبق في باب سابق، وتفسير لقول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ذكر أن بعض الرافضة يطعنون في القرآن ويقولون: إن الصحابة حذفوا منه كثيرا بين هذه الآية وتتمتها؛ فلذلك يقولون: ما مناسبة ذكر اليتامى مع ذكر النكاح بعده وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا ما مناسبة النكاح للإقساط في اليتامى؟ يتهموا الصحابة بأنهم حذفوا بعد ذكر اليتامى كلاما كثيرا وآيات وأحكاما، ويدعون أن ذلك فيما يتعلق بالوصية ونحو ذلك.
والجواب: أن ذكر الإقساط في اليتامى مراد به إعطاؤهن حقهن في النكاح، ذكرت عائشة أن سبب نزول هذه الآية: أن الرجل تكون عنده اليتيمة، والتي تشاركه في ماله، كما هي كانت ابنة أخيه، مات أبوها الذي هو أخوه، وتربى الأيتام في حجر عمهم، ويريد أن يزوج هذه اليتيمة بابنه، فنهوا أن يزوجها إلا بأن يعطوها حقها، فيقول: إذا خفتم أنكم لا تعطونهن حقهن ولا تعدلوا فيهن فاعدلوا عنهن إلى غيرهن من النساء.
انكحوا ما طاب لكم من النساء غيرها، فأما كونكم تنكحونها ولا تقسطوا لها، ولا تعطوها حقها كاملا من الصداق كأمثالها، فإن ذلك ظلم منكم لهن، اعدلوا عنها وتزوجوا غيرها، هذا معنى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا يعني إذا خفتم أنكم لا تعطوا اليتامى صداقها كاملا؛ استضعافا منكم لها ولحقارتها أو لنقص جمالها أو لنقص مالها وتقولون: إنها ضعيفة، وإنما دخلت تحت أيدينا؛ فإن مال اليتامى حرام، قد توعد الله على أكله بوعيد شديد، والاحتيال إلى أكله ظلم كبير، يقول الشاعر:
واحتل على مال اليتيـم فـإنه
رزق هنيء من ضعيف الحـال
لا سوطه تخشى ولا من سيفـه
والقول قولك في ذهاب الـمـال
فيعتبر ولي اليتيم مأمونا على ماله، فإذا كانت هذه اليتيمة تحت حجره وتحت ولايته، ومالها تحت ولايتك فعليك أن تقسط لها؛ تحفظ لها مالها، وإذا أردت أن تزوجها لأحد أولادك فعليك أن تعطيها نصيبها، وأن تعطيها صداقها كاملا، وأن تقسط لها، والقسط: هو العدل، فإذا خفت أنك لا تقسط لها ولا تعطيها حقها فادفع إليها مالها واتركها تتزوج بغيرك لمن يعطيها حقها وصداقها كاملا.
يقول: تقول عائشة إن الرجل قد لا تعجبه هذه اليتيمة؛ لعدم جمالها ولا يرغب في نكاحها لا هو ولا أحد أولاده، فيحجرها ويحجزها ويمنعها من الزواج، لماذا؟
يخشى أن يتزوجها أجنبي، ويشاركه في ماله ويقول: هذا مال أخي ورثته هذه اليتيمة، فإذا تزوجها هذا الأجنبي شاركني في مالي الذي هو مال أخي؛ فيحجزها ويمنعها؛ فلذلك قال الله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ يعني تذكروا ما يتلى عليكم في أول السورة في يتامى النساء، اليتيمة التي تكون في حجرك وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ يعني لا تعطوها صداقها كاملا؛ بل تعطوها جزءا يسيرا دون صداق أمثالها وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ترغب في نكاحها؛ لأجل أنها شريكتك في مالك، ولا تعطيها صداقها ولا تقسط لها، فإن هذا يعتبر ظلما، وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ يعني ما يقرأ عليكم، فِي الْكِتَابِ أي في هذه السورة وفي غيرها فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتي تحت حجوركم، واللاتي يشاركنكم في أموالكم، فترغبون أن تنكحوهن، فإما أن تنكحوها بصداق كامل مثل أمثالها، وإما أن لا ترغموها ولا تمنعوها من أن تتزوج، ولو كان ذلك الزوج يأخذ من مالها، يعني تنتقل إليه هي ومالها الذي عندك أيها الولي لها.
ففي هذا أن اليتيمة يجب أن يراعيها ولي أمرها فلا يجوز ظلمها ولا يجوز أخذ مالها، وقد شدد الله تعالى في أموال اليتامى وبالغ في ذلك في قول الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ يعني لا تتصرفوا فيه إلا أن يكون ذلك المتصرف يتصرف بما هو أحسن، وكذلك قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا يأكلونها ظلما؛ يعني يخفون شيئا من أموالهم، فيدعي أنه، تلف أو أنه أنفقه عليه، وهو مع ذلك مؤتمن على هذا المال، لا يجوز له أن يتصرف فيه إلا بما هو أحظ له، وكذلك تزويجها إذا خطبت فإنه يفرض على الزوج مثل أمثالها من الصداق؛ حتى لا يكون ظلمها، وإذا زوجها ولده أعطاها مثل أمثالها دون نقص أو بخس، هذا مناسبة هذه الآية أولها لآخرها.