اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82305 مشاهدة
الرأي في اختلاف المذاهب

مع ذلك كله فإن هؤلاء الأئمة ليسوا هم العلماء كلهم، بل في زمانهم من هو أهلٌ للاتباع وأهلٌ للعلم؛ فالإمام الثوري عالم العراق من العلماء المشهورين ، وكان له أيضًا أتباع ، والإمام الليث بن سعد عالم مصر كان أيضًا عالمًا جليلاً كبيرًا، وله أيضًا أتباع، وإن لم يكن له مؤلفات ولا مذهب متبع ، وكذلك الإمام الأوزاعي أبو عبد الرحمن عالم الشام في زمانه، وله أيضًا أتباع، وله تلاميذ كثيرون.
ولكن المجمع واحد، فكلهم يتبع الآخر إذا ظهر له الحق مع أحدهم، فإنهم يتبرؤن من الخطأ ويقولون لتلامذتهم: إذا اتضح لكم الخطأ في قولنا فلا تتبعوه، اتبعوا الحق وخذوا به.
ذكروا أن الإمام أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين، فنحن رجال وهم رجال؛ وذلك لأنه من التابعين.
واشتهر عن مالك رحمه الله أنه يقول: كلُّ أحَدٍ يؤخذ من قوله ويُترك إلا صاحب هذا القبر ، يعترف على نفسه بأن أقواله عرضة للخطأ وعرضة للترك، وإذا اتضح فيها خطأ فلتُترك.
وجاء رجل إلى الشافعي رحمه الله، وسأله عن مسألة: فقال: هذه المسألة أفتى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا وكذا ، فقال السائل: فما تقول أنت يا أبا عبد الله ؛ فغضب الشافعي غضبًا شديدًا وقال: ويحك أتراني في بيعة؟ أتراني في صومعة؟ أتراني على وسطي زنار؟! أقول لك أفتى فيها رسول الله صلى عليه وسلم وتقول ماذا تقول أنت، أترى أني أخالف فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم! هكذا غيرتهم وحماستهم على السنة النبوية.

كذلك الإمام أحمد رحمه الله اشتهرت مقالته التي يقول فيها: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ويذهبون إلى رأى سفيان والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور:63) أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.
هذه مقالتهم التي يحثون فيها على الرجوع إلى السنة ومع ذلك وللأسف ؛ فإن كثيرًا من أتباعهم المقلدة صاروا يرون الحق والصواب معهم فقط، ويتعصبون للمذاهب هذا التعصب الذي سبّب الفرقة.
فقد نتج عن التعصب لمذهب هذا على هذا؛ أنه حصل بينهم منافسات ومجادلات سواءً في الكتب أو في الأعمال أو نحوها، حتى ذكروا أن المسجد الأموي الذي في دمشق كانت تقام الصلاة فيه أربع مرات يصلي الإمام الحنفي بمن معه، ثم يصلي الشافعي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، وهذه تفرقة بين المسلمين.
وهكذا أيضًا قبل مائة وخمسين سنة في الحرم المكي كان فيه أربع مقامات، فالمقام الحنفي في الجانب الشمالي يصلى فيه الإمام الحنفي، والمقام المالكي في الجانب الغربي يصلي فيه الإمام المالكي، والمقام الشافعي في الجانب الجنوبي يصلي فيه الإمام الشافعي، والمقام الحنبلي بالجانب الشرقي في مقام إبراهيم يصلي فيه الإمام الحنبلي، فتقام الصلاة في المسجد الحرام أربع مرات أو يصلي فيه أربعة أئمة! هذا لا شك أنه تعصب مذموم.
ومع الأسف ذكر لنا أن كثيرًا من المبتدعة يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف إمام الحرم الموجود الآن؛ يقولون: هذا وهابي مبتدع ضال ، ولكن هؤلاء ما ضللوه لأجل أنه حنبلي، وإنما من أجل أنه وهابي كما يزعمون.
نحن نقول: الأئمة رحمهم الله مجتهدون ومذاهبهم معترف بها واتفاقهم حجة قاطعة وإجماعهم دليل قوي ، واختلافهم رحمة وفيه سعة.
ذكر أن رجلا جاء إلى الإمام أحمد وقد كتب كتابًا سماه (الاختلاف) قال فيه مثلاً: اختلفوا في المسألة الفلانية فقال الشافعي كذا، وقال الثوري كذا، وقال الليث كذا، وقال مالك كذا ، فسماه (الاختلاف) فأنكر عليه أحمد وقال: لا تسمه بالاختلاف بل سمه بالسعة ، يعني: إن هذا الاختلاف توسعة على المسلمين حتى إذا عمل أحدهم بهذا القول، وعمل الثاني بهذا القول كان كل منهم على خير.
فهذا ما يتعلق بهذه المذاهب ، وهي المذاهب المتبعة، ومن ظهر له الحق في غير مذهبه، فلا ضير عليه أن يتبع الحق ولو خالف مذهب إمامه, والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.