شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
طلب العلم وفضل العلماء
11802 مشاهدة
شروط طلب العلم

ولكن لا بد أن يعرف ذلك الشخص الذي يتعلم العلم أنه لا يحصل في وقت قصير، بل لا بد من الممارسة، ولا بد من الصبر على المشقة والصعوبات التي قد تلاقيه، والخسران والنفقات المالية ونحو ذلك، حتى لو اقتصر على جانب من العلم فيه كفايته وفائدته، فقد روي عن بعض الشعراء أنه قال:
أخـي لن تنال العلم إلا بستـة سـأنبيك عـن تفصيلهـا ببيـان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغـة وصحبـة أسـتاذ وطـول زمـان

هذه الستة إذا اجتمعت في إنسان رجي أن يكون موفقا في تحصيل العلم النافع فأما أولها وهو الذكاء فإنه يخرج البليد الذي يكون غافلا أو مغفلا غير عاقل، ولا متعقل لما يقول، ولا حافظ، فإنه يتعب نفسه ولا يحصل على فائدة، بل كلما حصل على شيء ذهب من ذاكرته ونسيه، أو تغافل عنه.
وأما الثاني وهو الحرص، فإنه يدل على أن طالب العلم عليه أن يحرص أشد الحرص، فهو الذي يبعث على مواصلة الطلب ليلا ونهارا وفي الأيام كلها، ولا يخص ذلك بوقت دون وقت.
وكذلك الاجتهاد، الذي هو بذل الجهد من النفس والمال، والجهد هو غاية المستطاع، أي: يبذل جهده فيسافر مثلا للتعلم ويقطع المراحل، ويسهر الليالي وما أشبه ذلك مما يدل على أنه مجتهد، وصادق الرغبة.
وأما البلغة التي هي الزاد الذي يقتاته فإن هذه من ضروريات الحياة؛ فالذي يتعلم وهو فقير وغريب ليس عنده مال يقتاته، أي: يأكل منه ويقوت به نفسه لا تهنأ حياته ولا يستمر في التعلم؛ فالطالب بحاجة إلى أن يكون له كسب أو دخل، بأن يكون له أبوان قد قاما بكفايته والنفقة عليه، أو له غلة أو دخل، أو له حرفة يحترف بها في وقت من أوقاته يكون كسبه منها يقوم بكفايته والنفقة عليه في وقت الطلب؛ حتى يواصل سيره، ويتعلم إلى أن يحصل على جانب من العلم فيه الكفاية.
وأما صحبة المدرس أو المعلم فهو أيضا من الضروريات لتحصيل العلم النافع؛ فإن الذي يتعلم على نفسه، أو يتعلم عن من هو دونه مثلا، أو يطلب العلم من الكتب ولا يفقه ما تتضمنه، قد يقع في أخطاء، وقد يمل ويتكاسل، فلا يحصل على المطلوب.
وأما طول الزمان فإن من رغب في تحصيل العلوم والفوائد لا يمل ولا يضجر ولو طال الزمان، ولو بقي في الطلب عشرات السنين، كما كان العلماء -رحمهم الله- يواصلون سيرهم ولو بلغوا ما بلغوا فإن الإنسان كلما حصل على علم ازدادت معرفته وازداد تذوقه حلاوة العلم، وتوسعت المعارف أمامه، ولا شك أن العلوم تتراكم وتتكاثر عليه.
ولذلك يقول بعض العلماء: إن العلم كثير وإن العمر قصير، فينبغي للإنسان أن يبدأ بالأهم فالأهم.
ولا شك أن الأهم هو ما يفيدك في حياتك وفي عباداتك وهو علم التشريع والديانة، وتقتصر من بقية العلوم على ما أنت بحاجة إليه فقط، فالتوسع في العلوم الأخرى قد يشغل الإنسان عما هو أهم منه، حتى قال بعض العلماء في علم النحو: النحو في الكلام كالملح في الطعام. بمعنى: أنه لا حاجة إلى الإكثار منه، فلا تتوغل فيه وتكثر فيه فيذهب وقتك ويذهب عمرك وحياتك دون أن تحصل على شيء مفيد غاية الفائدة، ولا تتركه فتقع في الأخطاء وفي اللحن وفي الأغلاط، بل اقتصر منه على ما يصلح حالتك. كما أن الملح في الطعام لا يزاد منه ولا يقلل منه؛ فإن زيد منه أفسد الطعام، وإن قلل منه فالطعام لا يستساغ أكله، بل يقتصر على قدر الحاجة.
إذا كان هذا في علم النحو الذي مدحه بعضهم بقوله:
وإذا طلبت من العلوم أهمها فأهمهـا منهـا مقيم الألسن

فكيف ببقية العلوم التي فائدتها قليلة، أو قد تكون مضرتها محققة؟!