اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
100904 مشاهدة print word pdf
line-top
باب: هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد

قال الإمام البخاري رحمه الله: باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد.
قال أبو عبد الله حدثنا محمد بن سلام قال: حدثنا ابن فضيل قال: حدثنا هشام عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت عائشة -رضي الله عنها- أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل، فلما نزلت تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ قلت: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على بعض.


هكذا جاءت هذه الآية: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ في إباحتة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتزوج من شاء، ولكن جاءت بعدها آية في منعه أن يتزوج غير نسائه الموجودات، وهي قوله: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ المعنى اقتصاره على نسائه اللاتي اجتمعن عنده وهن تسع.
كان في أول الأمر تأتي امرأة وتعرض نفسها وتقول: وهبت لك نفسي، أو يأتي وليها فيقول: أريد أن أزوجك ابنتي أو أختي، يعرضها عليه، عائشة -رضي الله عنها- تغار على تلك النساء كأنها تنكر جرأة المرأة، المرأة تتجرأ وتعرض نفسها عليه وتقول: تزوجني.
وقد أنكر ذلك عليها أبوها وكذلك غيره، وقالوا: لا مانع من عرضها، ولا حرج عليها؛ وذلك لأنها تريد أن تكون زوجة لسيد الخلق، لسيد بني آدم فالتزوج به يعتبر شرفا ويعتبر فضيلة، فلا نقص عليها ولا عيب عليها إذا عرضت نفسها ووهبت نفسها له، قالت: قد وهبت لك نفسي فتزوجني، فلا مانع من ذلك، الله تعالى أباح له ذلك؛ لقوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ يعني أبحنا لك هذه الزيادة على العدد قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ أي قد حددنا لهم عددا وهو الأربع.
فلما نزلت هذه الآية تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ تقول عائشة قلت: يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، يعني أنه يحب لك ما تحب، أو ما ترغب، أو أباح لك هذا العدد.
قد ذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن شهوانيا كما يرميه به أعداؤه، يقولون: ليس له همة ولا هوى إلا في شهوته؛ أي في النساء، وإنما تزوج هذا العدد لحكمة؛ وهي أنه أراد أن يعفهن، أو أراد أن يجبر مصيبتهن فيمن مات من أزواجهن، أو أراد بذلك أن يحملهن من العلم التي يختص بالنساء ما يؤدينه إلى الأمة؛ ولأجل ذلك ما تزوج بكرا إلا عائشة بل كل نسائه ثيبات قد طلقن أو توفي عنهن أزواجهن، فدل ذلك على أن الله أباح له هذا العدد لما فيه من المصلحة. نعم.

line-bottom