قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
درس الفجر
5245 مشاهدة
أركان الوضوء

وقد عرف أن الوضوء لا بد أن يكون كاملا أن تتم أركانه، ذكروا أن أركان الوضوء ستة: غسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، والترتيب، والموالاة، الأربعة التي هي غسل أو مسح أدلتها القرآن الكريم، فالوضوء الكامل غسل هذه الأعضاء، إذا غسلها كما أمر ارتفع حدثه، من غسل الوجه المضمضة والاستنشاق الجمهور على أنهما واجبان تبع الوجه، المضمضة: أخذ ماء وتحريكه في الفم ثم يمجه، والاستنشاق: إدخال الماء في المنخرين واجتذابه بقوة النفس، فإن هذا هو حقيقة المضمضة والاستنشاق، وقد دل على إتباعهم الوجه أدلة منها حديث روي بلفظ إذا توضأت فمضمض وحديث آخر لفظه وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما والمبالغة معناها: قوة اجتذاب الماء في المنخرين حتى ينظف ما فيهما، والمضمضة: وضع ماء في فمه ثم تحريكه بالأصابع مسح أسنانه وتحريكه ثم يمجه، فهذان من تمام غسل الوجه .
خالف في ذلك بعض العلماء كالشافعية وقالوا إن الوجه هو: ما تحصل به المواجهة والمنخران مستتران وكذلك الفم تستره الشفتان فكيف يدخلان في الوجه، الوجه: ما تحصل به المواجهة، ولكن نقول الصحيح أنه أن الوجه يدخل فيه الفم والأنف وذلك لأنهما في حكم الظاهر، وذكروا تعليلات توسعوا فيها، أما غسل اليدين فيكون بعد غسل الوجه إلى المرفقين أي: مع المرفقين وفي حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدار الماء على مرفقيه والمرفق هو: المفصل الذي بين الذراع والعضد، يدخل في الغسل وتكون إلى بمعنى: مع أي مع المرفقين، ومثله الكعب الكعبان في القدمين في كل قدم كعبان وهما: العظمان الناتئان في ظاهر القدم، فيدخل الكعب في الغسل وتكون إلى بمعنى مع أي: مع الكعبين، والكعب: منتهاه مستدق الساق فيغسل إلى مستدق الساق .
وأما مسح الرأس ففي كيفيته خلاف، والصحيح أنه يمسح كله، واكتفى الحنفية بمسح الربع، واكتفى الشافعية بمسح بعضه، ولو شعرة، وفي هذا تساهل، فالذين قالوا يكتفى بأن يمسح ولو برأس إصبعه يصدق عليه أنه مسح، قالوا إن الآية وهي قوله: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ الباء للتبعيض أي: بعض رؤوسكم، ولكن هذا غير صحيح لم تأت الباء بمعنى التبعيض وإنما هي بمعنى الإلصاق: ألصقوا المسح برؤوسكم، فيبدأ بمقدم رأسه وينتهي بالمسح إلى مؤخر رأسه ويمر يديه مبلولتين بالماء على جميع رأسه ثم يرد يديه إلى المكان الذي بدأ منه وهو الناصية،.
ويمسح الأذنين، الأذنان ورد أنهما من الرأس في أحاديث كثيرة الأذنان من الرأس فلأجل ذلك يمسحان مع الرأس، وكيفية مسح الأذنين أن يدخل السبابتين في صماخي الأذنين، يدخل السبابة في صماخ الأذن يعني في خرق الأذن، ولا يلزمه أن يتتبع الغضاريف غضاريف الأذن بل يكفيه إدخال الإصبع في خرق الأذن، كذلك يمسح ظاهر الأذن يمسح ظاهرها بإبهامه، فيكون السبابة في خرق الأذن والإبهام يمسح ظاهرها .
من تمام غسل الوجه غسل الشعر الذي هو ظاهر، فإن كان الشعر كثيفا كفى غسل ظاهره، واستحب تخليله بإدخال الأصابع فيما بين الشعر، حتى يغسل داخله، أو بدلكه إلى أن تبتل البشرة، ويبتل داخل كل شعرة ويصدق عليه أنه غسل شعر وجهه؛ وذلك لأن شعر الوجه مما تحصل به المواجهة يعني يحصل المقابلة عند المقابلة يحصل بذلك أنه يرى شعر وجهه، أما إذا كان شعره خفيفا فيلزمه أن يدلكه وأن يغسل ظاهره وداخله وبشرته وجلدة الوجه التي نبت فيها الشعر.
ومن تمام مسح الرأس مسح الأذنين هذا دليل من قال إن الواجب المسح كله الأحاديث التي فيها صفة مسحه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بيديه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم يمسح أذنيه هكذا كان، وأما الحنفية فيقولون إنه يكتفى بالربع إذا مسح ربعه كفى ويستدلون بالحديث الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته وعلى العمامة والخفين والجواب أن العمامة كانت قد سترت الرأس شدا قويا فيصعب عليه رفعها وكان قد بدت مقدمة رأسه وهي الناصية فمسح الناصية وكمل المسح على العمامة، فهذه من أركان الوضوء .
كذلك غسل القدمين من أركان الوضوء، والغسل: هو صب الماء عليها إلى أن يُمر اليد عليها فالأصل في الغسل: أنه إمرار اليد على المغسول للتأكد من نظافتها والتأكد من ابتلالها بالماء الآية قوله: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فيها قراءتان ..سبعيتان قرأها بعضهم بالخفض ( وأرجلكم ) وقرأها آخرون وَأَرْجُلَكُمْ وقد ذهب إلى مسح القدمين الرافضة، يدعون أن المسح للرأس والرجلين والغسل للوجه واليدين، ويستدلون بالقراءة هناك قراءة ( وأرجلكم ) وأجازها القراء لأنها مشتهرة، ولكن حملوها على الغسل الخفيف؛ وذلك لأن الرجلين مظنة الإسراف؛ والإسراف في الوضوء لا يجوز، فلذلك يطلق عليها مسح، وقال بعضهم: إن المراد بالمسح هنا الغسل وكانوا يقولون تمسحت للصلاة أي: توضأت لها وضوءا خفيفا فعلى هذا تحمل تلك القراءة.
وذهب الرافضة إلى أنها تمسح الرجل فهم من عقيدتهم يمسح رأسه ويمسح رجله بدون غسل، ولا شك أن هذا مخالف للدليل قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم – شدد في الوضوء فجاء إلى أصحابه مرة وقد توضئوا سراعا وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا والأعقاب جمع عقب وهو: مؤخر القدم فوق العرقوب وخلف الكعبين مكان منخفض، إذا توضأ بسرعة زل عنه الماء فجاء وأعقابهم بيض لم يمسها الماء فرفع صوته وقال ويل للأعقاب من النار ؛ ولأن المسح لا يسمى إسباغا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما هكذا جاء في هذا الحديث أسبغ الوضوء والإسباغ هو: المبالغة ولكن بدون إسراف وبدون إفساد، المبالغة تحصل بالتأكد من ابتلال البشرة بالماء، وإمرار اليد على المغسول .
وأقل الغسلات المجزئة غسلة واحدة لكل عضو، والغسلتان أفضل من الغسلة الواحدة، وثلاث غسلات أفضل من غسلتين؛ لأنه والحال هذه يكون قد نظف وجهه ونظف أيضا أعضاءه، ولا يزيد على الثلاثة نهاية غسل كل عضو ثلاثة ما زاد على ذلك يعتبر إسرافا، الإسراف هو: إفساد الماء وإراقته بغير فائدة ولو كان الماء رخيصا، ولذلك في سنن ابن ماجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على سعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: لا تسرف قال: وهل في الماء إسراف قال: نعم وإن كنت على نهر جار يعني لو كنت على نهر يجري فلا تسرف بكثرة صب الماء؛ وذلك لاحترام الماء ولو كان الماء رخيصا فإن له مكانة وله حرمة، سيما في هذه الأزمنة فإن الماء يكلف الإحضار له في كثير من البلاد لا يحصل إلا بدراهم كثيرة فلا يجوز كثرة الإسراف .