شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
shape
كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب
6655 مشاهدة print word pdf
line-top
اليأس من رحمة الله

...............................................................................


واليأس والقنوط متقاربان. قال الله -تعالى- وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ذكر الله ذلك عن يعقوب أنه قاله لبنيه، أخبر -تعالى- بأن الذين ييأسون من روح الله كافرون، ولعل السبب أنهم يتهمون الله بأنه عاجز عن رحمتهم، وغير قادر على نجاتهم، وأنه -سبحانه- لا يقدر على تخليصهم، أو ليس هناك ما يصل به إلى الثواب؛ إلى ثواب المخلصين، وأنه ليس عنده ثواب، أو أنه لا يقبل التوبة أو ما أشبه ذلك، وكذلك القنوط في قول إبراهيم -عليه السلام- في سورة الحجر لما قال للملائكة، لما قال لهم: أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونِي قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ استعظم كلمة القنوط فقال: لا يقنط من رحمة الله إلا الضالون، القوم الضالون الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا .
الذين يضلون: هم الذين يقنطون من رحمة الله، فهذا دليل على أن القنوط واليأس أنه من ِأسباب الكفر ومن أسباب الضلال ، وقد يقع هذا اليأس من كثير. بعض الأفراد الذين أفنوا أعمارهم أو أكثرهم في المعاصي، وفي الذنوب وفي الكبائر أو الصغائر؛ استمروا على ذلك عشرات السنين، وإذا وعظوا وذكروا وقيل لهم: توبوا إلى الله توبة نصوحًا تعللوا وقالوا: كثيرًا ما ذكر عن بعضهم يقول: أنا قد عصيت وقد أذنبت ذنوبًا كثيرة، فقد فعلت من الذنوب كذا وكذا، وتركت الصلاة والصيام مدة كذا وكذا وشربت المسكرات تعاطيت كذا وكذا، وزنيت وسرقت ونحو ذلك، وفعلت ذنوبًا كثيرة فرحمة الله لا تصل إلي؛ فلا يرحمني، فأنا آيس من روح الله، قانط من رحمة الله، لا همة لي في ذلك، أصبر كما يصبر أهل النار، وأتحمل ما يتحملون، أعرف بأن النار تمتلئ أو يدخل فيها الخلق الكثير، أتسلى كما يتسلون؛ هكذا يقول بعضهم بلسان الحال، وبعضهم بلسان المقال، عندما ينصح ويبين له ويقال له: تأمل في ذنبك وفي حالتك وتب إلى الله، يقول: مضى عمري مضى علي خمسون أو سبعون سنة، وأنا على هذه الحال، يصعب علي أن أتوب بل أبقى على ما أنا عليه؛ ولو عذبني الله في الدنيا، ولو عذبني الله في الآخرة، أتحمل العذاب كما يتحمله أهل النار، كما يتحمله الكفار؛ ولو كان أقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحملون النار ويصبرون عليها، ويقال لهم: فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فأنا أبقى على ما أنا عليه، وأتحمل عذاب الله ولو عذبني ولو أحرقني ولو فعل وفعل. هذا لسان حال الكثير.
وقد يقال أيضا: على أنه لسان المقال أنه يقول ذلك بلسانه، وإن لم يقله بلسانه دلت عليه حاله -حال كونه كذا وكذا- فهذا ماذا نسميه؟ نقول: إنه آيس من روح الله، قانط من مغفرة الله ورحمته، مخالف لما أمر الله -تعالى- به المذنبين في قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لا تقنطوا. عرفنا أن القنوط هو شدة اليأس، وقطع الرجاء. أي: لا تقطعوا رجاءكم؛ فإن الله -تعالى- يغفر الذنوب جميعًا، فتوبوا إليه ولا تستمروا على كفركم، أو على ذنوبكم ومعاصيكم، أو على غوايتكم فأنتم قد تبصرتم؛ فليس من يعرف كمن لا يعرف، فتوبوا إلى الله وأصلحوا العمل له، والله يقبل التوبة -كما أخبر- والله يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وقد جاء في الحديث: أن الله -تعالى- يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي: ما لم تصل روحه إلى نهاية الحياة فإنه ما دام كذلك، فإن الله يقبل توبته بل ويفرح بتوبة عبده، يفرح بها كما جاء في الحديث: لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم كان على راحلته في طريق -ذكر أنها مهلكة - فأضلها، فطلبها فلم يجدها؛ فنام تحت شجرة؛ فلما رفع رأسه إذا راحلته على رأسه، فقال: من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح هذا مما يُنصح به هؤلاء الذين يقولون: نقطع رجاءنا من رحمة الله، ونستمر في معاصيه إلى أن يأتينا الموت، وإذا ما أتانا الموت استرحنا، وهذا خطأ.
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحيــاء

فهؤلاء إذا ماتوا فإنهم يلقون الجزاء ولا يستريحون؛ بل ينتقلون من دار فيها عذاب وهمّ وغمّ إلى دار شديدة العذاب، آخر ذلك دخولهم النار التي هي شديدة الوقود والالتهاب ونحو ذلك، فيذكَّر هؤلاء الذين يصرون على الذنوب ويتهاونون بها، ويقولون: إننا من أهل النار، وإننا قادمون عليها، ونصبر أو لا نصبر على ما في الآية: فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ يذكَّرون بأن النارعذاب يوم واحد ينسي ما على الأرض، إذا عُذب ينسى أهله كلهم، وينسى من حوله، فكيف إذا عذب بها سنوات؟! لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا إذا كان ميتًا وهو مشرك، فإن عذابه أشد وأبقى، يبين لهم أنكم لستم صادقين في قول أحدكم: في قوله: أنا أتحمل النار، أنا أتحمل العذاب في الآخرة مثل ما يتحمل أبو لهب و أبو طالب و أبو جهل وغيرهم فهم أذكياء أقوياء، فإذا كانوا يتحملون العذاب، ويخلدون في النار، ويبقون معذبين فأنا أمتع نفسي في الدنيا بما أقدر عليه؛ فأزني وأسرق وآكل حراما، وأفعل حراما وأصبر كما صبر أولئك المعذبون، فلست أنا أقوى منهم ولا خيرًا منهم.
وفي الحقيقة لو عذب في الدنيا بأدنى عذاب لدعا بالويل والثبور، ولكن يظهر أنه يقول ذلك سخرية واستهزاء بالذين ينصحونه، إذا نصحوه وقالوا له: انج بنفسك أو قرءوا عليه بعض الآيات مثل قول الله -تعالى:- قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أي أن الله -تعالى- أعد للعصاة عذاب يوم عظيم؛ ولكن كأنهم هؤلاء الذين هذه حالتهم يسخرون ويستهزءون أي: بمن ينصحونهم.
هذا بالنسبة إلى المتهاونين الذين ييأسون من روح الله ويقنطون من رحمته، ويصرون على الذنوب .

line-bottom