عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
الافتراق والاختلاف
6902 مشاهدة
إفطار المحتجم الذي أخرج منه الدم بالحجامة

أما مسألة الحجامة: هل تُفَطِّرُ أم لا؟ فالإمام أحمد هو الذي ذهب إلى أن الحجامة تُفَطِّرُ، وخالفه الأئمة الآخرون، وقالوا: لا يُفْطِرُ بالحجامة، وأكثرهم يقولون: إن الإفطار إنما هو في الداخل لا في الخارج. فقالوا: الحجامة شيءٌ خارجٌ، فلا يُفْطِرُ مَنْ أَخْرَجَ هذا الدم، كما لا يُفْطِرُ مَنْ بال، أو تغوط، أو خرج منه دمع أو عرق أو نُخَام أو ريق أو ما أشبه ذلك، فهذا قياسهم، واستدلوا بالحديث الذي فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم مُحْرِمٌ .
هكذا رُوِيَ الحديث الذي استدلوا به، وهو حديث مَرْوِيٌّ في الصحيح، ولكن نظرنا في هذا الحديث، وإذا هو مَرْوِيٌّ عن ابن عباس وجميع أو أكثر أَخَصّ تلامذة ابن عباس الذين اختصوا بروايته -بالرواية عنه- لم يذكروا الصيام؛ وإنما اقتصروا على الإحرام، فقالوا: احتجم وهو مُحْرِمٌ، ولم يَذْكُر الصيامَ إلا بعضهم ممن ليسوا متخصصين بابن عباس ؛ فدل على أن الثابت عنه قوله: احتجم وهو مُحْرِمٌ.
وإذا قلنا: إنه احتجم وهو مُحْرِمٌ صائم؛ فإنه معذور؛ وذلك لأنه ما أحرم وهو مقيم بالمدينة ؛ إنما أحرم وهو مسافر بين المدينة وبين مكة وإذا كان مسافرا؛ فإن المسافر له عُذْرٌ في أن يُفْطِر؛ لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فهو قد أَفْطَرَ لأجل السفر، ويمكن –أيضا- أنه أحس بألم احتاج معه إلى الحجامة فاحتجم.
إذاً.. فالحجامة لم تَثْبُتْ إلا في السفر، أو لم تثبت عنه؛ إلا وهو مُحْرِمٌ، أو نحو ذلك. ثم الدليل على أنها تُفَطِّرُ الحديث المشهور أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: أفطر الحاجم والمحجوم وأنه مَرَّ على اثنين وهما يحتجمان؛ أحدهما يحجم الآخر، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم قالوا: إن هذا الحديث رواه ثلاثة عشر صحابيا... وبالتَّتَبُّع وُجِدَ أنهم وصلوا إلى سبعة عشر صحابيا؛ ولو كان طرقها فيها مقال، أو بعضها فيه ضعف، أو بعضها ضعيف جدا؛ ولكن مجموعها وكثرتها، وتعدد طُرُقِهَا يدل على أنها لها أصل؛ ولأجل ذلك ألحقوه بالمتواتر.
إذاً.. فنحن نختار أن الحجامة تُفَطِّرُ الصائم، ويُلْحَقُ بها –أيضا- في هذا الزمان: إخراج الدم الذي هو التبرع، إذا تبرع بدم لغريب فإنه يلحق بالحجامة ؛ لكونه كثيرا، واتفقوا أو أجمعوا على أن خروج الدم من المرأة -دم الحيض أو دم النفاس- أنه يُفَطِّرُ؛ إذا حاضت أو نفست وخرج منها هذا الدم؛ فإنه يُفَطِّرُ، ولا يصح أن تصوم وهي حائض أو نفساء.
فكذلك الرجل إذا أخرج منه هذا الدم بالحجامة أو بالتبرع. وهكذا -أيضا- إذا أُخِذَ من التحليل الكثير، إذا أخذ منه دم للتحليل؛ ولكن صار مثلا كثيرا بأن أخذ منه ملء البرواز مرتين أو ثلاثا فمثل هذا يُلْحَقُ بالحجامة؛ فنقول: إن هذا –أيضا- يُفَطِّرُ. أما إذا كان شيئا يسيرا؛ فإنه لا يُفَطِّرُ، إذا كان ملء البرواز أو نصفه أو نحو ذلك، فهذا مما يُتَسَامَحُ فيه.