شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
الافتراق والاختلاف
7549 مشاهدة
منشأ الخلافات التي حصلت بين المسلمين

موضوع هذه الكلمة: في مسائل اخْتُلِفَ فيها في الخلاف الذي حصل في بعض المسائل التي تتعلق بالصيام، أو تتعلق بالحالة الحاضرة.
وأذكر بين يَدَيْ ذلك كلمةً عن منشأ الخلافات التي حصلت بين المسلمين، ثم أضرب أمثلة للمسائل التي اخْتُلِفَ فيها، وأذكر ما هو الراجح، وأذكر ما يجب عليه المسلم عندما يسمع الأدلة ونحوها.
وقع الخلاف في المسائل الفروعية بين الصحابة، ولم يَقَعْ بينهم خلاف في العقائد. الخلاف الذي في العقائد إنما كان في غيرهم؛ وذلك لأن هناك مبتدعة خرجوا –وليس فيهم والحمد لله من الصحابة- خرجوا على الصحابة وسُمُّوا خوارج، وكذلك مبتدعة سموا قدرية، وسموا معطلة، وسموا معتزلة، وسموا جَهْمِيَّة، وسموا مُعَطِّلة، وما أشبه ذلك من المسميات التي لا أساس لها؛ وإنما هي بِدَعٌ محدثة في العقيدة؛ فمثل هذه لا عِبْرَةَ بخلافاتهم؛ وذلك لأنهم خالفوا الأدلة، وحَكَّمُوا عقولهم في السنة، وفي كتاب الله تعالى، فلا نتعرض لخلافاتهم؛ حيث إنهم بعيدون من الصواب؛ وإنما نذكر بَعْضَ المسائل التي في الخلافات الفروعية؛ الخلافات في الأحكام، يعني: في العبادات وفي الطهارة، وفي الصلاة وفي الصوم، وما أشبه ذلك.
هذه الخلافات منشؤها أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكونوا كلهم قد استغرقوا السنة، ولا قد حفظوا الأدلة كُلَّهَا؛ فكثير منهم ما حفظوا جميع آيات القرآن، وكثير منهم ما حفظوا نصوص السنة التي تَكَلَّمَ بها النبي -عليه الصلاة والسلام- ودَلَّلَ عليها؛ فلأجل ذلك وُجِدَ بينهم خلاف في مسائل اجتهادية، بعضها ما سمعوا الدليل فيه، وبعضها لم يكن عليه نَصٌّ صريح من النبي -صلى الله عليه وسلم- بل تركه مَحَلًّا للاجتهاد، فكان في ذلك الخلافات التي وقعت بين الصحابة -رضي الله عنهم-.
ولا شك أن فيها توسعةً على الأمة، كما رُوِيَ أن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- قال: ما أحب أن الصحابة لم يختلفوا في الأحكام؛ وذلك لأنهم لو اتفقوا فخالفهم شخص لَعُدَّ مبتدعا، ولَعُدَّ مخالفا؛ فإذا اختلفوا فأخذ هذا بقول هؤلاء، وهذا بقول هؤلاء لم يكن هذا أصوب من هذا، ولم يكن هذا أبعد من هذا؛ بل كل منهم له سلف من الصحابة، وله مَنْ اعتمد على قوله.
وبعد ذلك نقول: إن المسائل التي اختلفوا فيها كلها تتعلق بالأحكام وبالفروع، وإن الاختلافات سببها الاجتهاد في المسائل التي ليس فيها نَصٌّ صريح؛ وإلا فإنهم متى وجدوا النص الصريح فإنهم لا يَعْدِلُون عنه؛ بل يقولون به.
وهكذا حصل الاختلاف –أيضا- بين الأئمة الأربعة الذين دُوِّنَت مذاهبهم، واحتفظ بها إلى اليوم؛ فإنه وقع بينهم خلاف؛ وهم مع ذلك لم يُضَلِّلْ بعضهم بعضا؛ بل كل منهم يعترف بالآخر، ويدعي أنه تلميذ له، وأنه شيخه، وإن كان مخالفا له في نوع من الاجتهاد.