إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
19318 مشاهدة print word pdf
line-top
أهم خصائص شهر رمضان

فمن خصائصه أن الله فرض صيامه، وهذه الفرضية على المكلفين من أمة الإسلام فريضة، وركن من أركان الإسلام، ولن نتكلم أيضا على أحكام الصيام لطولها، ولكن نذكر بعض فوائد الصيام على وجه الاختصار، فنقول:
إن الله ذكر فائدة عظيمة للصيام وهي التقوى. قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ والتقوى هي: توقي المعاصي؛ أي: لعلكم تتقون معصية الله، وتتوقون عذاب الله. فالصيام سبب من أسباب التقوى، وذلك لأن الصائم يتقرب بترك الطعام والشراب ونحوهما، فإذا تقرب بذلك وهو حلال؛ حملته نفسه على أن يتقرب بترك الحرام بطريق الأولى. إذا دعته نفسه إلى محرم فكر، وقال: أنا الآن أترك الحلال؛ فكيف أفعل الحرام؟!‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ والذي يفعل الحرام -وهو صائم- لا شك أنه لم يتأثر بالصوم؛ فالذي إذا صام ارتكب الآثام هذا ليس من أهل التقوى. فأنت لك أن تحكم على العاصي بأنه لم ينتفع بصومه؛ أيا كانت معصيته، سواء كانت معصية اللسان وهي التي حذر منها الإسلام، وورد في الأحاديث النهي عنها تحذيرا، وهي في الصيام أشد كقوله -صلى الله عليه وسلم- من لم يدع قول الزور، والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .
وقال: رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وقال: ليس الصيام من الطعام والشراب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث وقال جابر إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الغيبة والنميمة، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
فهذه فائدة من فوائد الصيام، وهو أنه يسبب التقوى، والنهي عن المحرمات القولية، والفعلية؛ الفعلية كثيرة؛ كأكل الحرام، والكسب الحرام مثلا، وكذلك استماع الأغاني، والملاهي، والنظر إلى الأفلام الخليعة وما أشبه ذلك، ويعم ذلك الزمان كله. فالذين مثلا ينشغلون في أوقاتهم أو يشغلونها في حرام، ويزعمون أنهم بذلك يسلون أنفسهم؛ يقال لهم: ما نفعكم صيامكم.
يسأل الكثير ويقولون: إننا في ليالي الصيام أو في نهار الصيام قد نستطيل الأيام، قد نستطيل الأوقات؛ قد نمل من الوقت، فنحتاج إلى أن نسلي أنفسنا، نتسلى باللهو، نتسلى باللعب، نتسلى بلعب الأوراق، نتسلى بسماع الغناء، نتسلى مثلا بلعب الشطرنج أو ما أشبه ذلك من الملاهي، ولا تشغلنا عن الصلاة. إذا دخل وقت الصلاة بطلناها وذهبنا إلى العبادة؛ هكذا يقول. هل هذا عذر؟ نقول: ليس بعذر. وقتكم الذي أنتم فيه محسوب عليكم؛ محسوبة عليكم ساعاتكم ودقائقكم؛ تحاسبون عليها، ولا أحب أن أدخل في بيان نفاسة الوقت فإن الموضوع ليس بموضوعنا، ولكن أحثكم مطلقا على حفظ الوقت، فأقول: بدل ما تشغلون وقتكم في نظر إلى أفلام، أو سماع إلى أغان، أو لعب بكيرم أو ما أشبه ذلك من الألعاب، أو لعب بشطرنج، أو لعب بلهو، أو لعب أو كرة أو ما أشبه ذلك؛ مما يذهب عليكم الأوقات، ويضيعها. لماذا لا تشغلونه بشيء يفيدكم؛ حتى تجمعوا بين العملين؛ حفظ الصيام، وحفظ الأوقات؟
الذي يفيدكم مثلا: قراءة القرآن، فإن رمضان له خصوصية بالقرآن. قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ وفي الصحيح عن ابن عباس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان؛ حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يدارسه القرآن في ليالي رمضان، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.
والشاهد منه أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يعرض القرآن على جبريل وكانوا يتدارسونه في كل ليلة من ليالي رمضان. أليس لنا أسوة به -عليه الصلاة والسلام-؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .
أدركت مشائخنا وآباءنا في ليالي رمضان يجتمعون على القرآن؛ فيدرسون ثلاثة أجزاء في كل ليلة بعد صلاة التراويح؛ يقرءون فيها ثلاثة أجزاء قراءة مرتلة مجودة معقولة، يتدبرون فيها، ويتعقلون، ويستفيدون، ويعرض كل منهم قراءته على رفقته. كل واحد يقرأ ثمنا.
لو أحيينا هذا لكنا عاملين بالسنة في أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يدارس جبريل القرآن ، وكان المسلمون يفعلون ذلك.
إذا اجتمعت أنت وأربعة وعشرة في بيت أحدكم الليلة، وفي البيت الثاني الليلة القابلة؛ كل ليلة تقرءون ثلاثة أجزاء، أو جزأين، قراءة تمعن وما أشبه ذلك؛ لكنت بذلك مستفيدا وسالما من اللهو.
وكذلك لو شغلت وقتك في دراسة القرآن بمفردك؛ بأن تشتغل بحفظ ما تيسر منه، تتحفظ. أنت بحاجة إلى استظهار القرآن وحفظه، فاشغله في هذا الوقت النفيس؛ الذي هو وقت إنزاله. في كل يوم بعد العصر وبعد العشاء وبعد الفجر، تقرأ لك ما تيسر، تقرأ وتحفظ ثمنا، أو نصف ثمن، أو ثمنين؛ على قدر قوة ذاكرتك، وعلى بعد ما تستفيد من وقتك، وتحفظ زمانك، وتحفظ كلام ربك. أليس هذا خيرا من اللهو؟! أليس هذا خيرا من اللعب؟!
كذلك أيضا أنت مطالب بهذه الدراسات اليومية؛ التي أنت تأتي لأدائها في مثل هذه المدارس. ألست مطالبا بواجبات؟! أليس قيامك بواجباتك، وأداؤك للواجب الذي أنت ستؤديه خيرا من اللعب، خيرا من اللهو، خيرا من مقابلة الأفلام والصور، وسماع الأغاني ونحو ذلك، خيرا من اللهو واللعب، خيرا من الاجتماعات الفارغة التي لا فائدة فيها؟! إذًا هذا مما تشغل به وقتك أن تحضر بدروسك؛ إما وحدك وإما مع صديقك وزميلك، وتقرأ فيها حتى تؤديها في نهاية السنة، وقد هضمتها، وعرفتها، وحتى تدرس كل درس، أو كل يوم تؤديه أو تتلقاه، وقد استفدت منه، وتبقى أثاره معك طوال حياتك.
الطلاب الذين يدرسون في هذه المدارس؛ في المراحل الابتدائية والمتوسطة وما بعدها، لماذا يدرسون؟ هل يدرسون لمجرد تجاوز المرحلة فقط، والنجاح وهو مجاوزة الاختبار؟ أو يدرسون لأجل أن تبقى معهم آثار وبقايا من تلك المعلومات؟ فالذي إنما يدرس لأجل حمل الشهادة والمؤهل ومجاوزة المرحلة لا خير في دراسته؛ أما الذي يدرس للاستفادة فإنه هو الذي استفاد من حياته.
وكيف تعرف أن هذا مستفيد من حياته، ومن دراسته؟ هو أن يبقى معه معلومات طوال حياته. متى تبقى هذه المعلومات؟ إذا كان يكررها، وإذا كان يعمل بها، وإذا كان يطالعها، وإذا كان يهضمها هضما؛ فيشتغل بها في وقت فراغه؛ بأداء الواجبات ونحوها، وينشغل بها عن غيرها من ما هو مله وقاطع وصاد عن الطريق المستوي، هذا مما تشغلون به أوقاتكم؛ فهو خير من هذه الملاهي.
أقول: إن من فوائد الصيام حصول التقوى التي قال الله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وإن التقوى تحصل بتوقي عذاب الله، وتوقي أسباب العذاب، فمن فعل ذلك فهو -إن شاء الله- من المتقين، ومن وقع في الحرام، وقع في الآثام، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه؛ كما ورد في الأحاديث.
من خصائص رمضان أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكرنا: شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا وفي حديث آخر أنه قال: إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه وقال عليه الصلاة والسلام- من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .
القيام معناه الصلاة في الليل، هكذا القيام، ليس القيام هو السهر. غالبا أن الناس في رمضان يسهرون طوال ليلهم، قل أن ينام منهم أحد، ومن نام فإنما ينام ساعتين، أو ثلاثا، وإلا فإنهم يبيتون طوال الليل، ويجعلون النهار نوما. نقول: لا بأس بالسهر، ولكن على خير، ومن أفضل ما يقطع به الليل الصلاة ومن الصلاة التي يقطع بها صلاة التراويح.
هذه التراويح من خصائص رمضان ؛ الاجتماع على أداء هذه الصلاة بطمأنينة، وراء إمام يحسن القراءة، ويطمئن في صلاته؛ هذه من أفضل العبادات التي رتب عليها مغفرة الذنوب: غفر له ما تقدم من ذنبه فيحتسب المسلم، ويصلي مع المصلين، ويشاركهم في الأجر، ويحتسب أن يبقى إلى أن ينهي الإمام صلاته؛ ليكتب له قيام ليلة.
ورد في حديث: من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ؛ يعني: في صلاة التراويح، فهذه من أفضل الأعمال التي اختص بها رمضان.
و من خصائص رمضان كثرة تلاوة القرآن كما قلنا، والأفضل للإنسان أن يجعل له حزبا يوميا يقرؤه بعد العشاء أو بعد الفجر أو بعد العصر، أو في أوقات الفراغ مثلا كأيام العطل كالإثنين والخميس، وآخر الشهر الذي هو عطلة دراسية وما أشبه ذلك، وليحرص على أن يكثر من تلاوة القرآن.
فكان السلف -رحمهم الله- يقبلون على قراءة القرآن، ويقولون: إنما هو شهر قراءة وذكر، وقد روي عنهم في ذلك آثار قد تكون غريبة؛ حتى روي عن الشافعي -رحمه الله- أنه كان يختم القرآن في كل نهار وفي كل ليل؛ يختم في رمضان ستين ختمة؛ ختمة في الليل، وختمة في النهار، زيادة على ما يقرؤه في الصلاة.
وقد كان بعض مشائخنا وآبائنا يختمون بين الفجر والظهر. يجلس أحدهم في مجلسه، ولا يأتيه وقت الظهر إلا وقد ختم القرآن؛ وذلك لأن الله تعالى يسره عليهم، وسهله على ألسنتهم؛ فهو لا يعوق أن يسرعوا في قراءته؛ مع أنها قراءة معقولة، ليست حدرا .. بسرعة شديدة؛ بل قراءة معقولة، ولكن مع ذلك سهل عليهم. قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يسره الله بألسنتهم. نحن لا نقول: افعلوا مثلهم، ولكن على الأقل في كل ثلاثة أيام ختمة، أو في كل خمسة أيام، أو في كل أسبوع ختمة؛ على حسب جهد المسلم، فإذا فعل ذلك اغتنم الوقت، وحصل على الأجر.
و من خصائص رمضان: كثرة الذكر ؛ الذكر الذي قال فيه النبي -عليه السلام- في الحديث الذي سمعنا؛ يقول: فأكثروا فيه من أربع خصال ؛ جعل منهم الذكر، وهو: قول لا إله إلا الله والاستغفار، وذكر الله تعالى بعد الصلوات مشروع، وكذلك عند النوم، وكذلك عند الصباح والمساء، وكذلك في سائر الأوقات، وأفضل الذكر التهليل والتسبيح والتحميد والاستغفار والحوقلة وما أشبه ذلك، وينبغي مع ذلك أن يأتي بها وقد فهم معناها؛ حتى تؤثر فيه فيتعلم، مع أن هذه الكلمات التي هي الباقيات الصالحات. ورد في حديث في تفسير قول الله تعالى: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ أنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
ورد في حديث آخر: أفضل القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر هن من القرآن، وهن أفضل الكلام الذي يؤتى به ذكرا، فتتعلم معنى التهليل، ومعنى الاستغفار، ومعنى الحوقلة، ومعنى التسبيح والتكبير، والحمد وما أشبه ذلك، تعلم معناها حتى إذا أتيت بها أتيت بها وأنت موقن بمضمونها، وأنت طالب لمستفادها.
وكذلك من خصائص رمضان: الترغيب في الدعاء ؛ يعني: أن يكثر من الأدعية؛ لأن رمضان موسم من مواسم الأعمال، ولا شك أن المواسم مظنة إجابة الدعاء ؛ مظنة إجابة الدعاء للمسلم، فإذا دعوت الله تعالى بالمغفرة وبالرحمة، وبسؤال الجنة وبالنجاة من النار، وبالعصمة من الخطأ، وبتكفير الذنوب، وبرفع الدرجات وما أشبه ذلك، ودعوت الله دعاء عاما بنصر الإسلام، والتمكين للمسلمين، وإذلال الشرك والمشركين وما أشبه ذلك؛ رجي بذلك أن تستجاب هذه الدعوة من مسلم مخلص؛ ناصح في عمله.
وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من الدعاء بسؤال الجنة، وبالنجاة من النار؛ وذلك لأنها هي المآل؛ مآل ونهاية ما يتمنى، وما يُسأل وما يُطلب؛ سؤال الجنة والنجاة من النار.
ومن خصائص رمضان، أو مما يندب فيه: الاعتكاف في آخره، أو في ما تيسر منه، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
والقصد من الاعتكاف هو: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق. المعتكف وهو الذي يقطع علاقته بالناس، ويتفرغ لعبادة ربه، ويكون في المسجد حتى لا ينشغل عن الصلوات والعبادات التي تؤدى في المساجد، ويفعل من القربات ما يستطيعه.
إذا كان معتكفا فإنه قد انقطع عن الدنيا، وقد انقطع عن الشهوات، وعن أهله، وعن ماله ونحو ذلك، وأقبل على ربه؛ فهو يشغل وقته كله في عبادة؛ إن في صلاة، إن في ذكر، إن في قراءة، إن في دعاء، إن في تدبر قلبي، إن في تفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته؛ فيكون وقته كله عبادة؛ منقطعا عن الأشغال الدنيوية، وهذا من العبادات التي قد أو نخاف أن تكون قد أميتت.
يقل الآن من نراه معتكفا في المساجد -إلا ما شاء الله- ينبغي لك ألا تحقر نفسك من هذه العبادة، ولو أن تعتكف يوما؛ يوما كيوم جمعة مثلا أو يوم عطلة، أو في آخر الشهر يومين أو ثلاثة؛ إذا ما تيسر لك لأجل الدراسة ونحوها أن تعتكف العشر كلها، تعتكف نصفها، أو ثلثها، أو ما تيسر منها؛ حتى تحيي هذه السنة.
ومما أيضا يضاعف أجره في رمضان: العمرة في رمضان ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال: تعدل حجة معي إذا تيسر للمسلم أن يأتي بعمرة في رمضان في أوله أو في آخره أو في وسطه؛ يؤدي فيها هذه المناسك، ويتعبد فيها بالعبادات التي تختص بمكة وتضاعف هناك، فإن له بذلك أجرا -إن شاء الله-.
فهذه بعض الوصايا التي أوصي بها في مثل هذا الشهر، ولكن أهمها:
احترام الشهر، ومعرفة وقته، ومعرفة مزيته وفضله، فإن الإنسان متى عرف أن زمانه زمن شريف؛ بخل به أن يشغله في شيء يقطعه عن الخير، أو يشغله بالشر، والبخل في الزمان مما يمدح به. يعني: البخل مذموم، ولكن قد يكون ممدوحا، إذا قيل: فلان بخيل، بخيل بماله، فهو مذموم، بخيل بوقته، فهو ممدوح، فأنت تكون من الذين يمدحون بالبخل، وهو شحك بوقتك أن يذهب منه شيء في غير فائدة، فإذا فعلت ذلك -إن شاء الله- استفدت من زمانك، واستفرغت وقتك في شىء يفيدك؛ هذه وصيتي لأبنائي الطلاب، ولإخوتي الحاضرين.
وأسأل الله -عز وجل- أن يبلغنا شهر رمضان، وأن يجعلنا ممن صامه وقامه، وأن يجعلنا وإياكم من الذين صاموا الشهر واستكملوا الأجر، وأدركوا ليلة القدر، وفازوا بجائزة الرب، وأن يغفر لنا ذنوبنا، ويكفر عنا خطايانا، ويرفع لنا درجاتنا. إنه ولي ذلك، والقادر عليه، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد .
أسئـلة
س: جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء، ونفعنا بكلمته هذه. حقيقة إن الأسئلة كثيرة؛ حتى يعنى الشيخ يجيب على أكثرها، أو نصفها. هناك سؤال أحد الإخوان يقول: ما هي الطريقة المثلى التي يختار بها أصدقاءه ورفاقه؟
أنت تعرف الصالح -إن شاء الله- ممن ليس بصالح؛ فإذا رأيت الإنسان يحافظ على الصلوات فإن ذلك من سِِما الصالحين؛ فتختاره صديقا، وإذا رأيته يحب الصالحين، ويقرب منهم، وإذا رأيته يحب الأعمال الخيرية، ويذكر الله، ويشكره، ويثني عليه، ويتعبد، ويؤدي العبادات في وقتها، وإذا رأيته ينفر عن الشر، وعن اللهو، وعن المعاصي، ويبتعد عنها، وعن أهلها؛ فهذا هو الذي يصلح أن تختاره صديقا، ولو قدر أنك اخترته، ثم رأيت منه بعد ذلك تغيرا فلك أن تمقته، وأن تبغضه، وأن تفارقه، وتعدل عنه إلى غيره. التغير قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل؛ فعلى كل حال الصديق هو الجليس الصالح؛ في الحديث: لا تصحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي فاصحب ورافق من يكون مؤمنا؛ يعني: صادق الإيمان. نعم
س: فضيلة الشيخ: إني أحبك في الله. أنا شاب تعرفت على رفقة طيبة؛ لكن أهلي منعوني من الالتقاء بهم بحجة الدارسة؛ كما أفيدكم أن كثيرا من زملائي يمنعهم أهلهم من صحبة الأخيار بحجة الدراسة، أو خوفا عليهم من التزمت؛ بينما هم يطلقون لهم العنان في صحبة الأشرار. فما تعليقكم على هذا؟
نقول: أولا: أحبك الله، وجزاك خيرا على حب الخير، وحب أهله.
وثانيا: ننصحك على أن تتمسك بصحبة الأخيار، وألا تبالي من لامك، ومقتك في ذلك، وأما ما تراه من أهلك؛ فعليك أولا: أن تقنعهم، وتبين لهم أنك لا تريد إلا الخير، وأن رفاقك الذين أنت متصل بهم كلهم رفقة خير، ثم عليك أن تأتي بهم إلى أهليك، وتبين لهم الأعمال. تقول: هذا فلان، ماذا ينتقد عليه؟ هو من المحافظين على الصلوات، ومن المتنزهين عن الشبهات وما أشبه ذلك، وعملي معهم لا يشغلني عن الدراسة؛ فأنا وإياهم ندرس سواء، ونؤدي ونتفوق -إن شاء الله- في الاختبارات، ونقوم بالواجبات؛ بخلاف ما إذا صحبنا الأشرار، فإنهم يضيعون علينا وقتنا، ويوقعونا فيما يقدح في عدالتنا وفي ديننا؛ لعلهم -إن شاء الله- يقنعوا، ولكن حتى لو لم يقنعوا فإن معصيتهم في هذا واجبة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فلا يجوز لهم أن يأمروك بأن تصحب الأشرار، وإذا أمروك فلا تطعهم، وهكذا. نعم.
س: فضيلة الشيخ: إن بعض الشباب يعمل المعاصي، فإذا نصحهم أحد بترك هذه المعاصي يقولون: إنهم عندما يكبرون سوف يتوبون، فهكذا هم يعطون أفضل أيامهم للشيطان؛ فما حكم هذه التوبة عندما يكبرون؟
أولا: نقول: لكل مسلم أن يعمل من وقته الخير، ويترك الشر؛ سواء كان شابا أو شيبا. الشباب والشيب كلهم مخاطبون ومطالبون بأن يعملوا الأعمال الصالحة.
ثانيا: ننصح الشاب أن يبادر بالعمل، وألا يسوف؛ لا يسوف بالتوبة. الذين يقولون: ما دمنا في ريعان الشباب، وما دمنا في قوة أعمارنا، وما دمنا في مستقبل حياتنا، فلا بد أن نرفه عن أنفسنا، ونمتعها بالشهوات ولو كانت محرمة؛ فنقع في الخمور، ونقع في الزنا، ونقع في الغناء، ونتسلى بكذا وكذا، وبالألعاب ونحو ذلك، وإذا كبرنا تمكنا من التوبة، ورجعنا إلى الله. نقول: لا يجوز ذلك؛ لماذا؟
أولا: ليس معك يقين أنك تعمر؛ فربما يأتيك الأجل وأنت على لهوك، وسهوك، فتموت عاصيا، وتحشر إلى العذاب -والعياذ بالله- فكم حصل من موت الشباب، ومن موت الشيب! وكم عمر من هو كبير، واقتطع من هو صغير!
ثانيا: ليس معك يقين أنك تقدر على التوبة؛ فقد لا تقدر عليها فإن المعاصي تميت القلوب. الذين مثلا يركنون إلى المعاصي في صغرهم يألفونها في كبرهم، ويشق عليهم تركها؛ فكثير من الذين عصوا الله وهم في الشباب حاولوا التخلص، وحاولنا تخليصهم، فذكروا أنهم عاجزون، وأن هذا صار ديدنا، وعادة لهم؛ ألفوا هذه الملاهي، وأحبوها، وألفوا مثلا شرب الخمور، ولم يستطيعوا أن يتركوها. ألفوا أكل الحبوب والمخدرات ونحو ذلك، ولم يستطيعوا أن يتركوها؛ ألفوا سماع الأغاني، ولم يستطيعوا أن يتركوها، صارت عادة وجبلة لهم، فلم يتمكنوا من تركها؛ أنت ترضى أن تكون كذلك؟
‍ ثالثا: ربما يقول الإنسان: سوف أتوب عند الوفاة، ولكن لا يتمكن؛ فكم حيل بين العاصي وبين التوبة، ولم يتمكن منها! كثير من الذين كانوا منهمكين في المعاصي لما حضرهم الأجل. قيل لهم: توبوا، فقالوا: لا نقدر؛ يلقن أحدهم الشهادة فلا ينطلق بها لسانه، وما ذاك إلا أن المعاصي حالت بينه وبينها؛ فهل يرضى المسلم أن يكون كذلك؟ إذًا فنحث الشاب على المبادرة بالتوبة النصوح، وألا يسوف، ونبشره أنه إذا فعل ذلك كان من خيرة الله تعالى. تسمعون ويتكرر عليكم الحديث الذي في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ منهم: شاب نشأ في طاعة الله نشأ في عبادة الله، من الذين يظلهم الله؛ وذلك لأنه خالف ما تهواه نفسه، نعم.
س: السلام عليكم ورحمة الله. أبي لا يصلي، وأنا عندما أصلي يضربني أشد الضرب، وأنا عندما أصلي يقول لي: لماذا تصلي؟ أما أنا فأنا أنصحه أن يصلي، ولكنه لم يرضَ، فما الحل؟
لا تطعه في ذلك، وإن استعطت أن تتخلى عنه، وتفارقه إلى غيره فهو أفضل؛ مادام أنك لا تستطيع تقويمه. إن استطعت تقويمه، بأن تأتيه بمن ينصحه، وبمن يخوفه، وبمن يحذره رجاء أن يتوب فافعل، وإذا لم تستطع، وخفت على نفسك أن يفتنك، وأن يردك، ففارقه وانج بنفسك؛ النجا النجا.
س: أيضا هذا يسأل، يقول: أنا أصلي الصلوات الخمس، وأبي لا يصليها، أريده أن يصلي فماذا أفعل؟ وآخر يقول: أبي لا يصلي صلاة الجمعة، ويصلي بدلها الظهر، والفجر يصليها الساعة العاشرة، والعصر يصليها في وقت المغرب، فماذا أفعل؟ أفيدوني أثابكم الله.
لا شك في كثرة هؤلاء الذين يتخلفون، أو يتخلون عن الصلاة. هؤلاء كانوا في شبابهم من المفرطين؛ قد كانوا في شبابهم قبل مثلا عشرين أو ثلاثين سنة. كنا نعرف في هذه البلاد قبل ثلاثين سنة الشباب منحرفا -إلا ما شاء الله- القليل منهم المتمسك؛ الذي في سن العاشرة إلى الخامسة عشر ما نراهم يشهدون الصلاة، ولا غيرها، ولكن تراهم في الملاعب بكميات هائلة؛ هؤلاء نشأوا على هذا؛ فقست قلوبهم، ومرنوا على المعصية، وثقلت عليهم العبادة، فتزوجوا ولد لهم وهم على هذه الحالة، فصارت الصلاة عندهم ثقيلة كبيرة؛ كما في قول الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ فهدى الله أولادهم لما أنهم نشأوا في طاعة الله، أو صحبوا الأخيار وأهل الخير، أو تعلموا في مدارسهم آداب دينهم، فتبصروا، وبقي آباؤهم على عنت، وعلى عناد، وعلى خروج عن الجادة المستقيمة؛ فما واجب الأولاد؟ واجبهم أن يحذروا آباءهم من هذا الإهمال والتفريط، ومن عذاب الله تعالى، وإذا كان الآباء ممن قست قلوبهم، ومما لا يستفيدون.
فما على الأولاد إلا أن ينجوا بأنفسهم، وأن يصلحوا أحوالهم؛ هذا إذا بذلوا كل جهد في نصح أو في اجتلاب من ينصح. لا شك أن هذه الأفعال بشعة، فالذي يصلي ظهرا بدل الجمعة هذا لا جمعة له ولا صلاة له؛ وذلك لأن هذا اليوم هو اليوم الذي فرضه الصلاة في المسجد جمعة، ثم أيضا ترك الصلاة مع الجماعة. كذلك الذي ينام إلى أن يستيقظ في الساعة العاشرة أو الساعة الثامنة، أو حتى في الساعة السادسة بعدما يخرج الوقت؛ كل هؤلاء قد فوتوا على أنفسهم العمل الخيري، وهو أداء الصلاة في وقتها: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا فالواجب على أولادهم وعلى إخوتهم، وعلى أصحابهم أن يقوموهم، وإلا فليحذروهم، وليقاطعوهم.
س: هذا السائل يقول: أنا أبلغ من العمر ست عشرة سنة، المسجد قريب من منزلنا، ولا أصلي في المسجد؛ لأن الوالدة لا تسمح بذلك؛ لأنه يوجد شركات، والشوارع فارغة من حركة السائرين، فهي تخاف علي؛ فهل يجوز ذلك، أم لا؛ إذا منعتني من صلاة الفجر في المسجد؟
إذا كان الإنسان يخشى على نفسه؛ فله أن يصلي في البيت. إذا كان يخشى من لصوص، أو من قطاع طريق مثلا، أو من مختطفين، كما في بعض البلاد التي يكثر فيها المختطفون للنساء أو للشباب، أو نحو ذلك لفعل الفاحشة أو ما أشبه ذلك، أو كان هناك ضرر كبرد شديد، أو حر شديد مزعج مثلا، أو عذر من الأعذار؛ جازت الصلاة في الرحال، ولكن ننصحك في هذه الحال على أن تصلي في المسجد إذا استطعت سبيلا إلى ذلك، أو تذهب مثلا مع جيرانك، وترجع معهم؛ إذا كان المسجد بينك وبينه شركات فيها عمال مثلا غير مسلمين، أو غير مأمونين، فإذا ذهبت مع صديقك أو جارك أو والدك، أو أحد جيرانك، فإنك -إن شاء الله- تكون بمأمن. جرب ذلك مرارا، فلعلك- إن شاء الله- تجد مأمنا.
س: هذا أحد يسأل عن حكم الغناء؛ مع ذكر الدليل؟ وآخر يقول: إني أحب سماع الأشرطة الدينية، ولكن أهلي في البيت يضعون شرائط غناء فماذا أفعل؟ وآخر يقول: أنا لا أحب الأغاني، وأهلي يشغلونها في البيت، وعندما أعارضهم يضربونني، ويضيقون علي؛ فماذا أفعل لكي أنهى عن ذلك؟
الغناء حرام، والدليل قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال ابن مسعود والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء؛ فذمهم الله على ذلك، وعابهم، وذكر أنهم إذا سمعوا القرآن نفروا عنه؛ فقال في الآية: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فهذه حالة كثير من الذين يألفون الغناء، إذا تليت عليهم الآيات فإنهم ينفرون منها؛ كما في قول ابن القيم -رحمه الله- أو ما أنشده:
وإذا تـلا القـاري عليهـم ســورة
فأطالهـا عـدوه فــي الأثقــال
ويقـول قائلهـم: أطلـت وليـس ذا
عشـر فخـفِّف أنــت ذو إمـلال
أما إذا جاءهم اللهو واللعب والسماع المحرم فإنهم ينشطون عند ذلك -والعياذ بالله- يقول في ذلك:
ثقـل الكتــاب عليهـم لمـا رأوا
تقييــده بـأوامــر ونــواهي
وأتـى الغنـاء موافقـا أهـواءهم
فلـذا أضحــى عظيـم الجــاه
فلا شك أن الغناء محرم، وقد توعد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر الزمان في الحديث الذي في صحيح البخاري في قوله: يكون قوم -أو يأتي قوم- يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .
فالحر يعني: الزنا، والحرير يعني: لبس الحرير للرجال، والخمر معروف، والمعازف آلات اللهو، آلات الغناء؛ يستحلونها؛ مما يدل على أنها محرمة، وإذا كانت محرمة فإن عليك أن تنصح أهلك ألا يشغلوها، وألا يشتروا أشرطة الأغاني، ولا يفتحوا على الإذاعات التي فيها أغانٍ، ولا على الأفلام التي تشتمل على أغانٍ أو ملاهٍ، وتبين لهم حرمتها، وإذا لم تستطع ذلك فإن عليك أن تعتزل المجالس التي تسمع فيها تلك الأشرطة، أو يفتح فيها على الإذاعات المشتملة على الغناء، وتذهب في حجرة أو غرفة خاصة، وتسلم بنفسك، وتنجو من الإثم.
س: أحدهم يقول: أنا شاب ضعيفة نفسي؛ أحب مصاحبة الأشرار أحب الغناء، وأدخن، فما هي نصيحتك لي؟ وجزاكم الله خيرا.
ننصحك بأن تقوي نفسك على الطاعة؛ فأولا وأهم شيء هو ترك الدخان، فإن تعاطيه سيما من الشباب سبب للفساد، وسبب للتمكن من صحبة الأشرار؛ غالبا أن الذي يشربه يجتنب الأخيار، ومجالس الخير، وتفوته مجالس الذكر، وحلقات العلم؛ فأولا: عليك أن تبادر بترك الدخان، وتركه سهل يسير، فلو صبرت عنه مثلا -سيما وأنت مبتدئ- صبرت عنه عشرة أيام بقوة وعزم فإن الله يعينك على ذلك وتتركه.
ثانيا: عليك أن تقاطع الأشرار، وأن تستبدل بهم أخيارا. إذا عزمت على ترك الدخان وتبت منه فاعتزل أهله، واستبدل بهم أهل خير، وتجدهم -إن شاء الله- كثيرا، فتصحبهم مثلا في مكتبات خيرية، أو في حلقات علمية، أو في مجالس شريفة في بيت أحدكم؛ فتستبدل بهم خيرا، فمجالسهم كلها خير؛ فإما قراءة في كتاب مفيد، وإما مذاكرة لدروس مفيدة، وإما تعلم علم أو ما أشبه ذلك، وتسلم من الإثم ومن المعاصي، ونحوها؛ فبذلك -إن شاء الله- تنقطع عن الشر، وتألف الخير.
س: ...سائل يقول : سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين -حفظه الله- السلام عليكم ورحمة الله. أقدم هذه الأسئلة، بعدما سمعنا بقدومكم إلينا -أثابكم الله، وجزاكم عنا وعن المسلمين خير الجزاء- نحن بعض المدرسين نتحدث أحيانا عن بعض الطلاب داخل المدرسة، ونأتي بسيرتهم، فهل هذا يا سماحة الشيخ يدخل في الغيبة والنميمة؟ وما هي كفارة المجلس ؟
لا يدخل إذا كان ذلك لبيان حالتهم حتى ينبهوا الطالب، إذا رأوا مثلا من الطالب أنه يتكاسل عن أداء واجبه انتبه له أحد المدرسين، وخاضوا فيه فيما بينه عرفوا ذلك، فإنه إذا نبهه المدرس الفلاني، ثم الثالث، ثم العاشر، كان ذلك مما يفزعه إلى أن المدرسين انتبهوا له، فيشد جهده، ويضاعف طلبه، فيكون في ذلك فائدة. فالكلام في الطلاب، وفي سيرتهم، إذا كان القصد منه معرفة من هو نشيط حتى يشجع، ومن هو ضعيف حتى ينبه؛ ففي ذلك فائدة.
أما إذا كان القصد مجرد التسلي، أو مجرد التفكه بالكلام، بحيث إن ذلك يعتبر فيه شيء من التنقص الذي يلحقه العيب فننصحكم ألا تفعلوا ذلك، فإذا احتيج إلى شغل المجلس بمثل ذلك فإنه يشغل بالشيء الذي يستفاد منه. كفارة المجلس معروفة، ذكر في تفسير قول الله تعالى في آخر سورة الطور في قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وهي أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. يقول: إن ذلك كفارة لما في هذا المجلس من الخوض، ومن الكلام الباطل.
س: أسمع في أغلب أوقاتي في المنزل في برنامج القرآن الكريم في الراديو، وهذا البرنامج له فوائد عظيمة تفيدنا كمسلمين، منها: قراءة القرآن، وبعض المحاضرات، فيصادف أحيانا أن يدخل- أعزكم الله- الحمام فيكون الراديو مشتغلا، فما حكم سماعنا لهذه التلاوة، والمحاضرات الدينية؟
لا مانع أن تسمعها ولو كنت في بيت الخلاء لا مانع من ذلك؛ وذلك لأن السماع ليس هو مثل الإدخال، الممنوع مثلا إدخالها مكتوبة في المراحيض، وأماكن التخلي، فأما سماعها فلا مانع. نعم.
س: هذا يسأل عن حكم إطالة الشعر، علما بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان شعره طويلا؟
نقول: إذا كان القصد الاقتداء بالرسول فلا مانع، أما إذا كان القصد الاقتداء بفسقة، أو بفاسدين، أو مفسدين، فإنه يمنع من ذلك.
س: نحن عند وقت الإفطار أي: عند أذان المغرب لا نأكل إلا إذا أذن المؤذن الذي بجانبنا؛ مع العلم أن كثيرا من المساجد تنتهي من الأذان، والمؤذن الذي بجانبنا لم يؤذن؛ فهل يصح البدء بالإفطار في أول ما أسمع الأذان؟
انتظروا إلى أن يؤذن المؤذن الذي تثقون به، وتعرفونه بالتحري؛ لأن هناك من يتسرع. هناك من يكون في ساعته مثلا شيء من التقديم، هناك من ينظر إلى الشمس غابت في جبل مثلا، أو في قصر، فيظن أنها قد غابت، فننصحكم ألا تفطروا إلا على مؤذن تثقون به، وممن يوثق به -إن شاء الله- مؤذن الجامع الكبير، الذي هو أبو ماجد فإنه يتحرى، ويتثبت، وأذانه يذاع في الإذاعة. نعم.
س: هذا يسأل: يقول: هل جميع أنواع القطرات الطبية تفطر؟ وهل يصح استخدامها عند الضرورة ؟ وآخر يسأل عن استخدام البخاخ في الأنف إذا كان مريضا؟
هذه فيها خلاف؛ يعني: القطرات. كثير من العلماء يقولون: إنها تفطر كالكحل؛ وذلك لأنه يوجد طعمها. تدخل مع عروق العين، ويظهر طعمها في الحلق، والكحل كذلك، يعني: أن العين لها قوة اجتذاب فتجتذبه مع عروقها، ويظهر طعمه، حتى إنها إذا عولجت العين مثلا بحمرة ظهرت الحمرة في الريق؛ فلذلك قالوا: إنه لا يجوز التداوي بها.
وأنكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بين للأمة ما يحتاجون إليه، ولو كان علاج العين، أو علاج الأذن يفطر لبينه لهم؛ فلما لم يبينه دل على أنه لا يفطر، فيبيح ذلك، ويقول: إن الكحل وعلاج العين وقطراتها ومراهيمها كل ذلك لا يفطر، وكذلك قطرات الأذن، والمسألة- على ما سمعنا- فيها خلاف، أكثر العلماء قالوا: إنه لا يفعلها، وهذا هو الذي نختاره أحوط، ولكن إذا كان هناك ضرورة شديدة إلى علاج العين وعالجها، فلا مانع- إن شاء الله- ولا يفطر، ولكن عند الاستغناء عليه أن يؤخرها، أو إذا استطاع الصبر، يؤخر العلاج إلى الليل، فهو أحوط.
وأما بخاخ الأنف فإذا كان مجرد رائحة فلعل ذلك لا يفطر، وأما إذا كان فيه جرم؛ إذا كان له شيء يدخل مع مدخل الهواء الذي هو الخياشيم، ويصل إلى الحلق، فإنه يفطر، إذا كان هذا البخار مما يتجمع، ويصير له جرم، بحيث يحس بطعمه داخل مع المنخرين فإنه يفطر. أما إذا لم يكن له إلا مجرد رائحة فلا يفطر -إن شاء الله- .
س: وسائل يقول: أنا ذهبت إلى العلاج بالخارج لمرض في القلب، وقال لي الطبيب: يلزم تعاطي الدواء لمدة ثلاثة أشهر، ويلزم أن يكون في الساعة العاشرة صباحا، وإذا لم آخذه فسوف يرجع إلي المرض؛ فكيف أشرب الدواء في رمضان؟ هل أفطر، أم أصوم؟
ما دام أن هذا الطبيب معتبر وأنه معروف بالإصابة، ووافقه على ذلك الأطباء المسلمون المعتبرون؛ اعتبر نفسك كمريض، والمريض له الفطر، فلك أن تفطر لأجل هذا العلاج، وتصومه بعد انتهاء المدة -إن شاء الله- صحيحا سليما.
س: هذا يسأل عن استعمال البخور والعطر؛ هل يبطل الصوم أم لا؟
لا يفطر؛ لأنه مجرد هواء ورائحة، ومع ذلك يكره تعمد شم البخور؛ الذي هو دخان العود ونحوه، يكره تعمد شمه؛ لأنه قد يدخل مع الخياشيم، كما يكره التعمد للغبار، والدخان وما أشبه ذلك؛ دخان النار ونحوه. يتحفظ الإنسان عن هذه الأشياء، نعم.
س: أحدهم يقول: لقد أجاز الرسول -صلى الله عليه وسلم- الإفطار للمسافر لما كان عليه السفر من مشقة؛ أما الآن فوجدت الطائرات، وأصبح السفر مريحا، ولا مشقة فيه؛ فهل يجوز للمسافر أن يفطر؟
العلماء يقولون: يجوز؛ لأن السفر مظنة المشقة، ولكن على كل حال الصوم أفضل، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان صام في السفر في غزوة الفتح سنة ثمان من المدينة إلى أن بلغ عسفان ثمانية أيام وهو يصوم، ولما أقبل على مكة قالوا له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، فأمرهم عند ذلك أن يفطروا، وقال لهم: إن الفطر أقوى لكم ؛ يعني على قتال عدوكم، فهذا بيان أن الأفضل الصيام إلا مع المشقة.
فنحن نقول: إذا كنت تقدر على الصيام ولا مشقة عليك؛ فالصوم أفضل والفطر جائز، وإذا كان عليك مشقة وصعوبة في الصوم؛ فالفطر أفضل والصوم جائز، فقد ثبت في حديث جابر قال: كنا مرة في سفر في حر شديد؛ حتى أن أحدنا ليضع يده على رأسه لشدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة فهنا قد صام مع شدة الحر؛ فدل على أنه جائز، وكأنه احتسب كثرة الأجر.
ولكن على كل حال المشقة التي توجب أن الصائم يحتاج إلى من يخدمه يندب له أن يفطر، وأن يقضي؛ وذلك لقول الله تعالى: أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فبيَّن أن الفطر لأجل أن فيه عسرا؛ أن في الصوم عسرا ومشقة، فإذا لم يكن هناك عسر، ولا مشقة، فالصوم أفضل، ليعلم هذا التفصيل. نقول: الصوم أفضل مع عدم المشقة والفطر جائز، والفطر أفضل مع المشقة والصوم جائز.
س: فضيلة الشيخ: ورد حديث أن الصيام من بعد خمسة عشر من شعبان إلى الثلاثين منهي عنه، وورد حديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم شعبان كله، فكيف يجمع بينهما؟
حديث عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر الصوم في شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلا. ظاهره أنه يصوم أكثره، وقد يصوم من النصف الأخير؛ إذا كان يصوم أكثره، فقد يصوم عشرين يوما، إذا قلنا: هذا أكثره، فظاهره أنه يصوم خمسة أيام من النصف الأخير. حديث أبي هريرة الذي في السنن: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا هذا قيل: إنه لأجل الكراهة، أو لأجل التقوي على صيام رمضان؛ يعني: أنه لأجل أن لا يثقل على بعضهم الصيام إذا جاء رمضان، وعلى كل حال فالصحيح أنه للكراهة، لا للتحريم. حديث أبي هريرة أنه للكراهة، لكراهة من يشق عليه، وأما من لا مشقة عليه فإنه جائز.
س: أحدهم يسأل يقول: لدينا إمام قراءته مؤثرة في الصلاة، فإذا صلى العشاء تأثر المأموم من القرآن فبكى فيها، فهل هذا يجوز؟
لا بأس يجوز. الخشوع في الصلاة والبكاء فيها جائز؛ قد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يسمع لصوته أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وذلك من آثار الخشوع في الصلاة. كذلك كان الصحابة؛ كان بعضهم تمر عليه الآية فيرددها طوال ليله ويبكي، فإذا كان ذلك الإمام رقيق القلب، ويبكي إذا قرأ، ويبكي من خلفه إذا سمع بكاءه، أو سمع قراءته، فإن ذلك من آثار الخشوع، وحضور القلب.
س: يقول: امرأة زوجها مريض لا يستطيع الحج معها، وترغب في أداء الحج، فهل لها أن تسافر مع صحبة من الرجال الطيبين، أو النساء الصالحات، وهل لا بد من موافقة الزوج، وإذنه في الحج؟
في ذلك خلاف، لكن عليها أن تبحث عن محرم ولو من الرضاع؛ أخ من الرضاع، أو ابن أخ، أو ابن أخت، فإذا أيست فمن العلماء من يقول: إنها لا تحج؛ بل تنيب، ولكن في هذه الأزمنة لعلها أُُمنت المفسدة، أو خفت وذلك أن المفسدة قديما كانت موجودة لطول السفر ولكثرة الخلوة، وأما في هذه الأزمنة فقصر السفر، وقصر المسافة، وكثرة الصحبة؛ صحبة الأخيار تخفف من المفسدة. رخص الإمام مالك في أن تحج المرأة مع نسوة ثقات، إذا كان ذلك في الزمن القديم الذي تغيب فيه ستة أشهر؛ يعني: المالكية كان أكثرهم في المغرب وفي الأندلس كان بعضهم يغيب عن أهله إذا حج ستة أشهر، ومع ذلك رخص فيه، فغيبوبتها مثلا: نصف شهر، أو عشرة أيام مع نسوة ثقات مؤمونين إذا أيست من وجود محرم لعل ذلك لا بأس به.
س: يقول: أنا عندي أخ يقرأ القرآن، وإذا انتهى من التلاوة يقول: صدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم، هل هذا جائز؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
أنكره كثير من المشائخ، وقالوا: إن هذا غير مأثور. صحيح أنه لم ينقل عن السلف أنهم كانوا يقولون عند كل وقف، أو انتهاء من قراءة ذلك، ولكن لما لم يكن في ذلك محذور، وكان ذلك تصديقا لكلام الله، فلا مانع من ذلك -إن شاء الله- من غير أن يتخذ عادة، وديدنا دائما فإن الله تعالى قد صدق نفسه. قال تعالى في سورة آل عمران: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وقال في سورة النساء: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا فإذا قال الإنسان: صدق الله، فقد صدق الله في كلامه، فلا مانع من ذلك؛ لكن اتخاذه ديدنا بعد كل قراءة ليس بمستحب.
س: يقول: أنا بعض الأحيان أتعصب على والدتي، ولا أطيعها في بعض أوامرها، فما حكم ذلك؟
هذا لا شك أنه خطأ، وأن الولد عليه أن يطيع أبويه، والأم لها ثلاثة حقوق، ولكن إذا عرفت أن عليك مشقة من هذا الأمر فاعتذر إليها، أو مثلا: عرفت أن ذلك الذي أمرتك به لا أهمية له، وأنك لا تستطيعه، أو لا يستطاع لك في ذلك الوقت الحاضر فاعتذر إليها، وسوف تعذرك إذا اتضح لها العذر.
س: يقول: عند الحاجة الماسة هل يجوز أخذ الفوائد الربوية المقدمة من البنوك وذلك لصرفها كاملة لتكاليف مواصلة الدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية؟ ويقول أيضا: هل يجوز أخذ هذه الفوائد، ثم منحها أو التبرع بها لرابطة العالم الإسلامي، أو في جهات الخير الأخرى؟
يمنع من ذلك كثير من العلماء، ويقولون: إنها كسب خبيث، ولكن يرخص فيها بعض العلماء؛ ممن رخص فيها شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- فإنه يقول: ما دام أنها مال، ونتيجة لمال، فالممنوع أكلها، والممنوع إيكالها على أنها ربا، ولعل هذا هو الأقرب؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا وموكله، فإذا أخذته من البنوك وأكلته، فأنت آكل، وإذا تركته لهم فأكلوه، فأنت موكل، وإذا أخذته، وصرفته في وجوه الخير، أو على المستحقين أو ما أشبه ذلك؛ فلعل ذلك أسلم من أن تكون آكلا أو موكلا؛ وذلك لأنه لا يكون في حق الآكلين ربا. الذين تعطيهم إياه كصدقة لا يكون في حقهم ربا، فلا يدخلون في اللعن، وأنت توسع عليهم، فيجوز ذلك -إن شاء الله- ويقيسه شيخنا؛ يقيسه بما روي عن العلماء من صرف الأموال المحرمة، أنها تصرف في وجوه الخير؛ فيقول مثلا: إذا تابت الزانية، وعندها أموال اكتسبتها من فرجها. أرادت التوبة؛ فماذا تفعل؟ لا تأكل هذه الأموال؛ لأنها كسب حرام، لا تردها على الزاني؛ لأنه قد استوفى منفعته وفي ذلك تشجيع له، لا تحرقها؛ لأن الأموال طاهرة ليس لها ذنب؛ الأموال نظيفة، الدراهم ليس لها ذنب، ليس فيها صفة تجعلها نجسة، قد تكون الأموال مثلا محترمة كالأطعمة؛ فماذا يفعل بها؟ يتصدق بها على المستضعفين، وهذا هو الأقرب -إن شاء الله- مع أنهم يقولون: لا يعامل أهل البنوك إلا عند الضرورة.
س: أحدهم يقول: هل يجوز لعب الكرة في ليالي رمضان مع الشباب الأخيار؟ ويقول: ما حكم لعب الكرة بعد صلاة التراويح؛ مع التعليل والسبب؟ وآخر يقول: هل يجوز أن نلعب بعد أن نصلي؟
على كل نقول: إن الاشتغال بالقراءة أفضل من اللعب، ولكن إذا كان مثلا: أنهم يحتاجون إلى تنشيط أجسامهم، أو تمرينها على شيء من الأعمال، وأن في هذا اللعب شيئا من اكتساب القوة وتفتح الأذهان، وما أشبه ذلك، ولم يكن شاغلا عن شيء من الواجبات، فهو من الأمور المباحة -إن شاء الله- في أية وقت، سواء في الليل، أو في الصباح أو ما أشبه ذلك، مع تفضيلنا للاشتغال بالأشياء المفيدة كالقراءة، والمذاكرة وما أشبهها.
س: فضيلة الشيخ: إني أحبك في الله، وقد سررنا برؤيتكم، واللقاء بكم، فما هي وصيتكم لنا -نحن الشباب- خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والمغريات أثابكم الله؟
أحبك الله، وأحب كل مؤمن تقي. نقول: وصيتنا للشباب في هذه الأزمنة معرفة الحق، والتمسك به، والحذر من الشر، والابتعاد عنه. الحق واضح والشر واضح؛ كل ذي فطرة يعرف ما هو حق، وما هو خير فيفعله، وما هو شر فيبتعد عنه، ولكن مع ذلك أحب أن أذكر شيئا من التفصيل في أسباب الشر أو في الشرور.
فأولا: من الشرور صحبة الأشرار؛ الأشرار هم مثلا أهل الخمور، والمخدرات، ونحوها. احفظ نفسك عنهم، وكذلك أهل الدخان، وأهل النارجيل وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة الضارة؛ التي ضررها محقق؛ هؤلاء احذر منهم، وحذر منهم من تحبه.
ومن الشرور العكوف على الأغاني، وشغل الوقت بها، فإنها قد فتنت كثيرا من الناس، وأوقعتهم في الآثام، وجرأتهم على المعاصي، وكسلتهم عن الطاعات؛ فكثير منهم يستلذ بسماع تلك الأغنية، ثم تأتي أغنية بعدها فيفوت لأجلها الصلاة وما أشبه ذلك، وقد يستثقل الصلاة إذا قام إليها. قد يقوم وقلبه منشغل، يتمنى أن يرجع إلى ذلك اللهو، وتلك الأغاني، والأصوات التي سمعها، والتذ بها، فلو أنه فطم نفسه عنها لأراح نفسه، ولم يبق في قلبه شيء من الميل إلى ذلك اللهو.
ومن الشرور ما ابتلينا به أيضا من الأفلام الخليعة، التي تباع في تلك المصورات ونحوها؛ التي هي كثر من يذيعها وينشرها، فإنها تزرع الشرور؛ حيث تشتمل على صور خليعة، وعلى مرئيات قبيحة تجرئ إلى الشر. لو لم يكن إلا أن أولئك الذين يعرضون فيها، يعرض الرجال وهم شبه عراة، وقد يعرض فيها اختلاط بين رجال ونساء؛ إلى آخر ذلك مما لا يحتاج إلى تفصيل.
ومن الشرور مجالس اللهو والباطل التي تشغل أو تشتمل على باطل.
ومن الشرور الأسفار إلى البلاد الخارجية؛ التي فيها الإباحيات، والتي فيها الدعارة والفساد؛ فنحذر كل مسلم عن مثل هذه الشرور، وبالأخص عن صحبة أهلها أيا كانوا؛ حتى ولو كانوا إخوة أو أقارب أو جيران، أو نحو ذلك، وسيجد الصالح بدلا منهم.
أما الخير فطرقه كثيرة، فمن الخير المحافظة على الصلوات في الجماعة، وفي المساجد، ومن الخير صحبة الأخيار في المكتبات، وفي المجالس الخيرية، ومن الخير مجالسة العلماء، وحضور مجالس الذكر ومجالس العلم، والحلقات العلمية التي يدرس فيها كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويتفقه في الدين وما أشبه ذلك.
ومن الخير الإكثار من الأعمال المتعدية؛ التي منها نصيحة المسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الضال، وتنبيه الغافل وما أشبه ذلك، فإن كل من كان عنده علم عليه أن يعلمه من يجهله، وكل من كان على هدى عليه أن يدعو له، وينبه له الغافلين له وما أشبه ذلك؛ فالخير واضح، والشر واضح، وما على الإنسان إلا أن يعمل هذا، ويترك هذا حتى يكون بذلك من المهتدين إن شاء الله.
وفي الختام، نشكر لفضيلة الشيخ حضوره، وتشريفه هذا المكان، ونسأل الله عز وجل أن يثيبه، وأن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ونسأله عز وجل أن ينفعنا بما سمعناه، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا، ونرجو من إخواننا الطلاب البقاء في أماكنهم حتى مغادرة الشيخ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

line-bottom