الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14150 مشاهدة
الاعتكاف في العشر الأواخر وفضله

والعمل الرابع الذي في هذه الأيام قلنا هو الاعتكاف. ثبت في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر حتى فارق الدنيا، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
الاعتكاف هو: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، والقصد منه التفرغ للعبادة، فإن المسلم متى كان ملازما للمسجد كان متفرغا؛ لا يخرج من المسجد إلا لضرورة لا يجد منها بدا؛ يأتيه فيه طعامه وشرابه؛ يعني: فطوره وسحوره وما يحتاج إليه؛ ينام فيه ويجلس فيه.
متى كان في المسجد اعتزل الناس، واعتزل مجالسهم، وخلي بنفسه وتفرغ قلبه، وأقبل على العبادة، واستفاد من زمانه، وانقطع عن الدنيا وشواغلها، ومسحها من قلبه، ولم يتلاه، وهو لم يتشاكل عليها ولم يستهو قلبه بشيء منها، فبذلك يتفرغ للعبادة.
وقد ذكر الله الاعتكاف في عدة آيات؛ قال الله تعالى: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ؛ فالعاكف هو الملازم للمسجد لأجل العبادة، وذكره في قوله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ويعرف بعض العلماء الاعتكاف بقوله: الاعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق.
وهذا ليس تعريفا كاملا؛ حيث إن الاعتكاف الصحيح هو لزوم المساجد للاشتغال بطاعة الله -تعالى- هذا هو حقيقة الاعتكاف؛ لكن من ثمراته ومن نتائجه أن يقطع العلائق عن الخلق كلهم؛ فلا يشتغل بمجالستهم، ولا بمؤانسة أحد؛ بل يخلو قلبه بربه، ويتفرغ لطاعة ربه، ويتصل بالله -تعالى-اتصالا وثيقا؛ وإذا ذكر الله ذكره بقلبه ولسانه، وإذا قرأ القرآن قرأه بقلبه وتدبره وتعقله، وإذا دعا الله دعا الله وهو مخلص حاضر القلب، وإذا صلى خشع في صلاته وأحضر فيها قلبه ونحو ذلك.
هذا زيادة على أنه يبتعد عن ملابسة المعاصي؛ فلا يعصي بلسانه؛ حيث إنه لا يخالط أحدا ولا يتكلم مع أحد، فلا يسب ولا يشتم ولا يقذف ولا... ولا...
ولا يعصي بسمعه؛ حيث إنه لا يستمع إلى لهو ولا إلى سهو ولا إلى كلام باطل، ولا إلى غناء، ولا إلى خمر زمر ولا... ولا...
ولا يعصي بعينه؛ حيث إنه لا يشاهد محرمات أبدا؛ لأنه في مسجد و المسجد محل للعبادات وليس محلا للمعاصي؛ فلا يرى إلا ما هو طاعة؛ لا يرى شيئا من المحرمات ولا من أسبابها، ولا يعصي ببدنه كله، ولا يدخل في بدنه؛ في جوفه إلا الطعام الذي يتقوى به، ويتقوت به القوت الضروري، ولا يخرج من المسجد..... حتى لا يعود مريضا، ولا يتبع جنازة ولا غير ذلك.
وذلك لأن اشتغالهم بما فيه من العبادة أهم من تلك الأمور؛ التي هي من فروض الكفايات؛ فهذا الاعتكاف هو مندوب متأكد في مثل هذه الأيام ولياليها، والكلام حوله؛ يعني حول أقله وأكثره وما يتصل به، ومتى يكون واجبا؛ ونحو ذلك؛ معروف في كتب الفقه.