الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
16198 مشاهدة
فضل ليلة القدر

وأما فضل هذه الليلة؛ فمعلوم أن الله ذكر أنها خير من ألف شهر؛ والمعنى أن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في ألف شهر، والعمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر؛ فروي أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلا من بني إسرائيل حمل السلاح ألف شهر، فتعجب من ذلك الصحابة -رضي الله عنهم- وقالوا: كيف تبلغ أعمارهم إلى ذلك؟! فأنزل الله هذه الليلة.
حيث العبادة فيها خير من ألف الشهر الذي حمل ذلك الإسرائيلي فيه السلاح في سبيل الله، وبكل حال فإن هذا فضل عظيم، وعرفنا من فضلها أنها سبب لغفران الذنوب، وأن من حرمها؛ من حرم خيرها فقد حرم.
وأما العمل فيها فهو قيامها، أو قيام ما تيسر منها، وقد تكرر قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وقيامها يحصل منا بصلاة ما تيسر منها، فإن من قام مع الإمام أول الليل أو آخره حتى ينصرف كتب من القائمين، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى ليلة مع أصحابه أو بأصحابه، فلما انصرفوا نصف الليل؛ قالوا: لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ كتب له قيام ليلة .
قولهم: لو نفلتنا ليلتنا؛ يعني: لو كملت لنا ليلتنا، وزدت في الصلاة حتى نصليها كاملة، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- بشرهم بهذه البشارة، وهي أن من قام هذه الإقامة، وصلى مع الإمام حتى يكمل الإمام صلاته كتب له قيام ليلة، فأنت إذا صليت مع الإمام أول الليل وآخره حتى ينصرف كتبت لك قيام تلك الليلة؛ فحظيت منها بما يسر الله، وكنت من القائمين؛ هذا هو القيام.
بقي النية والاحتساب والإيمان، وهو المذكور في قوله: إيمانا واحتسابا الإيمان هو التصديق بفضلها، والتصديق بمشروعية العمل الذي فيها؛ فالعمل الذي فيها مشروع، وهو الصلاة والقراءة والدعاء والابتهال والخشوع والعبادة.
فإذن، عليك أن تؤمن بأن الله أمر به وشرعه ورغب فيه، فمشروعيته متأكدة؛ إيمان الإنسان بذلك تصديقه بأن الله أمر به، وبأنه يثيب عليه.
وأما الاحتساب فمعناه خلوص النية وصدق الطوية؛ بحيث لا يكون في قلبه شك ولا تردد، وبحيث لا يريد من صلاته ولا من قيامه شيئا من حطام الدنيا، ولا شيئا من المدح ولا الثناء عليه، ولا يريد مراءاة الناس ليروه ولا ليمدحوه، ويثنوا عليه، إنما يريد أجره من الله -تعالى- فهذا معنى كونه قامها إيمانا واحتسابا.
وأما غفران الذنوب فإنه مقيد في بعض الروايات بغفران الخطايا التي دون الكبائر.
أما الكبائر فلا بد لها من التوبة النصوح؛ فالكبائر يجب على الإنسان أن يتوب منها ويقلع عنها ويندم. أما الصغائر فإن الله يمحوها عن العبد بمثل هذه الأعمال؛ بالمحافظة على هذه الأعمال التي منها صيام رمضان وقيامه وقيام هذه الليلة، ومن العمل فيها الاعتراف من العبد لربه بالتقصير وطلبه العفو.