اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
45073 مشاهدة
باب: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا

قال الإمام البخاري -رحمه الله- باب نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نكاح المتعة آخرا.
قال أبو عبد الله حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله عن أبيهما أن عليا رضي الله تعالى عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر .
قال أبو عبد الله حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم.
قال أبو عبد الله حدثنا علي حدثنا سفيان قال عمرو عن الحسن بن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قال: كنا في جيش فأتانا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا وقال ابن أبي ذئب حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة .
قال: أبو عبد الله وقد بينه علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه منسوخ.


تتعلق هذه الأحاديث بنكاح المتعة، وصفته: أن يتفق الزوجان على نكاح مؤقت؛ أي أسبوعا أو شهرا أو شهرين أو نحو ذلك فيعقد عليها ثم بعد ذلك يفارقها إذا انتهت المدة، ويدفع لها عن هذه المدة شيئا يسيرا.
وهذا النكاح قد كان معمولا به قبل الإسلام، ونسخ في الإسلام ورخص فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح، ثم نهى عنه، وذكر بعضهم إنما رخص فيه بضعة أيام، يعني أسبوعا أو عشرة أيام ثم بعد ذلك نهى عنه، ولعل سبب الرخصة؛ أنه دخل في الإسلام في تلك السنة عدد كثير من الأعراب ومن أهل البوادي والقرى ونحوهم، عشرة آلاف أو أكثر، وكانوا حديث عهدهم بهذه الأنكحة، وبعيدون أيضا عن نسائهم فخاف -صلى الله عليه وسلم- أن يقع الزنا، أو يقع فساد فرخص لهم أسبوعا أو عشرة أيام أن يستمتعوا، أن يتزوج الرجل امرأة سبعة أيام أو ثمانية أو نحوها يطؤها ثم يعطيها أجرة ثم يفارقها.
ثم بعد ذلك نهى عنه وأعلن النهي، وقال: من كان عنده امرأة بهذا النكاح فليخلي سبيلها، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا وقال: إنه حرام إلى يوم القيامة واستقر الأمر على تحريمه تحريما مؤبدا؛ وذلك لأن هذه المرأة التي يستمتع بها لا يصدق عليها أنها زوجة، لا يصدق عليها ذلك؛ فإنها لا ترث ولا تورث ولا تدوم خدمتها، وإنما يطؤها يوما أو أياما وطء شهوة أو نحو ذلك وقد تعلق منه بولد، ثم يكون أثر ذلك قد تتضرر بالفراق؛ فلأجل ذلك نهى عنه.
ثم روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يبيح أكل لحم الحمر، الحمار الأهلي يبيح أكله ويقول: إنه من جملة بهيمة الأنعام؛ كالبقر والغنم ونحوها، وروي عنه أنه يبيح نكاح المتعة للضرورة إذا خشي الإنسان على نفسه الوقوع في الزنا، ولما أباح ذلك أنكر عليه العلماء أنكروا عليه المسألتين: إباحة الحمر وإباح المتعة.
ومن جملة من أنكروا عليه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فهو في هذا الحديث يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المتعة، عن متعة النساء، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر .
فهم بعض العلماء أن النهي عن الاثنين يوم خيبر والصحيح أن النهي في يوم خيبر سنة سبع إنما هو عن لحوم الحمر؛ فإنهم لما كانوا في خيبر ذبحوا الحمير ونصبوا القدور، كانوا أحسوا بالجوع فقال، أو بعث مناديا إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فإنها رجس، ولما نصبت القدور قال: على أي شيء هذه القدور؟ قالوا: على لحم الحمر الأهلية، فقال: أهرقوها واكسروها من باب التشديد، قالوا: أو نهرقها ونغسلها، قال: أو ذاك.
فشدد فيها وذكر أنها محرمة وأنها رجس، فاستقر أمر المسلمين على أن لحم الحمر نجسة، وأن لبنها نجس وأنها لا تؤكل إلا أقوال شاذة وروايات ضعيفة عن بعض الظاهرية أو نحوهم.
فأما نكاح المتعة، فالصحيح أنه ما أبيح إلا في غزوة الفتح ولا استمرت إباحته إلا أياما قليلة، ولم يكن مباحا ولا حلالا قبل ذلك اليوم، بل كان قد استقر أن من أسلم فإنه لا يحل له إلا ما أحله الله؛ لقوله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فأخبر بأنهم لا يباح لهم الوطء إلا لزوجاتهم، ومعلوم أن هذه المستمتعة بها ليست زوجة، وإنما هي نكاح مؤقت قليل المدة، فلم يكن حلالا وإنما أبيح لحاجة ضرورية، وداراة لأولئك الذين كان حديثا عهدهم بالإسلام، وخوفا من أن يقعوا في فواحش الزنا؛ فلأجل ذلك ورد النهي عنه بعدما تمتعوا أياما قليلة، وحرم إلى يوم القيامة.
فعلى هذا ما معنى كلام علي ؟
فيظهر أن قوله يوم خيبر أو زمن خيبر يكون المراد به الفترة الأخيرة، كأنه قال: يا ابن عباس إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن نكاح المتعة، ثم قال: وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فيكون يوم خيبر زمنه زمن للحوم الحمر الأهلية لا أنه للاثنين، رواه بعضهم بالمعنى فعكس وقال: نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وعن نكاح المتعة يوم خيبر وهذا خطأ.
وقد فهم بعضهم أن النهي عن نكاح المتعة تكرر، أو أنه أبيحت في زمن خيبر ثم نهي عنها، ثم أبيحت في زمن الفتح ثم نهي عنها، ثم أبيحت في حجة الوداع ثم نهي عنها، وهذا خطأ.
على الصحيح أنه ما أبيح نكاح المتعة إلا أياما قليلة في زمن فتح مكة حيث إنهم أطالوا الغيبة، ثم نهي عن ذلك نهيا مؤبدا.
فهذه الأحاديث فيها ذكر الإباحة وأنه قال: إنه أبيح لكم أن تنكحوا النساء إلى أجل وبأجرة محددة؛ فالرخصة كانت عامة في تلك الغزوة، ولكن لم تدم الرخصة، هذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وخالف في ذلك الرافضة، وادعوا أنه مباح، مع أنهم يتقيدون بما ثبت عن علي -رضي الله عنه- ويعظمون رواية علي خالفوا عليا في هذا الحديث.
ثم إنهم يكفرون ابن عباس ويكفرون أباه وغيره من الصحابة ومن أكابر الصحابة، ومع ذلك أخذوا بما روي عنه، ثم إن ابن عباس إنما أباحه للضرورة، ثم صح أيضا عنه أنه تراجع، وأنه منع من ذلك يعني منع من هذا النكاح، وأفتى بأنه حرام كقول الجمهور.
الرافضة يدعون أن الذي نهى عنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأنه كان حلالا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريش في قصة مذكورة في مصنف عبد الرزاق أن عمرو بن حريش تأول وتزوج امرأة نكاح متعة فحملت، فأنكر عليه عمر ونهى وشدد وكاد أن يرجم فيه أو يعذب، ولكن عذر عمرو بن حريش لأنه لم يبلغه النهي.
واشتهر أن عمر -رضي الله عنه- كان ينهى عن المتعة، ولكن فهموا أنها متعة الحج بالسياق؛ وذلك لكثرة الأدلة على ذلك، أن الذي ينهى عنه هو التمتع بالحج إلى العمرة، وذلك لأنه يريد أن الحاج يعتمر في سفر مستقل ولا يعتمر مع حجته خاف أن يتعطل البيت من الزوار ومن الطائفين، فنهى عن متعة الحج، هذا هو الذي نهى عنه.
فالرافضة غلطوا أخذوا نهيه عن المتعة، وقالوا: إنه هو الذي نهى عن متعة النكاح، ليس هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا خطأ، فمتعة الحج تسمى متعة، نهى عنها حتى يكثر الزوار للبيت الحرام، حتى لا يتعطل البيت، وأما متعة النكاح فإنها ولو سميت متعة فإنها متعة خاصة ونهيه عنها نهي خاص في قصة عمرو بن حريش كما في صحيح مسلم.
وكذلك أيضا نهيه عن متعة الحج أشهر؛ فإنه كان كلما حج يأمر كل من حج أن يحج مفردا، ويقول: خصوا العمرة بسفر وخصوا الحج بسفر ليكون أعظم للأجر.
فالرافضة أخذوا كلمة نهى عن المتعة وظنوا أنها متعة النكاح، فغلطوا في ذلك وصاروا يسبون عمر أنه الذي حرم الحلال، حرم نكاح المتعة مع كونه حلالا، فيسبونه ويشتمونه وكذبوا على عمر -رضي الله عنه- في هذا.