إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14135 مشاهدة
رمضان عند أهل الدنيا

بعد ذلك نأتي إلى القسم الثاني: وهم الذين يستقبلون رمضان بالاستعداد لأمور الدنيا، فنقول:
إن كثيرا من الناس يعتبرون رمضان موسما للأرباح الدنيوية، وموسما للتجارات، وموسما لتنمية الأموال، وموسما للمكاسب، فإذا أقبل رمضان رأيتهم يدخلون الأسواق، ويشترون ما يناسب الناس، رأيت أصحاب الدكاكين قد ملئوها من الأشياء التي يظنون أنها تروج في هذا الشهر، وأن لها أسواقا ملموسة، وليس ذلك خاصا بالمآكل ونحوها، بل يتخذون رمضان موسما لتنمية الأموال، فتجد أهل الدكاكين طوال ليلهم إلى الساعة الثالثة أو ما بعدها وهم مفتحة أبواب دكاكينهم طوال الليل، لا شك أنهم يأتيهم من يشتري منهم، وأنهم يربحون أموالا، فإذا أقبل رمضان جلبوا السلع التي يظنون أن لها روجانا.
فهؤلاء يستقبلون شهر رمضان بجعله موسما للأموال، وموسما للتجارات والأرباح الدنيوية، وموسما للمكاسب العاجلة الدنية، هكذا تشاهدون الكثير من الناس لا ينامون في رمضان إلا قليلا ..، ولو لم يأتهم من يشتري منهم لما وقفوا أو جلسوا في متاجرهم، لا شك أن هؤلاء ما جعلوه شهر عبادة، بل جعلوه شهر دنيا، كثير منهم يتركون صلاة التراويح، وربما يتركون النوافل، سنة الظهر مثلا البعدية، وسنة العشاء، وسنة المغرب، ويقتصرون على الفريضة إن صلوا مع الجماعة.
وإذا قيل لهم: لماذا تفرطون في قيام رمضان ؟ اعتذروا بأن هذا موسم، وأن الناس - إذا أغلقنا مثلا - يشترون من فلان وفلان، ونحن قد تعبنا، وجلبنا هذه السلع، ونذرنا، أو بذلنا فيها مالا، وإذا انتهى هذا الموسم ولم نبع ما اشتريناه كسدت عندنا، هكذا يتعللون، وكذلك: أصحاب الحرف، وأصحاب الورش، وأصحاب المؤسسات، وأصحاب التمويلات والأسواق، وما أشبهها، يستقبلون رمضان بجلب السلع التي يظنون أنها تناسب الناس، وأنها تروج عند كثير منهم، فهؤلاء لم يجعلوه شهر عبادة، بل جعلوه شهر عادات، أو شهر دنيا، أو نحو ذلك.
كذلك أيضا آخرون يستقبلونه بجعله شهر شهوات، شهر مآكل، ومشروبات، ومستلذات، وما أشبهها، ذكر بعضهم أنه اشترى أمة مملوكة - وكانت من الصالحات- فلما أقبل رمضان، قالوا: سوف ندخل الأسواق؛ لنتأهب لرمضان، نشتري أغراض رمضان، فقالت: لقد كنت عند قوم كل سنتهم رمضان، أو كل عامهم رمضان.
ما المراد بأغراض رمضان ؟ تسمعونها كثيرا: نريد أن نشتري أغراض رمضان، ندخل في الأسواق قبل رمضان بيوم، أو بيومين، أو بثلاثة أيام نشتري أغراض رمضان، إذا نظرنا وإذا هي مأكولات، وإذا هي مطاعم أطعمة يشترونها لأنفسهم، فيشترون مثلا: أنواع اللحوم.