الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82238 مشاهدة
الله تعالى جلَّ عن الأشباه والأنداد وتنزه عن الصاحبة والأولاد

قوله:
( جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد. )


شرح:
هذه الجملة يؤخذ منها صفات السلب وصفات النفي، فإن صفات الله صفات سلبية، أو صفات ثبوتية، ولكن إذا أتت الصفات السلبية استلزمت الصفات الثبوتية، وإلا فالسلب المحض لا يمدح الله به نفسه حتى يتضمن صفة ثبوت يمتدح بها.
فإن المدح إنما هو بالصفات المثبتة لا بالصفات المنفية، فإذا قال مثلًا: جلَّ عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، فهذا نفي، وقد نفى الله ذلك عن نفسه في عدة آيات، كقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (الجن:3 ) وكقوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ( الإخلاص:4 ) وكقوله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ( البقرة:22 ) وكقوله تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ( النحل:74 ) وكقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ( الشورى:11 ) وكقوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (مريم:65) .
هذه كلها نفي وسلب، ولكن يمدح نفسه بهذا السلب لأنه يتضمن ثبوت أضداد هذه الصفات، وكذلك قوله تعالى وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ( الإسراء:111 ) .
كل ذلك يستدعي صفة ثبوتية هي التفرد والوحدانية التي تستلزم الكمال؛ فإنه إذا كان واحدًا فردًا صمدًا تصمد إليه القلوب، وتتوجه إليه الرغبات، ومع ذلك هو محيط بالمخلوقات، وعالم بها، ومع ذلك هو خالقها ، ومدبرها وحده ، أليس ذلك دليل العظمة؟ أليس ذلك دليل الكبرياء؟ لا شك أنه إذا تنزه عن أن يحتاج إلى صاحبة - يعني زوجة - لا يحتاج إلى ولد، لم يلد ولم يولد، وقد نزه الله نفسه عن الولد وأخبر بأن هذه فرية قالها المشركون، وأنها أعظم فرية وأكبرها، قال تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ( مريم:90-92 ) .
يعني أن مقالتهم هذه تكاد أن تتفطر لها السماوات، وتنشق لها الأرض، وتخر لها الجبال، وتتفطر لها المخلوقات العظيمة لعظم شناعتها، حيث جعلوا لله - تعالى - ولدًا مع أنه مستغنٍ عن الولد والوالد والشريك والنظير والمثيل والند والكفؤ؛ لماذا؟ .
لأن هذه الأشياء تستلزم الحاجة، أو تستلزم المثلية، تستلزم أنه بحاجة إلى الولد كالإنسان الذي بحاجة إلى ولده يسانده ويساعده ويقوم مقامه، ويعينه عند عجزه، ويخلفه بعد موته.
والرب - تعالى - ليس كذلك، وليس بحاجة إلى الولد ولا إلى الزوجة، ولا إلى شريك، فهو له الكمال المطلق، إذًا فنفي الصاحبة يستلزم عدم الحاجة، ويثبت الغني ، وكذلك نفي الولد يلزم منه إثبات الكمال، وكذلك نفي الشريك، ونفي الند، ونفي المثيل، وما أشبه ذلك.
وردّ أيضا على من أثبت ذلك من المشركين ونحوهم كقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ( التوبة:30 ) وقوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ( الزخرف:19 ) وقوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( الصافات:149-154 ) وكقوله تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ( الصافات:158 ) .
زعم بعض جهلة العرب : أن الملائكة بنات الله، وأن بينه وبين الجنة نسبًا، تعالى الله عن قولهم ذلك كله؛ فردّ عليهم، وأثبت وحدانيته، فبذلك نعرف أن كل نفي فإنه يستدعي ثبوتًا، وإلا فالنفي المحض ليس بمدح.
رد شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته ( التدمرية ) في قاعدة من القواعد على من يصف الله - تعالى - بالصفات السلبية التي هي عدم محض، وكذلك في كثير من كتبه، وأخبر في ( الحموية ) أن الله بعث رسله بنفي مجمل، وإثبات مفصل، وأن الإثبات يقصد لذاته والصفات الثبوتية مقصودة لذاتها.
وأما الصفات السلبية فمقصودة لغيرها، والله - تعالى - نزَّه نفسه بقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ( الجن:3 ) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ( الأنعام:101 ) فإذا نزه نفسه عن مثل هذا دل على صفة الكمال ، وتنزه عن الشركاء والأمثال ، وذلك يثبت وحدانيته حتى لا يعبد غيره.
وفي الآية التي في سورة سبأ يقول ابن القيم رحمه الله: إنها قطعت جذور الشرك، يعني: عروقه، وهي قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( سبأ:22-23 ) .
فنفى أربع حالات:
الملك ملك استقلال، فأما ما تملكه أنت من متاعك أو منزلك فليس ملك استقلال؛ لأنك أنت وهو ملك لربك وخالقك، أي: لا يملكون ولو مثقال ذرة، فكيف يُعبدون؟.
وقد يقول قائل : نسلم أنهم لا يملكون، وأن الملك لله، قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( غافر:16 ) لكن يمكن أن يكون لهم شركة، أي: يمكن أن يكونوا شركاء الله، فنفى ذلك بقوله تعالى: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ( سبأ:22 ) ولو شراكة في مثل الذرة.
 وقد يقول قائل : نسلم أنهم لا يملكون وليسوا شركاء، ولكن يمكن أنهم أعوان لله، أي: أنهم أعانوا الله في إيجاد الموجودات، فنفى ذلك بقوله تعالى: وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ( سبأ:22 ) أي: من معين، ليس لله - تعالى - مُظاهر ولا مساعد، ولا معين في إيجاد الموجودات، بل هو المنفرد بذلك وحده ؛ وإذا كان كذلك فإنه المستحق لأن يعبد وحده.
ثم نفى الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، حتى لا يقولوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
فإذا انتفى الشريك وانتفى الولد، وانتفى المعين، ونفيت الصاحبة، ونفي الند والنظير والكفؤ؛ أثبتت صفات الوحدانية والتفرد، فهذا مقتضى هذه الصفة، وهي أننا ننفي هذه النقائص حتى نثبت الوحدانية التي هي صفة كمال لا يشاركه في هذا الكمال ولا في هذه الوحدانية أحد، ولأجل ذلك من أسماء الله وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ( البقرة:163 ) إثبات للوحدانية، وقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( الإخلاص:1 ) إثبات الأحدية، والأحد مبالغة في الوحدانية، يعني: هي أبلغ من أن يقول: ( قل هو الله واحد ) أحد: أي منفرد بالأحدية، لا يشاركه في هذه الصفة غيره.
فإذا اعتقد المسلم ذلك عرف أنه المستحق لأن يعبد؛ جلّ وتنزّه عن الشريك، وعن الصاحبة، وعن الند، والنظير، والمثيل.